الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / في السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد، مبدعون ومثقفون واكاديميون يكتبون:(7-15)/ فوزي الأتروشي، كاظم حبيب، مفيد الجزائري..في استذكارات ومواقف عن الجواهري، ومنه

في السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد، مبدعون ومثقفون واكاديميون يكتبون:(7-15)/ فوزي الأتروشي، كاظم حبيب، مفيد الجزائري..في استذكارات ومواقف عن الجواهري، ومنه

السيمر / الثلاثاء 01 . 07 . 2017

رواء الجصاني

هل لنا ان نتساءل مشتركين، قبل البدء، هل نحن في مناسبة رثاء؟ .. ام انها استذكار لخالد لم يرحل؟… هل رحل ، حقاً، محمد مهدي الجواهري (1898-1997) ؟! وهو القائل:
أكبرت ُ يومكَ ان يكونَ رثاءَ، الخالدون عرفتهم احياءَ؟
– وإذا ما كانت ملحمة – اسطورة كلكامش، السومرية الغارقة في العراقة، وحتى اربعة الاف عام، قد تحدثت عن الخلود والموت، ذلكم هو الجواهري يجسد الامر حداثياً، وواقعياً، فراح يَخلـدُ، وإن رحلَ، وعن طريق اخرى، هي الفكر والشعر والابداع..
– أما صدحَ – ويصدحُ شعره – كل يوم في قلوب وأذهان كل المتنورين، العارفين دروبهم ومسالك حياتهم ؟.
– أما برحت الاطاريح الاكاديمية، فضلا عن الدراسات والكتابات، والفعاليات الثقافية والفكرية تترى للغور في عوالم شاعر الامتين، ومنجزه الثري؟! .
– الظلاميون ومؤسساتهم، وأفرادهم، وتوابعهم، المتطوعون منهم أو المكلفون ، وحدهم – لا غيرهم – ما فتئوا يسعون، لأطباق صمت مريب عن الجواهري، وحوله، ولا عتاب بشأن ذلك، فلهم كل الحق في ما يفعلون، فالضدان لا يجتمعان : تنوير ومواقف الشاعر الخالد، ودواكن الافكار والمفاهيم …
… في التالي مجموعة مساهمات – ننشرها على حلقات – جاد بها لـ “مركز الجواهري الثقافي” مبدعون ومثقفون وكتاب وأكاديميون، وسياسيون، بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لرحيل الجواهري الخالد، في 2017.7.27… وهنا الحلقة السابعة، لما كتبه الذوات الأجلاء، مع حفظ الالقاب والمواقع: أ.فوزي الأتروشي، د. كاظم حبيب، وأ. مفيد الجزائري..
————————————-
15/ الجواهري ديوان وطن/ فوزي الاتروشي (*) كاتب وشاعر
منذ نعومة اظفاري تعرفت على الجواهري شاعرا كلاسيكيا بليغ الكلام، ومكتشف المعاني الغزيرة في المفردة القاموسية، وخالق النصوص والابيات التي لو القيت لوحدها حتى اخر الزمن، تتحول الى مقولات مأثورة حالها حال ابيات سطرها المتنبي على صفحة الزمن .
قرأته وانا شاب في الاعدادية في ارتيادي لمكتبة الاعظمية وتشبعت بالكثير من قصائده في (بريد العودة ) ورائعته (اخي جعفر ) و (يا ام عوف ) ثم قصيدته المشبعة حكما وجمالا واناقة بعنوان ( يوم الشمال) التى غرد بها على التلفزيون بطاقيته الكوردية الشهيرة بعد اتفاقية السلام بين الحركة التحررية الكوردية والحكومة العراقية في 11 آذار عام 1970، تلك القصيدة اسرتني واحتلت جوارحي فصرت ارددها كلما سنحت الفرصة لما فيها من كثافة واختزال وعمق وطني جارف وحب نحو الاخر الكوردي المتناغم معه في الوطن .
ثم تواصل حبي معه في (مرحبا ايها الارق) ومطولته ( يا دجلة الخير يا ام البساتين ) وغيرها من درر الشعر اخذتني وما زالت الى عوالم الحلم و الرومانسية المشبعة بالوطن الى ان بتنا نرى تضاريس الوطن موزعا عبر سطور و انحناءات وفواصل وقوافي ابيات القصيدة .
وفي عام 2000 كان لنا شرف الاسهام في اللجنة التحضيرية لمهرجان الجواهري في كوردستان العراق بحضور اعلام الادب والثقافة العراقية و الكوردية ضمن المعارضة العراقية في حينها، واختتم المهرجان في مدينتي اربيل والسليمانية بنصب للشاعر الكبير امام برلمان كوردستان نقشت على قاعدته ابيات شعر كتبها الجواهري في حب الشعب الكوردي ومناصرته له في طريقه الطويل الى الحرية .
الجواهري شاعر عصر و ديوان مكتمل لهموم وتطلعات واحزان وافراح العراق منذ التاسيس ولغاية رحيله عام 1997 وهذا السفر الشعري بلغ مجموع ابياته (25)الف بيتا ، ارخت يوميات شعب ووثقت حياته في المنفى في مدينة( براغ) ذات الجمال المتفرد وفي انتقالاته بين الوطن والمنافي.
والثابت في شعره انه لم يتنكر لهموم وتطلعات العراقيين ولم يستكن امام العواصف و لم يتردد في الاحتجاج لمصلحة الوطن وضد الطغاة .. أليس هو القائل : باق واعمار الطغات قصارُ..
وبقدر ما كتب الجواهري في الوطن فقد توسع في المجالات الاخرى كالغزل والمراثي والمواقف الاجتماعية والانسانية..
الجواهري يستحق ان نفرط في حبه لانه افرط في حب وطن لم يهنأ فيه حتى بقبر . انه في الشعر ديوان وطن .

