أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / عندما تعتمد الدولة على مصادر قوة متعددة

عندما تعتمد الدولة على مصادر قوة متعددة

السيمر/ الاثنين 24 . 07 .2017

د. ماجد احمد الزاملي

بعد عام 1787م العام الذي تأسست به الولايات المتحدة الامريكية و بروز تصارع بين اوربا وامريكا حول امريكا اللاتينية أدى بسبب هذا المجال التصارعي حول الثروات الى نشوب حروب و نزاعات منذ ذلك الوقت ومحاولة الحصول على ثروات الأخر والنهوض في العالم بنزعة التوسع والهيمنة والتفرد العالمي ، وهذا كان واضحاً في مبدأ مونرو حول التوسع في القارة الامريكية ومن دون تدخل اوربي ، وهذه كانت بدايات الرغبة الامريكية منذ تأسيسها الى التوسع و السيطرة و الهيمنة و كأنها ولدت دولة تحكم العالم و تملك كل الكرة الارضية . وبعد ادراك الولايات المتحدة الامريكية لهذه القوة الكبيرة بدأت تسعى الى الخارج الامريكي والتوجه نحو العالم الأمر الذي دعاها الى بناء قدرات و امكانيات قوية و قدرات للسيطرة على العالم و الاستعداد له في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، وبعد نهاية هذه الحرب وبعد أن اعتقدت أن من الواجب الدخول لهذه الحرب بسبب تهديد موجه لمصالحها الاقتصادية، و السياسية، وحتى الامنية من قبل دول المحور، وبعد زوال خطر الحرب برزت الولايات المتحدة الامريكية كدولة منتصرة وقوة مسيطرة على العالم مع قطب مناوئ لها (الاتحاد السوفيتي سابقا) فكان كل منهم يملك استراتيجية و ايديولوجية خاصة به يعتمد عليها في تحركاته نحو العالم وتوسيع نفوذه.
ساهمت الولايات المتحدة كقوة فعالة في منتصف القرن العشرين بتقاسمها العالم أنذاك مع الاتحاد السوفيتي في بروز مصالحها في شتى ارجاء المعمورة وبما ان منطقة الشرق الاوسط منطقة ذات اهمية وخصائص جيو استراتيجية عدت محوراً لتنافس القطبين ليس بسبب قربها من الاتحاد السوفيتي فحسب، بل لتمتعها بمقومات قوة جعلتها منطقة صراع وتنافس، ولان بريطانية كانت احد حلفاء الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة فأن انسحابها من منطقة الخليج العربي تحديداً بداية السبعينات من القرن الماضي فسح المجال للولايات المتحدة لسد الفراغ الاستراتيجي الذي حصل في المنطقة وتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية أنذاك وتوظيفها في صراعها مع الاتحاد السوفيتي وتتسم السياسة الامريكية بما يمكن تسميته بالثوابت في استراتيجيتها القومية بغض النظر عمن يتولى السلطة سواء كان جمهوريين أم دمقراطيين، فمثلاً تعد سياسة الدفاع والحفاظ على المصالح القومية العليا ومواجهة التهديدات والتحديات الناشئة، والعمل على بقاء الولايات المتحدة القطب الابرز والاكثر فعالية في النظام الدولي، وبعد احداث 11 ايلول 2001، وحين أقرت استراتيجية الامن القومي الامريكي، بدأ الموقف الامريكي مختلف جداً عن السابق.
الولايات المتحدة الامريكية منذ نشوئها كدولة مستقلة أقامت امنها القومي على أساس مبدأين، , وهما التغيير والتوسع في المناطق الحيوية من العالم على حساب الآخر، واتخذ هذا التوسع شكله القاري باتجاه قارة امريكا اللاتينية قبل الحرب العالمية الأولى، ومن ثم التوسع السياسي والاقتصادي والانتشار العسكري باتجاه العالم كله منذ انتهاء الحرب الباردة.