السيمر / السبت 06 . 05 . 2017 — داخل قاعة البلياردو في أيسر الموصل، علامات الحرب لاتزال محتدمة في هذه المدينة، أو بتعبيرٍ أصح، ان مسلحي داعش كانوا هنا في العام الماضي وسيطروا على كل شي.
قاعة البلياردو التي أُنشئت عام 1990، مكان لتجمع عشاق هذه اللعبة التي عرفها العراقيون منذ عقود طويلة، القاعة مليئة بدخان الاراجيل، ومزخرفة لتعكس جمالها. هذه القاعة لا شك كانت في عام 2014 تعرضت لحكم تعسفي من مسلحي داعش لحظة ظهورهم بالمدينة، فقاموا بغلقها وامروا بمحاسبة مالكيها معتبيرهم خارجون عن الطاعة لانها تزيد من إلهاء الشباب عن دينهم، بحسب تعبير وثقافة التنظيم.
مع طرد المسلحين من أيسر المدينة، عادت قاعة الكابتن للافتتاح فهي واحدة من عشر قاعات كانت في المدينة، اعيد افتتاحها كلها ليشعر مرتادوها بالحياة الطبيعية التي غابت عنهم منذ سنتين ماضيتين.
الجدير بالاهتمام هنا، انه كلما فتح احداً مشروعاً ترفيهياً مثل قاعات البلياردو تجد إقبال الشباب عليه بعد الحظر الذي مارسه المسلحون بحقهم.
فارس العبدلي لاعب دولي للعبة السنوكر يقول “نحن نبحث عن المتعة والترفيه حين نلعب هذه اللعبة، وكلما ما حصل انتهى، لان لا يصح إلا الصحيح، رغم أن عجلة الحياة تدور ببطء هنا”.
وفي أيسر الموصل، كانت أصوات الانفجارات وحظر الموسيقى التي منعتها الجماعة الارهابية داعش إضافة الى السجائر وقطع المياه، سمات يتلذذ بها التنظيم الارهابي.
وتنقسم الموصل بين أراض مُسيطر عليها حكومياً، وأحياء لاتزال قبضة تنظيم داعش عليها، رغم أن الحرب دخلت شهرها السابع. والمسلحون محاصرون في المناطق القليلة القديمة، ناهيك عن بقاء مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين من قبل مسلحي داعش ويعانون نفاد الطعام والمياه تحت وطأة القصف اليومي.
ومنذ إستعادة السيطرة على الجانب الشرقي للمدينة بشكل كامل في وقت سابق من هذا العام، عادت الحياة تدريجياً اليها، فعاد الطلبة الى مدارسهم للحاق السنوات الضائعة التي راحت بعد أحكام داعش المتطرفة. المحال التجارية هي الأخرى عادت للظهور، وعارضات الأزياء الاصطناعية في محال الملابس النسائية التي حظرها المسلحون لحظة ظهورهم بدأت تعج المحال.
ومع ذلك، فإن قذائف الهاون التي تُطلق من الجانب الآخر ماتزال تهز السلام الهش في أيسر المدينة، فضلاً عن عبور السيارات المفخخة في بعض الاحيان، وسط موجات جديدة من الأسر التي تعبر النهر بحثاً عن ملجأ. ويعرف السكان الذين يعانون من الصدمة أن المسلحين ليسوا بعيدين.
بعد مرور شهرين على تحرير أيسر الموصل، كان العبدلي يخشى إعادة إفتتاح قاعته، معتقداً ان الخلايا النائمة تعمل على رصد من يحاول ان يعود لحياته الطبيعية، فبنظر التنظيم الارهابي افتتاح هكذا قاعات انشطة مشبوهة، لذلك كان العبدلي يخشى ان تكون قاعته هدفاً بهجوم قنبلة او حزام ناسف.
ومازال العبدلي وغيره من اهالي الموصل لا يثقون بالجيش، معتبرين انسحابهم لحظة ظهور تنظيم داعش كابوس قد يعود في يوم ما “نحن لا نملك الثقة بالجيش الذي قد يتركنا مجدداً”.
وكان العبدلي قد عاد لتوه من بطولة السنوكر الدولية في الامارات العربية المتحدة، حين سيطر المسلحون على مدينته، قائلاً “تلقيت تهديدات كثيرة بإغلاق قاعتي، وحين عدت الى الموصل، اعتقلني مسلحون وبقيت 37 يومياً في سجون داعش، وليالٍ عديدة في سجن مظلم”.
وأضاف “مازلت اعاني نفسياً من هذا التعذيب”. العبدلي يبلغ من العمر 56 عاماً تعلم لعب السنوكر في عام 1970 حين كان عاملاً في شركة كورية مختصة ببناء العمارات السكنية.
وكان العبدلي قد فتح قاعته في ثمانينات القرن الماضي، لتصبح هذه اللعبة شعبية بين طلاب الموصل وفي الجامعة، وأن هناك 400 قاعة بلياردو في المدينة حظرها مسلحو داعش لحظة ظهورهم، بحسب العبدلي. وافتتح العبدلي في عام 1997 قاعة اخرى، ليشرف على تدريب الشباب ممن يمتلكون موهبة السنوكر.
وبدأ اصحاب القاعات في المدينة يكافحون منذ وقت طويل للفرار من تنظيم داعش، اذ طالب المسلحون اصحاب القاعات بدفع مبالغ كأبتزاز لبقائهم على قيد الحياة. وفي عام 2005 كان العبدلي يدفع 200 دولار في الشهر الواحد لمجموعة حراس يقفون امام باب القاعة خوفاً من أن يضع احداً ما قنبلة. ولفت الى ان الشكاوى المقدمة الى السلطات العراقية مزقها الفساد ولا معنى لها، فمنذ عقود وهو يدفع للمرتشين والمتطرفين، لكنه يأمل أن تستمر الحياة.
وفي ظل الظرف الراهن، لايزال الناس يشعرون بالقلق من الخروج ليلاً في ظل فرض حظر التجوال، وهذا ما يشكل عائقاً على الربائن الذين يريدون البقاء في القاعة لما بعد الساعة الثامنة مساءً. ويقول العبدلي واصفاً الوضع الانساني، إن العديد من السكان يجمعون اموالهم مقابل الغذاء ولا يمكنهم تحمل نفقات اللعب في القاعة.
المصدر: واشنطن بوست
ترجمة وتحرير: وان نيوز