(*) كاتب وشاعر

16 / الجواهري ورفاقه في النضال الطويل / كاظم حبيب (*)
خسارتنا في غياب الجواهري فادحة لا تعوض. كان إنساناً رائعاً وشاعراً عملاقاً وسياسياً بارعاً وواعياً لدوره المميز في المجتمع العراقي. يكن احتراما كبيرا لكل المناضلين وغنّاهم في شعره. كانت له علاقات حميمة مع جمهرة كبيرة من السياسيين العراقيين، ولاسيما مع الشيوعيين العراقيين. يحترم الحزب الشيوعي العراقي ويقدر تضحياته الكبيرة. إلا أن الحزب – وهذا هو الإيجابي والبديع في الجواهري- لم يفلت من انتقاداته النابتة والصادقة، التي كان الحزب الشيوعي يأخذها بعين الجد.
كانت للجواهري مواقفه السياسية المستقلة ورؤيته الخاصة لمجرى الأحداث بالعراق والعالم العربي والمنطقة. وكثيرا ما كانت شخصيات سياسية معروفة تستشيره الرأي وتسعى إلى معرفة تصوراته حول مجرى الأحداث. لقد كان الجواهري يمارس النقد الرصين والصارم، وأحيانا يوجه النقد اللاذع لفصائل الحركة الوطنية العراقية بسبب ارتكابها للأخطاء وتمزقها الذي كان يطيل ليل الاستبداد الدموي في العراق. كان نقده بناءً ومسؤولا .
وقف الجواهري في مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت في العام 1991 غاضبا ومزمجرا ومطالبا بانسحاب القوات الأمريكية المحتلة من الأراضي العراقية معتبرا وجودها تدنيسا لأرض الرافدين وثقلا يجثم على صدر الشعب. كان هذا تحديا لمجموعات كبيرة من المشاركين في المؤتمر. ولم يشاركه في موقفه الواضح والسليم سوى ما جاء في خطاب السكرتير الأول للحزب الشيوعي العراقي الرفيق عزيز محمد والفنان الكبير محمود صبري بهذا الصدد.
كان الجواهري، ومعه كوكبة لامعة من الشخصيات الاجتماعية والسياسية الوطنية العراقية البارزة، عضوا نشطا في حركة السلام العراقية التي عقدت مؤتمرها في العام 1954، كما كان عضوا في مجلس السلم العالمي، ورئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب بالعراق.
كان الجواهري يمتلك حسا سياسيا ثوريا متميزا. كان يتحسس الإرهاصات الثورية في حركة الشعب العراقي مبكراً، وينطلق هادرا بقصائد غاضبة وشامخة معبرا عن حالة الشعب وحاجاته. لقد كانت حركة الشعب وانتفاضاته وتضحياته ورفضه للظلم والطغيان هي التي كانت تحرك الجواهري وتطلق موهبته وقريحته الشعرية الفريدة.
كان الجواهــــري إنسانا بالغ الحساسية، يتأثر بأصغر الأحداث ويتفاعل معها، يتكدر مزاجه بسرعة، فهو حاد ومتقلب المزاج وصعب المراس. كان يضحك كالطفل البريء مرة، ويغضب كالأسد، عند ذاك يصعب تحمله. كانت عائلته هي التي تعاني من مزاجيته. لم يكن سهلا بأي حال من الأحوال، بل كان إنسانا صعبا وأحيانا بالغ التعقيد، وإذا غضب لا يرحم، ولكن عبر الكلمات.
في داخل الجواهري كانت هناك ثورة تتفاعل باستمرار وحياة مضطربة وفوضى غريبة فيها شيء من البوهيمية والحيوية المحببتين. الاعتزاز بكرامته، الثقة بنفسه، الاعتزاز بتاريخه ومواقفه العامة، الإدراك العميق بقوة شعره، القلق الدائم، الرغبة في العيش المريح والخوف منه في آن… ….

