فيينا / الجمعة 28 . 02 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
الدعوة التي وجهها زعيم “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، لحزبه لم تكن الأولى من نوعها على هذا الصعيد، لكن سطور البيان حملت “نفسا استثنائيا”.
لماذا هذا “الاستثناء”؟ لأن أوجلان لم يدعو حزبه للحل وترك السلاح فحسب، بل استبعد أيضا الفيدرالية، وإنشاء دولة قومية منفصلة، وإنشاء حكم ذاتي إداري، من كونه “نموذجا للحل البديل”.
وعلاوة على ذلك، فقد طلب مؤسس “العمال الكردستاني” المسجون في إمرالي ببحر مرمرة من قادة حزبه عقد مؤتمر للإعلان عن خطوة “الحل والتخلي عن السلاح”، و”اتخاذ قرار بالاندماج مع الدولة والمجتمع”.
ويرى خبراء ومراقبون أن أوجلان ومن خلال دعوته التاريخية يكون رمى الكرة في ملعب القادة الفعليين الذين أمسكوا بقرار “العمال الكردستاني” بعد اعتقاله وجلبه إلى تركيا، على مختلف المستويات.
وهؤلاء القادة طالما كان ينظر إليهم على أنهم منقسمون ما بين “تيارات”.
وكان ينظر إليهم أيضا من منطلق توزعهم الجغرافي، ما بين جبال قنديل وأوروبا وبقية المناطق التي امتد لها “العمال الكردستاني”، خلال السنوات الطويلة الماضية، بينها شمالي العراق وسوريا.
ويخوض حزب “العمال الكردستاني” الذي أسسه أوجلان عام 1978 منذ عقود تمردا مسلحا ضد الدولة التركية. ودخل هذا التمرد في عدة محطات تصعيدية ودامية أشدها خلال التسعينيات.
في عام 1999، ألقت الاستخبارات التركية القبض على أوجلان في كينيا.
وأدين الرجل بعد تلك الفترة بالخيانة والتحريض على الإرهاب، وحكم بالسجن المؤبد داخل سجن “إمرالي” ببحر مرمرة.
ولم يصدر أي تعليق من جانب “العمال الكردستاني” حتى الآن على دعوة أوجلان التاريخية، دون أن يشمل ذلك الأجسام الكردية الأخرى، سواء المرتبطة بالحزب في سوريا أو المناهضة له في شمال العراق.
في المقابل، تشير ردود فعل الرسمية وغير الرسمية داخل تركيا إلى أن جميع الأوساط تنتظر الرد المتوقع من القادة الفعليين لهذا الحزب، وهو المصنف على قوائم الإرهاب في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وتركيا.
من يمسك بقرار “العمال”؟
وينشط “العمال الكردستاني” عسكريا في جبال قنديل وعدة مناطق في شمال العراق وله امتداد أيضا إلى مناطق شمال وشرق سوريا. وهذا على المستوى العسكري والأمني.
أما فيما يتعلق بالشق المتعلق بالدعم والسياسة فللحزب قواعد أساسية في أوروبا.
كما أن له ارتباط بعدة أحزاب كردية في تركيا، ويتصدرها حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” (ديم)، الذي قاد العملية المكوكية الخاصة بنقل دعوة أوجلان لأنصاره.
ويشرح مدير مركز “رامان للدراسات”، بدر ملا رشيد، أنه بعد اعتقال أوجلان في تسعينيات القرن الماضي برزت عدة قيادات للحزب الذي أسسه (العمال الكردستاني).
ويقول لموقع “الحرة” إن هذه القيادات توزعت جغرافيا ما بين أوروبا وجبال قنديل.
ومنذ سنوات توجد في أوروبا “شبه سيطرة لطرف معين على قرار الحزب، وبالموائمة مع جبال قنديل”، يضيف ملا رشيد.
ويشير في المقابل إلى عدة قادة بارزين في جبال قنديل، بينهم مراد قريلان، جميل بايق، مصطفى قره سو، موضحا أن هؤلاء “يمثلون قيادة الحزب المشتركة نوعا ما”.
لم تكن الدعوة التي وجهها أوجلان لحل حزبه وإلقاء السلاح من فراغ، بل كانت استجابة لأخرى وصفت بالاستثنائية والتاريخية وأطلقها الزعيم القومي التركي، دولت باهتشلي.
وكان مفاد تلك الدعوة التي وجهها باهتشلي، في أكتوبر 2024، أنه وفي حال طالب أوجلان حزبه بإلقاء السلاح فقد يحصل على “حق الأمل”، في إشارة إلى تخفيف حكم المؤبد.