وبدت الاستراتيجية الأمريكية تقدم مشاريعاً للتغيير في مختلف الأقاليم تقريباً، بعد أن اتخذ التغيير رؤى متعددة، وأهدافًا ذات أبعاد شاملة استراتيجية وجيوستراتيجية وجيواقتصادية وعسكرية-أمنية وثقافية-حضارية ، وقد شهدت التوجهات الأمريكية نحو المنطقة العربية مطلع الألفية الثالثة انعطافة حادة، إذ رفعت الإدارة الأمريكية شعارات التغيير في المنطقة من باب : الأمن والاصلاح و السلام، وصورت للشعوب العربية أن التغيير يمثل فرصة سانحة للنهوض والتحرر من انظمة دكتاتورية فاسدة، وتحقيق الديمقراطية بين دول منضوية في نظام شرق اوسطي قائم على التعاون الإقليمي بإنشاء أسواق ومنطقة تجارة حرة مع دول المنطقة اخذين بالاعتبار دور إسرائيل كركيزة أساسية في هذا النظام الجديد.وتتعامل الولايات المتحدة الامريكية في سياستها مع الدول والاقاليم الاخرى من زاوية محددات امنها القومي الذي اتسع ولم تعد له حدود، وقد حافظت الإدارات الامريكية المتعاقبة في صياغة استراتيجيتها لتأمين مصالحها الحيوية في العالم على هدى مرتكزات اساسية تحاول عبرها تمرير سياستها بغية تحقيق اهداف امنها القومي، وفي مقدمة هذه الاستراتيجية تقع المنطقة العربية كأحد الاقاليم الاستراتيجية الموجودة في العالم والتي تتميز دون غيرها من الاقاليم ليس فقط بحجم المصالح الامريكية فيها، ولكن لكونه الاقليم الاستراتيجي الوحيد الذي تنفرد الولايات المتحدة بالسيطرة على مجريات الامور فيه منذ نهاية الحرب الباردة.
المسعى الأمريكي للتغيير في المنطقة العربية متواصل، وأن محاولات السيطرة على مخرجات هذا التغيير لن تخضع بالضرورة للمخططات الأمريكية، وان عملية رسم الخرائط الجديدة للمنطقة العربية لتتلائم مع الأمن القومي الأمريكي قد تحقق بعض النجاح، ولكنها ستصطدم بمعوقات كثيرة.
إن عالمية ثقافة دولة ما, وقدرتها على وضع قواعد مفضلة ومؤسسات تحكم مناطق النشاط الدولي, هي مصادر حاسمة للقوّة, كقيم الديمقراطيّة والحريّة الشخصيّة والمساواة والعدالة والتعليم العالي والتطور السريع والانفتاح الذي غالبا ما يتمثّل في الثقافة الأمريكيّة, ففي القرن الجديد تفوقت قوة الولايات المتحدة الأمريكية الناعمة على قدرتها العسكريّة، فالثقافة الأمريكيّة سواء أكانت ضعيفة أم رفيعة المستوى تنتشر خارجيّاً بشكل لم يحصل له مثيل وبينما توقفت تأثيرات ثقافة الدول الأخرى عند حدودها، استطاعت القوّة الناعمة الأمريكية أن تسيطر على أقاليم العالم بشكل إمبراطوري، فالقوّة الناعمة الأمريكيّة هي أكثر من مجرد ثقافة فقيم الولايات المتحدة الأمريكيّة داخل بلادها (الديمقراطيّة والحرية والمساواة والعدالة على سبيل المثال) وفي المؤسسات الدولية (تناسق العمل والمصالح المشتركة مع الحلفاء). من شأنه أن يؤثّر أيضا على خيارات الآخرين. فالولايات المتحدة باستطاعتها أن تجذب أو تنفّر الآخرين عبر تأثير نموذجها عليهم. لكن القوّة الناعمة لا ترتبط بالحكومة الأمريكيّة مباشرة بالدرجة نفسها التي ترتبط بها القوّة القاسية , إذ إن بعض مظاهر القوّة القاسية ترتبط ارتباطا حاسماً وحصريّاً بالحكومة (كتنظيم وحركة القوات المسلحة) ومظاهر أخرى قد تكون حكوميّة بالتوجيه (مثل احتياطات ومخزونات النفط والغاز), ومظاهر عدة أخرى ممكن أن تنقل إلى السيطرة الجماعية (مثل الموجودات الصناعيّة والتي يمكن نقلها في حالة الخطر والضرورة)، في المقابل, العديد من مظاهر القوّة الناعمة لا ترتبط بالحكومة مع أنّها تسهم في تحقيق أهدافها. فأهميّة كل مصادر وعناصر القوّة الناعمة آخذة في الازدياد خاصّة في عصر العولمة والمعلوماتيّة.

اترك تعليقاً