السيمر / فيينا / الخميس 06 . 04 . 2023
خلطت الصواريخ الـ34 التي أطلقت من لبنان على اسرائيل، غداة ليلتين متتاليتين من قيام القوات الإسرائيلية بقمع المصلين في المسجد الاقصى، الحسابات الامنية في المنطقة، حيث تتجه القيادة العسكرية والسياسية في اسرائيل الى اللجوء الى الخيار العسكري للرد، والمتوقع بحسب التسريبات الاسرائيلية، ان يركز على قطاع غزة الفلسطيني، وانما من دون استبعاد استهداف لبنان نفسه.
وتشكل هذه التطورات اختبارا خطيرا بالدم، لطبيعة التحولات التي تشهدها المنطقة، من توقيع الاتفاق السعودي-الإيراني بالأمس في بكين من أجل استئناف العلاقات الدبلوماسية، الى الانفتاح العربي المتزايد على دمشق، واحتمالات حصول تقارب بين تركيا وسوريا برعاية مباشرة من روسيا وإيران، وذلك في وقت يعيش فيه المجتمع الاسرائيلي احتقانا مستمرا منذ أسابيع بسبب خطة الإصلاحات القضائية التي كانت تحاول حكومة بنيامين نتنياهو تطبيقها وقوبلت باعتراض شعبي حاد في الشارع، اجبرته على تأجيل التصويت على القرارات الى شهر أيار/مايو المقبل، من دون أن يضمن انه سيتمكن من كسر موجة الاعتراض الكبيرة عليها، ولا حتى موافقة الأمريكيين على خطواته هذه.
وحذر العديد من المسؤولين والمحللين الإسرائيليين من أن خطة نتنياهو القضائية، وحركة الاحتجاج التي تواجهها، أصبحت تشكل تهديدا لاستقرار الدولة وكيانها، بحسب تعبيرهم، وكانت هناك مخاوف تقدر بان نتنياهو قد يسعى الى لعب ورقة التهديدات الخارجية، من اجل اشغال الرأي العام بعيدا عن الأزمة الداخلية التي قسمت المجتمع ما بين التيار اليميني المدعوم من المتدينين، وبين تيار يمين الوسط والعلمانيين الذين يرون أن الخطة المطروحة، تشكل مساسا جوهريا بديمقراطية إسرائيل ومؤسساتها الدستورية، وتسلمها لأيدي المتشددين الدينيين المتحالفين مع حكومة نتنياهو.
من المهم الاشارة الى هذه الخلفية، لانه طوال الأسابيع الماضية كثرت التكهنات باحتمال حدوث انفجار اقليمي، من غير المعروف شرارته أين ستكون بالتحديد، لكنها لاحت مع تصاعد الغارات الاسرائيلية على دمشق وحلب وحمص في الايام الاخيرة، والتي اوقعت احداها، ضابطين كبيرين من قوات الحرس الثوري الإيراني الذي تعهد خلال تشييعهما في إيران، بجملة واحدة “نحن سننتقم”.
لكن شرارات الانفجار الاقليمي المتوقع لاحت ايضا عندما اندلع تبادل للقصف والغارات بين القوات الأمريكية المتمركزة في الرشق السوري، وبين فصائل مدعومة من ايران، بعد مقتل أميركي وجرح ستة جنود، بهجوم استهدف ثكنتهم في الحسكة. ثم كانت المفاجأة أن جماعة تطلق على نفسها اسم “لواء الغالبون” أعلنت تبينها الهجوم على قوات الاحتلال الأمريكي، مؤكدة أنها نفذت الهجوم انطلاقا من الاراضي العراقية.
ولهذا، فإن خطورة ما جرى اليوم من تراشق صاروخي في الجنوب اللبناني مع القوات الاسرائيلية، انه يشكل اختبارا ل”فصائل المقاومة” في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق وصولا الى اليمن، والتي كانت أعلنت مرارا في السابق أن اي معركة كبرى مع اسرائيل، ستكون موحدة الساحات.
وبحسب المعلومات المتسربة حتى الآن من داخل إسرائيل، وتصريحات القادة الاسرائيليين بان “الهدوء الذي استمر 17 سنة عند الحدود مع لبنان (أي منذ حرب العام 2006)، انتهى”، وحديث قنوات التلفزة الإسرائيلية بأن النقاشات السياسية والعسكرية الجارية في اسرائيل منذ ساعات من أجل تحديد خيارات الرد العسكري، تركز حتى الآن على غزة أكثر من لبنان في الوقت الحالي.
وهناك مؤشرات بالفعل على أن عملا عسكريا سيحصل بين لحظة وأخرى، فصحيفة “الأخبار” اللبنانية، تحدثت عن معلومات ميدانية تفيد بأن قوات الأمم المتحدة “اليونيفيل” أخلت مراكزها القريبة من مواقع إطلاق الصواريخ اليوم، بين بلدتي القليلة والمعلية في الجنوب، فيما تقول اذاعة الجيش الاسرائيلي أن التقييم الأولي هو أن هجوما في غزة ولبنان سيتم الليلة.