وبينما كانت الرسائل العلنية وغير العلنية يتم تبادلها ما بين الحكومة التركية وأعضاء حزب “ديم” الكردي الذي تولى مهمة نقلها صدرت عدة مواقف من قادة “العمال” المذكورين، دون أن تأخذ طابعا حاسما.
ويقول ملا رشيد إنه ومنذ مدة قصيرة صرح معظم قادة الحزب في جبال قنديل بأنهم سيتجاوبون مع قرار أوجلان في حال إصداره.
ومن جهته يضيف الكاتب والباحث، هوشنك أوسي أن تلك التصريحات كانت بمثابة “رد استباقي”، موضحا أن فحواها أكد أن القادة سيكونون “مع فيما يختاره أوجلان لكن ينبغي أن يكون هناك إجراءات من الطرف الآخر”.
“محكوم برأسين”
ومنذ تاريخ اعتقال أوجلان في فبراير 1999 يدار حزب “العمال” من خلال القيادة الموجودة في جبال قنديل، والمتمثلة بجميل بايق ومراد قريلان وقادة آخرين، بحسب ما يشرح أوسي لموقع “الحرة”.
الباحث يعود للوراء ويشير إلى أن القادة المذكورين كانوا “تخلصوا من ديكتاتورية أوجلان بعد اعتقاله”، على حد تعبيره.
ويقول: “هذه الديكتاتورية الخاصة بالمؤسس كانت تسيطر على حزب العمال عندما كان أوجلان نشطا في سوريا، وفي أعقاب انتقاله إلى الأراضي الأوروبية لعدة أشهر”.
بعد اعتقال أوجلان في كينيا على يد جهاز المخابرات التركية تبلورت شخصية قادة الحزب، وعلى رأسهم جميل بايق.
ورغم أن بايق والقادة الآخرين كمراد قريلان كانوا يدينون بالولاء والطاعة العمياء لأوجلان، فإنهم خرجوا عن سلطته ومن تحت جناحه بعد اعتقاله، ليتخذوا بعد ذلك مسارات أخرى.
ورغم أن هؤلاء القادة أيضا كانوا يساريون، فإنهم “خضعوا للدعم الإيراني”، وفق الكاتب أوسي.
ويعتقد أنه وبالنظر للمعطيات القائمة منذ سنوات وصولا إلى الفترة الحالية يمكن القول إن “حزب العمال بات محكوما برأسين.. الأول أوجلان والثاني جميل بايق وقادة جبال قنديل، الذين يخضعون لسلطة الإيرانيين”.
وسيظهر خلال الفترة القادمة ما إذا كان هؤلاء القادة سيشكلون تيارات جديدة داخل “العمال” بحيث يحدث هناك انفصال بين قيادة أوروبا، وحتى داخل قيادة قنديل نفسها، كما يشير مدير مركز “رامان”، بدر ملا رشيد.
وهناك احتمال آخر بأن يتخذوا موقفا جماعيا على اعتبار أنهم صرحوا خلال الأشهر الماضية بأن أوجلان هو الممثل الرئيسي للحل و”مفتاح الحل”.
ويقول ملا رشيد: “يجب الانتظار لاستشراف ومحاولة رسم الخطوط العريضة لما يجري بين الحكومة التركية وحزب العمال، وفيما إذا كان ما يحصل سيتم وفق خارطة طريق واضحة المعالم”.
وبعد وضوح الصورة العامة للدعوة الخاصة بأوجلان وما إذا كانت ضمن خارطة طريق أم لا سيتضح في أعقاب ذلك “مدى تأثير الأجنحة داخل العمال الكردستاني على صعيد اتخاذ القرار”، يتابع ملا رشيد.
بماذا تختلف دعوة أوجلان؟
ولا تعتبر دعوة أوجلان الأولى من نوعها لأعضاء حزبه.
ففي عام 2000، طلب أوجلان من “العمال الكردستاني” حل نفسه.
ورغم أن الأخير استجاب لرسالة مؤسسه حينها، فإنه أعاد تشكيل نفسه بعد خمس سنوات بسبب “عدم استجابة الدولة التركية”، وفق قوله.
وفي عام 2013، كان أوجلان طلب أيضا من “العمال الكردستاني” وقف ما وصفه بـ”الكفاح المسلح”، لكن ذلك لم يوضع على محطة تنفيذ فعلي.
ويعتبر الكاتب أوسي أن “الدعوة التي وجهها الخميس أشبه بإعلان استسلام”.
ويقول: “أوجلان طالب حزبه بأن يسلم نفسه تماما إلى الدولة التركية، دون أن يكون هناك إجراءات من الجانب التركي للطمأنة، أو أن يكون هناك خارطة طريق لنزع السلاح”.
وبالإضافة إلى ما سبق كانت الدعوة التي وجهها أوجلان، الخميس، احتوت اقتباسات لم يسبق وأن كانت مدرجة في الدعوات السابقة، التي وجهها لمرتين في 2013 و2015.
ومن بين هذه الاقتباسات قوله إن “الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة – مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي الإداري، أو الحلول الثقافية – فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.
هل من خارطة طريق؟
ولم يصدر أي موقف رسمي من أعلى هرم السلطة في تركيا حتى الآن حيال دعوة أوجلان.
وكانت ردود الفعل صدرت منذ أمس الخميس على مستويات دنيا، إذ قال نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، إيفكان إيلا، إن “جوهر الدعوة هو إلقاء السلاح وحل المنظمة الإرهابية. نحن ننظر إلى النتيجة”.
وأضاف: “إذا استجابت المنظمة الإرهابية لهذا النداء وألقت سلاحها وتجمعت وحلت نفسها فإن تركيا ستتحرر من قيودها”.
ومن جانبه، قال مستشار الرئيس التركي، محمد أوجوم، إن “مدى الامتثال لهذه الدعوة أصبح الآن مسألة عملية، وأولئك الذين لا يمتثلون سوف يواجهون العواقب”.
وتابع مستشار رجب طيب إردوغان: “الدعوة غير قابلة للتفاوض وغير مشروطة. هدف تركيا الخالية من الإرهاب أصبح حقيقة خطوة بخطوة”.
ويوضح الباحث ملا رشيد أنه وفقا لأدبيات وسياسات إنهاء الصراع المسلح أو حالة حل التنظيمات المسلحة لا يمكن اعتبار إعلان أوجلان “منزوعا من خارطة طريق ليس بالضرورة أن يتم إعلانها الآن، نظرا للحساسية الأمنية”.
وفي حالة حزب “العمال”، الذي يمتلك مئات وربما آلاف التنظيمات الموازية له حول العالم وفي مختلف المجالات، فهو يحتاج لأن يمتلك ويلتزم بخارطة طريق طويلة جدا ليصل إلى مرحلة الحل الكامل.
ويضيف ملا رشيد: “وربما تأتي دعوة حل الحزب كمرحلة أولى، بسبب وجود إشكالية في عملية إدارة هذه الإمبراطورية والسير على إصلاحها بطرق بسيطة”.
وزاد: “وربما تم الاتجاه أيضا من أعلى الهرم على أن يتم النزول لاحقا إلى التفاصيل”.
ويعتبر الباحث أوسي أن “دعوة أوجلان تخدم مصلحة الدولة التركية وهي ضد المصلحة الكردية، بسبب غياب الضمانات”.
ويقول: “لا إردوغان أعطى ضمانات ولا البرلمان ولا الحكومة. لم تعلن عن وجود ضمانات أي جهة سيادية في تركيا”.
وتصنف تركيا حزب “العمال” منظمة إرهابية، وتتخذ ذات الإجراء الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية.
ورغم أن أصداء الدعوة التي أطلقها مؤسسه أوجلان كان لها الوقع الأكبر في تركيا، فإن ارتداداتها ستنعكس أيضا على مناطق نشاط وانتشار حزبه في شمال العراق وشمال وشرق سوريا، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ويعتقد أوسي أن “حصول انشقاقات داخل حزب العمال أمر وارد”، خاصة داخل القيادة في جبال قنديل.
لكنه يشرح في المقابل أن “تيار جميل بايق يمسك منذ عقود بالعصب الأمني والاقتصادي والإعلامي والعسكري للحزب.. وبالتالي حتى ولو أبدى العمال الكردستاني استجابته واستعداده لمطالب أوجلان سيغرق كامل العملية بالتفاصيل”.
وقد تتجه قيادة الحزب الفعلية أيضا إلى المطالبة بضمانات حقيقية من الدولة التركية من إصلاحات وقوانين، وإعادة النظر بالدستور، وإطلاق عفو عام، وإطلاق سراح المعتقلين.
ويتابع أوسي: “الطلب يعزز موقع وموقف الدولة التركية ويحرج قيادة العمال الكردستاني في قنديل ويضعها في مأزق دون أن يلغي ذلك خياراتها في المناورة”، كما يعتقد أن “إقناع قيادة قنديل في الحل وإلقاء السلاح سيكون أمرا صعبا وبعيد المنال في المدى المنظور”.
المصدر / الحره
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات