فيينا / السبت 06. 04 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية، استنادا إلى بيانات استخباراتية متوفرة ليها، بأن إيران تستعد لشن هجوم صاروخي عليها انطلاقا من أراضيها.
ومن الواضح أن الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، وما تلاها من طلب الحماية من الولايات المتحدة هي محاولة علنية لإثارة صراع مباشر مع إيران وجر الولايات المتحدة إليه.
والهدف من علنية مثل هذه التصريحات هو زيادة صعوبة رفض طهران للرد المباشر، لأن غياب رد “معلن” من جانب إيران يضرب سمعتها بقوة مضاعفة.
وأعتقد أن هذا الاستفزاز الإسرائيلي لن ينجح، وهو ما سيجبر إسرائيل على الانتقال إلى استفزازات أكثر خطورة بمرور الوقت، بما في ذلك توجيه ضربات مباشرة إلى الأراضي الإيرانية، إذا لم تنجح المحاولات الأخرى.
إن لدى إيران، بعكس روسيا والصين، قائمة طويلة من الكيانات الوكيلة التي يمكنها الرد من خلالها، وسيكون من المعقول تماما محاولة تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع خصم أقوى لآخر قطرة.
من الضروري كذلك الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، وأنا على قناعة أن الهدف النهائي للاستفزازات الإسرائيلية هو تصعيد الصراع مع إيران إلى الحد الذي يسمح لإسرائيل باستخدام الأسلحة النووية ضد إيران لتدميرها بالكامل، تدمير صناعتها وبنيتها التحتية والتسبب بأضرار ديموغرافية تزيل إيران من قائمة التهديدات لإسرائيل لعدة أجيال قادمة.
إنه “العالم المبني على القواعد” الذي بناه الأنغلوساكسون، والذي يفترض احتكار استخدام العنف دون عقاب من قبل القوى الموجودة على قمة هرم الهيمنة: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل.
وفي هذا السياق يتم ارتكاب العديد من حالات العنف علانية، لا سيما ضد البلدان غير القادرة على الدفاع عن نفسها. أما فيما يتعلق بالدول الأقوى، فغالبا ما تستخدم أساليب أقل وضوحا، وغالبا ما يتم استخدام الوكلاء، ولكن، وكقاعدة عامة، لا أحد لديه أي شك في متّخذ القرار والمسؤول في النهاية عن مثل تلك الإجراءات. علاوة على ذلك، يجب ألا تترك هذه الأفعال أي شك في هوية صاحبها.
ولعل المثال الأكثر وضوحا على ذلك هو تفجير الولايات المتحدة لخط أنابيب الغاز “السيل الشمالي”، عقب وعد بايدن بوقف عمله. وبوسع المرء أيضا أن يتذكر الهجمات البريطانية التي شنتها زوارق بحرية مسيرة (من أراضي أوكرانيا وبأيد أوكرانية كما يُزعم) ضد جسر القرم وأسطول البحر الأسود الروسي. وكذلك الضربات الأوكرانية على مطار وبأرضه قاذفات استراتيجية روسية، أو الضربات الأخيرة لمصافي النفط الروسية، والتي من المفترض أن واشنطن طلبت من أوكرانيا عدم مهاجمتها (ليست تلك أكثر من محاولة لنقل المسؤولية إلى أوكرانيا). ولكن، وكما تعلمون، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا توجه الصواريخ نحوهم.
كل هذه الحالات، بما في ذلك الضربات الأمريكية والإسرائيلية على أهداف وأشخاص إيرانيين، تلعب دورا مهما في الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة والتسلسل الهرمي العالمي، في الحفاظ على “النظام القائم على القواعد”. إنهم بحاجة إلى ذلك بالتأكيد، برغم خطر التصعيد الواضح، لأن قمع إرادة المعارضين في الشروع في أعمال المقاومة هو الشيء الوحيد الذي لا يزال يحافظ على الهيمنة الأمريكية في سياق التدهور المتزايد تدريجيا للنظام الاقتصادي الغربي.
مشكلة الطرف الأضعف في الصراع العالمي الحالي (الصين وروسيا وإيران) هي أن هذه الحرب تتجه نحو الدمار الشامل، ومن يذهب إلى الحد الأقصى من التصعيد أولا من بين هؤلاء الثلاثة، هو من يحصل على الحظ الأوفر للاحتراق في هذه الحرب (وحرق العالم كله معه في الحالة الروسية).
وبعد إعادة انتخاب فلاديمير بوتين لولاية جديدة، تضاعفت قدرته الهائلة أساسا على ضبط النفس وحصانته في مواجهة الاستفزازات بثلاثة أضعاف.
كذلك كانت الصين محظوظة بوصول الديمقراطيين إلى السلطة في البيت الأبيض عام 2020، ما دفع الولايات المتحدة لاختيار روسيا كهدف أول للمواجهة. وعلى الأقل حتى عام 2024، لن تكون الصين في خطر، وحتى بعد الفوز المتوقع لدونالد ترامب في الانتخابات، سيستغرق تصعيد الصراع الأمريكي الصيني عاما أو عامين آخرين.
لكن إيران كانت أقل حظا حتى من روسيا، فلدى إيران نقطة ضعف هشة للغاية هي غزة. وأعتقد أن إسرائيل لن تقتحم رفح فحسب في المستقبل القريب، وإنما ستفعل ذلك بطريقة وحشية ودموية مع آلاف حالات البصق المهينة في وجه الأمة الإسلامية، كتدنيس الجنود الإسرائيليين للمساجد وغيرها من الاستفزازات المشابهة. وذلك من أجل توجيه أقصى ضربة ممكنة لسمعة محور المقاومة، لا سيما إيران. حيث أنه من الأهمية بمكان أن تقوم إسرائيل بإثارة حرب مع إيران بأسرع وقت ممكن.
سيتم تصفية غزة الفلسطينية (ولو مؤقتا في رأيي المتواضع). وفقط بعد ذلك، أو عند نهاية الكارثة في غزة، وعندما تبدأ قيادات إيران وغيرها من أعضاء المحور في مواجهة تحديات سياسية داخلية استثنائية، فقد تضطر إيران إلى اتخاذ إجراءات أكثر حسما. إلا أن لدي شكوك في أن إيران، حتى في هذه الحالة، سوف ترد، لأن ثمن الحرب مع إسرائيل بالنسبة لإيران هو وجودها ذاته. ولو كنت مكان طهران، قبل أن تحصل على أسلحتها النووية، لن أخوض حربا مع إسرائيل، لكن الدم الجنوبي الأكثر سخونة للإيرانيين والوضع السياسي الداخلي الأكثر تعقيدا قد يجبران قيادة البلاد على التصرف بما يتعارض مع الفطرة السليمة، التي تدفع إيران للتضحية بالفلسطينيين من أجل بقائها.
إن حقيقة أن روسيا تمكنت من القتال لمدة عامين وتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة و”الناتو” نتيجة لمهارة بوتين، وهذه ليست مجاملة بقدر ما هي اعتراف بالحقيقة. وسيكون من الأصعب على إيران أن تكرر هذه الخدعة مع إسرائيل.
لذلك ليس لدي إجابة عما إذا كانت إيران ستهاجم إسرائيل. أشك في هذا كثيرا، لكن لا يمكن استبعاد ذلك، لأن إسرائيل إذا لم تحصر نفسها في نطاق الاستفزازات، فإن الاحتمالات كبيرة بأنها ستحقق هدفها عاجلا أم آجلا. أعتقد أنه إذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يتم ذلك عند نهاية العملية الإسرائيلية في غزة، وربما قرب نهاية العام.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب