السيمر / فيينا / السبت 01 . 07 . 2023
محمد جواد الميالي
أحدى سجلات التاريخ، تحوي فصولا من الحزن العميق، ووجعاً خارقاً في قلوب وعقول، أولئك الذين تحملوا معاناة لايمكن تصورها..
في مقدمة هذه السجلات يقف نظام صدام حسين الإستبدادي، يمثل شهادة مؤلمة على أعماق القسوة الإنسانية، في خمسة وثلاثين عاماً، غمر العراق فيها بالظلام، وسلب شعبنا حرياته كرامته وأمله.
خلال حكمه الدموي وجد العراقيون أنفسهم محاصرين تحت ظل كابوس لا ينتهي، حيث ملئت شهوات رجل واحد كل لحظات يقظتهم، فأصبح الخوف رفيقهم الدائم، والموت يتربص فيهم كأنه ظلهم، يخنق أحلامهم وتطلعاتهم، حتى أمتدت قبضة الطاغية الحديدية لكل زاوية في بيوتنا، ولم تترك أي مجال للمعارضة أو العيش بسلام.
إن روايات التعذيب والموت التي ظهرت في عصره، ما هي إلا تذكير مروع بالأعماق الضحلة، التي يمكن للإنسانية أن تغرق فيها، آلة القمع السادية لوحشيته مليئة بكل من تجرأ على حكمه، حتى وصلت إلى أبرياء أيضاً، تمزقت العائلات والأخوة أصبحوا أعداء، وسُلب الأطفال برائتهم..
إن عمليات الأعدام غير المبررة والأعتقالات التعسفية، وإنتشار ثقافة الخوف، تسببت بجروح لا يمكن إصلاحها، في أمة كانت تتوق إلى الحرية.
لكن لم يكن القتل والتعذيب هو أشد مظاهر حكم الطاغية، بل كان على رأسهم الحرمان الذي لحق بشعبنا، فأصبحت الضروريات الأساسية للإنسان.. كماليات! حيث تم تقنين الطعام، الدواء والمياه النظيفة، بقسوة لإبقاء الجماهير تحت سيطرته، وأصبحت المجاعة هي القاعدة، والأمل تلاشى في ذاكرة بعيدة، و جُرد العراقيون من حقهم في الحياة الكريمة، أجبروا على أن يشهدوا أنهيارهم تحت وطأة الفساد والقمع والإهمال، دون حول ولا قوة.
في تلك اللحظات المظلمة لاح نور في نهاية النفق، وأصبح يوم إعدام صدام حسين، رمزاً لتحرير المظلومين وأنتصارا حلوا ومرا.. لأمة طالما كانت تتوق إلى العدالة، كان يوم الإعدام، مليئا بالفرح لمواطنين مثقلين بعقود من المعاناة، لمحنا فيه بصيص الأمل، وأنتشر الخبر كالنار في الهشيم، فساد الإبتهاج في عروق الذين عانوا من أهوال التعذيب.
عندما واجه صدام عواقب أفعاله، تبين للأمة ثقل جرائمه، ليكون الإعدام قليلا بما فعل، ولم يقدم قدراً ضئيلاً من العزاء للأرواح الحزينة، التي عانت في ظل نظامه البائد، على الرغم من أن العدالة لا يمكن أن تزيل الألم أو تشفي الجراح، إلا أنها كانت بمثابة خطوة، نحو خاتمة حقبة من الظلم، عمل رمزي يشير إلى نهاية فصل شابه القهر واليأس.
حتى يومنا هذا، لا تزال ندوب عهد صدام حسين محفورة بعمق في النفس العراقية، ولا تزال ذكريات الأحباء المفقودين، والأرواح المنكسرة تطارد أولئك الذين نجوا، كتذكير رسمي بالمأساة العميقة التي تكشفت داخل حدود أمتنا، ربما بعد عشرين عاماً يكون الألم قد هدأ، لكن إرث المعاناة يستمر، ويطلب منا أن نتذكر ونتعلم مما حدث في الماضي.
بينما نتأمل في العهد المظلم لحكم الطاغية، دعونا لا ننسى صمود وقوة الشعب تحت سوط الجلاد، وروحهم التي لا تتزعزع وإنتظارهم للخلاص، دليل على أن الروح البشرية لا تقهر، ويجب أن تكون قصتهم بمثابة تذكير بهشاشة الحرية، والأهمية العميقة للأعتزاز بالحريات، التي نأخذها في كثير من الأحيان كأمر مسلم به.
بينما نعيش يوم الإعدام بفرح غامر، فلنتذكر أيضاً الحزن العميق في تلك الفترة، لنحزن على الأرواح التي فقدت، الأحلام التي تحطمت، المقابر الجماعية والتهجير القسري، لنتذكر كل ذلك، لعلنا نبني مستقبل أكثر أشراقاً، ونسعى جاهدين لضمان ألا يسود مثل هذا الظلم مرة أخرى، وأن يتم إسكات أصداء الإستبداد، وأن يضيء السعي لتحقيق العدالة والحرية، كل ركن من أركان العالم.