(*) أكاديمي وكاتب

17/ الجواهري .. “السبعُ السبَمْبَع” !/ مفيد الجزائري (*)
ارتفع صوته على غير توقع، فاستدارت نحوه الرؤوس:
عمي اريد مَيْ، مَيْ .. كم مرة لازم اعيدها؟
خيّم الصمت. وبدا ابو محمد، الكهل الضئيل الجالس متربعا بدشداشته وعرقجينه الابيضين على احد السريرين، اللذين يكادان يملآن الغرفة الصغيرة، كمن لم يكمل كلامه.. ادار نظره في الوجوه من حوله: كانت فتيّة نضرة، بعضها من سلالته، واخرى لبنات وابناء الزائر الكبير الذي اتاه مرحبا من غرفته في الفندق نفسه، وبعض ثالث لشبان من اصدقاء هؤلاء واولئك. وفي السكون الطاغي وجد الفرصة مواتية ليواصل كلامه:
– صدق المثل القائل: السبع اذا شاخ ..
وتوقف. لم يجد نفسه في حاجة الى قول المزيد، فقد ضجت الغرفة تلقائيا بالضحك. ولاحت ابتسامة عذبة حتى على وجه أم محمد، التي استهدفها بشكواه وتقريعه.
وابتسمت ام نجاح ايضا. لكن ابتسامتها بدت مختلفة. كانت تجلس على حافة السرير الثاني في الغرفة، الى جانب زوجها الذي مد رجليه الطويلتين مثل سلطان. التمعت عيناها بمكر محبب. هل كانت تفكر في قدرتها على “عدم سماع” والد ابنائها وبناتها لو انه طلب منها قدح ماء؟ عدلت من جلستها والتفتت الى الجمع المزدحم في الغرفة الضيقة .. لم تتفاجأ بالانظار مركزة عليه، فهكذا هو حال ابي فرات على الدوام وحيثما حل. تنقلت بعينيها الضاحكتين بين الوجوه، ثم كسرت الصمت وهي تقول متباهية:
-لا والله عيني ، مو كل سبع ..
انفجر الجمع ضاحكا من جديد. واسترسل البعض في الضحك.
وما ان عاد السكون حتى راحت العيون تلاحق ابا فرات بفضول وترقب، ووراءها التمنيات بسماع تعليق او كلمة من فمه مباشرة!
ولم يطل الانتظار..
تنحنح ابو فرات مبتسما، وجال ببصره في الوجوه المحبة التي تطوقه، وقال بصوت عميق باسم هو الآخر:
– هذا يسمونه .. سبع السبمبع!
حدث هذا في اواخر صيف سنة 1961 في مدينة براغ – عاصمة “تشيكوسلوفاكيا” آنذاك. وكان ابو فرات الجواهري، الذي غادر بغداد قبل ذلك بشهور متبَرِّما باوضاعها ومحبطا (“في كُربةٍ .. وأنا الفتى الممراح فرّاجُ الكروب”) قد استجاب لدعوة تلقاها من اتحاد الكتاب التشيكوسلوكيين، وبدأ يستقر في مقامه الجديد. لكنه اضطر الى الانتظار بعض الوقت الى حين توفر السكن الدائم المناسب، فبقي نزيل الفندق الذي حل فيه ايضا الاصدقاء سابقو الذكر القادمون من بغداد، فزارهم مرحبا.
وتحضرني تفاصيل هذا كله اليوم، وانا استرجع على عجل الوقائع ذات الصلة بالجواهري خلال العقدين من السنين اللذين انقضيا على رحيله. فمن الواضح ان حضوره فيهما شاعرا وداعية للنضال الوطني وشخصية وطنية سياسيا وثقافيا لم يتضاءل في الواقع، بل ظل قويا ومؤثرا في حياتنا وإن بصورة غير ملحوظة دائما.
وارتبط هذا من دون ريب بحقيقة ان جيلنا، نحن الذين عاصرناه وقاسمناه معاناة السنين الطويلة السالفة، والذين عبّر في شعره عن احاسيسهم وأمانيهم واستنهض عزائمهم فتأثروا به عميقا، ما زال حيا فاعلا في واقع مجتمعنا. كذلك ارتبط بكون تلك المعاناة، التي اسهمت في اطلاق موهبة الجواهري الشعرية وتشكيل دوره السياسي الثقافي، ما برحت هي هي ان لم تتفاقم.
وقد يشهد الحال بوجهيه تغيرا تدريجيا مع رحيل هذا الجيل خاصة والذي يليه، وانحسار دورهما وفعلهما من جانب، ومع التحولات المرتقبة في احوال البلد وظروف العيش والوجود عموما في الغد غير البعيد ربما.
ومن المرجح ان يحد ذلك فضــــــــلا عن عوامل غيره، بدرجة او باخرى، من تأثير الجواهري المباشر كظاهرة ثقافية – نضالية، لكنه لن ينــــال في حال من حضوره “سبعا سبمبعا” في ميدانــــه، قامة شعرية ثقافية من طراز نادر، تبقى تمارس فعلها الشامل من دون حدود.

(*) كاتب واعلامي

* يتبع / مع تحيات مركز الجواهري

http://www.jawahiri.net

اترك تعليقاً