السيمر / فيينا / الأحد 02 . 04 . 2023
أحمد الجمال* / مصر
“بناء على مدى توافق الظروف، على المرء أن يضع خطط”
(سون أتزو)
كانت الحملة الفرنسية على مصر جزءً لايتجزء من سلسلة الصراع بين إنجلترا وفرنسا على مستعمرات الأخيرة في الهند وأيضا لمنع تسرب مبادئ الثورة الفرنسية إليها، وقد نجحت فرنسا في هزيمة كل دول التحالف الأوروبي المضاد للثورة عدا إنجلترا وذلك لموقعها المتميز كجزيرة في البحر وقوة أسطولها، مما أدى بنابليون للتفكير في ضرب إنجلترا في طريق مستعمراتها للهند بإحتلال مصر، وقد واجه نابليون العديد من المتاعب في مصر من مقاومة أهالي الصعيد والوجه البحري بجانب غرق أسطوله في أبي قير، لكن الجانب الأخطر كان تفشي مرض الطاعون بين جنود الحملة؛ فهيا بنا عزيزي القارئ نُقلب صفحات التاريخ لنقف على حقيقة ماحدث:
إبان عهد الحملة الفرنسية فى مصر، انتشر الطاعون عبر الوافدين من خلال البحر المتوسط حيث كانت السفن الداخلة إلي ميناء الإسكندرية تحمل الوباء وحصدت أرواح الأطباء الفرنسيين، وكان العلماء العرب ينظرون للطاعون أنه مرض، ولكن كثرة انتشاره صار وباء، أما العلماء الفرنسيون في وقت الحملة الفرنسية علي مصر، فكانت مبنية على أن الطاعون .
يحتل الطاعون مكانة مميزة في التاريخ القديم والحديث، ويعتقد بعض الباحثين بأن انهيار الحضارة الرومانية بسبب انتشار هذا المرض من خلال الجنود العائدين من الحرب، وكان من أهم أسباب فشل القائد الفرنسي نابليون بونابرت في احتلال عكا إبان الحملة الفرنسية هو تفشي الطاعون بين جنوده.
ومن الجدير بالذكر أن استولى الجيش الفرنسي على يافا ونهبها تحت قيادة بونابرت في السابع من مارس عام 1799م، وسريعًا ما تبع ذلك انتشار الطاعون الدبلي والذي اكتشف في يناير عام 1799م حيث دمر الجيش. ومن ثم زار بونابرت في الحادي عشر من مارس جنوده المرضى ولمسهم و-كان ذلك يعتبر إمّا عملًا مذهلًا أو انتحاريًا- بناءً على نظرة المرء عن الأسطورة النابليونية أو عن أهوال عصر الطاعون.
وطلب لجيش النابليوني المساعدة من كهنة الصومعة الأرمنية فقدموا لهم العلاج الذي ساعد على شفاء بعض الجنود، وشكر نابليون الشيخ الأرمني شخصيًا وأهداه خيمته وسيفه.
كما عانى العديد من الفرنسيين من مشاكل خطيرة في العين منذ وصول الجيش إلى مصر في يوليوعام 1798م بسبب الرمال والغبار وضوء الشمس الشديد.
في عام 1804م، لم يكن هناك شك في وصف هذاعلى أنه عمل جريء من بونابرت، ولكن الضابط خلف بونابرت كان يحاول إيقافه عن لمس الدبل؛ كانت وسائل انتقال الطاعون غير معروفة في بداية القرن التاسع عشر، ولم يُعرف دور البراغيث في انتقال العدوى إلى أن وجد بول لويس سيموند دلائل على ذلك في عام 1898م، لم يكن لمس الدبل بيد عارية خطيرًا فعلًا بما أن جميع الموجودين في المشهد (كما نعرف الآن) معرضون لنفس نسبة خطر انتقال المرض عن طريق البراغيث. ولا يعتبر فعل الضابط على اليسار بتغطية فمه وأنفه فعلًا غير مبرر، ولكن مع ذلك؛ يمكن أن تتطور بعض حالات الطاعون الدبلي إلى طاعون رئوي وبنسبة عالية للغاية لنقل العدوى من الغبار الجوي المنبعث من سعال المرضى.
لم تتغير الجهود الطبية -والتي يمكن أن نراها أبعد إلى اليمين قليلًا في اللوحة – لمحاولة إيقاف الطاعون منذ العصور الوسطى؛ حيث يشق طبيب كبير في السن الدبل ليتدفق ما بداخله من صديد.. وهذه الطريقة في الواقع غير مجدية لمعالجة المرض بل إنها قد تضعف المريض أكثر. قام الطبيب بإجراء عملية على دبلٍ تحت ذراع مريضه المرفوعة حيث يحمل له ضاغطًا للدم ويمسح نصله ليستعد لشق دبل آخر، ويدعم مساعد الطبيب المريض خلال العملية. إن الأجسام مريضة وضعيفة، ويبدو البطل أقل نبلًا لوجود أناس عاديون حوله. تم ترك المثالية والكلاسيكية في هذه اللوحة حتى يظهر أسلوب رومانسي محدد فيها، فهذه معناه بشكل لوحة وذلك يعتبر حداثة؛ لأنه لم يرسم سابقًا إلا موت الأشخاص النبلاء.
في الثالث والعشرين من أبريل عام 1799م وخلال حصار عكا أقترح بونابرت على ديسجينيتس -وهو كبير أطباء للبعثة- أنه يجب أن يعطي المرضى جرعات مميتة من الأفيون، باعتبار ذلك قتل رحمة.. لكن ديسجينيتس رفض. وفي السابع والعشرين من مايو في نفس السنة قام نابليون بزيارة ثانية لضحايا الطاعون.
في سياق أسلوب تروبادور وخاصةً في اللحظة التي كان يتوج نابليون فيها إمبراطورا أثارت هذه الحادثة تقليد اللمسة الملكية الثوماتيرجيكالية التي قام بها الملوك الفرنسيين مع مرضى داء الخنازير (سكروفولا).
ودائما وأبداً …. التاريخ لاينتهي… سنحيا بالأمل في الله… سنحيا بالعلم… سنحيا بالكفاح… سنحيا بالتسامح… سمحيا بالإبتسامة الجميلة.
*باحث في التاريخ الحديث والمعاصر
كاتب بعدة جرائد مصرية وعربية
مقدم التاريخ بالإذاعة المصرية.