وبحسب موقع “اكسيوس” الأمريكي نقلا عن مسؤول إسرائيلي كبير، فإنه من المتوقع أن يكون هناك رد قاس ضد حركة حماس في غزة. وكان المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي حمل حكومة بيروت مسؤولية إطلاق حركة حماس الصواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل.
لكن التقديرات القائمة في لبنان، أن اسرائيل تحاول تجنب القيام برد عسكري كبير ضد مواقع في لبنان، لأن حزب الله بحسب ما يجري تداوله، أبلغ مسؤولي الحكومة أنه لن يسكت على اي اعتداء اسرائيلي على الأراضي اللبنانية، وسيجد نفسه مضطرا على الرد على الهجمات الاسرائيلية.
وكانت وكالات أنباء عالمية نقلت عن مصادر لم تسمها، ولكنها وصفتها بأنها مقربة من حزب الله، قولها إن فصائل فلسطينية غير محددة هي التي اطلقت الصواريخ من الجنوب باتجاه اسرائيل، ما يعني أن المقاومة في لبنان، ليست منخرطة في الهجوم. ومع ذلك، فإن تقديرات الاسرائيليين تتمثل باعتقادهم أنه من غير الممكن تنفيذ هجوم صاروخي من مناطق الجنوب، من دون معرفة – أو موافقة – حزب الله بالمسألة، علما بأنه في العقدين الماضيين، جرت العديد من الهجمات الصاروخية من الجنوب باتجاه الشمال الاسرائيلي، لكنها كانت محدودة بعدد الصواريخ المستخدمة.
وبكل الاحوال، فان المتداول من معلومات من اسرائيل الان، هي ان الملاجئ فتحت أمام الاسرائيليين في عسقلان، بالقرب من غزة، كمان سكان المناطق الشمالية بالقرب من الحدود مع لبنان، طلب منهم التأهب لاحتمال النزول الى الملاجئ ايضا. ويجري ذلك، في وقت كثفت طائرات حربية إسرائيلية من طلعاتها في سماء المنطقة.
وبحسب المحلل العسكري والأمني الإسرائيلي روي شارون “هناك سيناريوهان لدى المؤسسة الأمنية حول كيفية الرد على إطلاق الصواريخ من لبنان وغزة: السيناريو الأول: رد ضعيف يستهدف لبنان، مما قد يؤدي إلى مزيد من إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل .. أو رد قوي ضد لبنان يجبر حزب الله إلى الرد والدخول في جولة عسكرية لا يُعرف كيف تنتهي”.
أما السيناريو الثاني بحسب شارون، فهو “ضرب قطاع غزة، وهو ما تراه المؤسسة الأمنية بأنه السيناريو الأسهل، حيث تقوم بضرب قطاع غزة كالمعتاد، دون الدخول في جولة تصعيد، وهذا أيضا لن ينهي الأزمة، وقد يستمر إطلاق الصواريخ .. أو شن عملية عسكرية ضد قطاع غزة حتى خلال عيد الفصح الحالي”.
وكانت قوات “يونيفيل” وصفت الوضع بين لبنان وإسرائيل بأنه “خطير للغاية”، داعية إلى تجنّب التصعيد، فيما قال البيت الابيض انه يشعر “بالقلق من العنف في إسرائيل ولاحظنا تصاعد الهجمات ونحث جميع الأطراف على خفض التصعيد، ونطالب الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بخفض التصعيد والحد من العنف”. واكد البيت الابيض ان من حق الفلسطينيين أن يؤدوا صلاتهم بأمان، وقد طلبنا منذ أيام أن يسمح للمصلين في المسجد الأقصى بأداء شعائرهم بأمان”.
وكان الموقف الأمريكي إشارة إلى أحداث القمع العنيف للمصلين في المسجد الأقصى خلال الليلتين الماضيتين والتي أثارت انتقادات حادة من العديد من الدول العربية، وخصوصا السعودية والعراق ايضا، وبما ذلك أيضا تلك التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل، كالإمارات التي كان رئيسها الشيخ محمد بن زايد قد اتصل بنتنياهو قبل يومين، بعد تصاعد الغارات على سوريا، وتأكيده على اهمية الاستقرار الاقليمي، لكن القوات الاسرائيلية في فجر اليوم التالي اقتحمت المسجد الاقصى، وانتشرت صور القمع حول العالم.
وبينما توعدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، بالرد على أي اعتداءات، ما يزال حزب الله، ملتزما الصمت حتى الآن.
خاص: وكالة شفق نيوز