متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية — الفساد له معاني كثيرة، فعندما نقول عَمّ الفساد المدينة يعني: الفسق، الانحلال، عدم احترام الأعراف والقوانين، فساد الأخلاق، التلف، العطب، الاضطراب، الخلل، جدب، قحط، وعاث على الأرض، أخذ المال ظلماً.
فالذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد وصار فاسداً فسوداً، أسد يقود ألف ثعلب خيرٌ من ثعلب يقود ألف أسد. أنهم يبيعون مشاعر الشعب في أسواق الأنانية والخيانة ويبيعون الكرامة في أسواق النخاسة والكسب الرخيص والنهب، يقامرون ويسامرون بها كما تشاء نفوسهم، بحق النفس المشتتة بين مراسي الهوى من أجل أرواحهم التي لا تعرف ماهيتها وما تخفي ابتساماتهم الغامضة وضحكاتهم التي غلفها الصدأ.
وما زال الشعب لا يرى أدلة تثبت الوطنية التي يزعمون بها في وطن أصبح مثل غابة الوحوش وشأنهم فيه مع المفسدين كشأن الغزلان الوديعة مع الوحوش الكاسرة. منذ سنين والمشهد المأساوي يتكرر على مسرح الإرهابية مستهدفة المواطن على أرضه في الرعب والبؤس والحزن والأسى والتهجير القسري.
والسياسية هي وحدها المسؤولة وتتبنى الصراعات والجرائم البشعة، والجماعات الدينية عندما تختلف تتولى مهام الانتقام من بعضها البعض ويكون الأبرياء هم الضحايا في جحيم الانتقام. إصلاح فساد الرعية خيرٌ من إصلاح الراعي.
ظاهرة الفساد وتفشيها مرت بمراحل انتقالية سياسية واقتصادية مما وفر فرص للفاسدين بأعمالهم خارج القانون مستغلين ضعف الأجهزة الرقابية والأخذ بالمحسوبية ولمنسوبيه التي تتجسد ببعض القّيم البالية أو الطائفية والمذهبية والقبلية العشائرية وسيادة الجهل والتخلف وانعدام القانون والأخلاق إضافة إلى هجرة العقول والكفاءات العلمية.
ومن غرائب المفسد محاولته أن يتقمص بلبس ثوب المصلح ويظهر أمام الناس بأنه واعظ ومرشد، يفسدون الأرض وهم لا يشعرون، النقص والخلل فيكم ومنكم، عالج وأكمل النقص وسد الخلل وأنت تمارس العملية الإصلاحية في آن واحد سواء بسواء، لا تخدع بتكميل النقص أولاً وسد الثغور ثم الإصلاح. العملية السياسية قد بنيت على أساس خاطئ منذ البداية سنة 2003 ومنذ كتابة الدستور.
وعلى ما يبدوا أن الآن لا ينفع تقويم ولا إصلاح ولا ترقيع، لأن فرقعات الإصلاح هذه لا تتعدى كونها شعاراتية وديماغوجية تكتيكية اعتمدت من قبل الدوائر التي تدير الملف العراقي وبالتنسيق لصالح جهات بعينها فاسدة ومتصدرة للواجهة السياسية وتنسيقاً مع لوبي نافذ وأصابع المرجعية الدينية.
إصلاحات العبادي فهي قطرة في بحر الفساد وبدعة جديدة بصياغة فنية، الإصلاحات ليست بعملية دمج الوزارات وإلغاء المناصب وتقليص الحمايات وو و، بل إيجاد حلول جذرية لإيجاد حل لمعاناة المواطن وارتفاع نسبة البطالة والفقر واستشراء الفساد بمؤسسات الدولة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وقلّة الخدمات وانعدامها فضلاً عن الطائفية والتناحر الاجتماعي الذي لم يشهد العراق له مثيلاً من قبل الإصلاح الحقيقي لا يتغير إلا بالتغيير الحقيقي.
أن الكثير من أسماء هؤلاء الفاسدين كانت رنّانة في الحقبة البعثية فهل يعقل بأننا ما زلنا نتكلم عن “حيتان” القطاع الخاص ممن كان في وقت سابق من شركاء عدي صدام حسين، أو من واجهات جهاز المخابرات؟ نحن نرغب بقطاع خاص قوي ومزدهر.
ونحن لسنا ضد اجتماع الثروات الكبيرة، فهذه حالة صحية وطبيعية في أجواء الاقتصاد الحر والمفتوح. فنحن لا نغار منهم، ولا نحسدهم على نعمتهم، ولا نتحسّس من الثروة المالية المشروعة. ولكن الذي حصل في العراق هو أن أقطاب الفساد في الثمانينات والتسعينات انتقلوا بسهولة بالغة، ومن دون حساب أو عقاب، من دهاليز عراق صدام حسين إلى درابين العراق الجديد، وعاود فسادهم للانتشار بين النخبة السياسية في البلد من جد وجديد.
هؤلاء هو جماعة “الاندرون”، أي المتواجدون في الغرف الداخلية في بلاط السلطنة، والذين لا يتغيرون وإن تغير السلطان.
وأحد هؤلاء هو البريطاني من أصل عراقي حارث شاكر آل يحيى رجل المخابرات السابق الذي تسبب بدخول الكثير من المواطنين السجن وربما وصل بعضهم إلى الإعدام من خلال تسجيل انتقاداتهم على النظام السابق خلال أحاديثهم الخاصة، كان مبعوث صدام إلى الخارج والطريق إلى مشنقته أو قضبانه..
سيد حارث كما يطلق عليه الآن استطاع التواصل مع المخابرات الليبية أبان حكم القذافي بسبب علاقاته الجيدة بنظيرتها العراقية وكما يقال المثل المصري عمل “شغل كويس جدا جدا مع الطرفين.
وبالمناسبة لقب “السيد” بدء حارث يتداوله مؤخرا سيما بعد إبرامه عدة عقود استثمارية مع إدارة العتبتين الحسينية والعباسية؟!!..
ويا ترى هل يعلم السيد أحمد الصافي والشيخ عبد المهدي الكربلائي تاريخ هذا العصامي الذي جمع ثروته من وشايته بالمواطنين خلال نظام صدام وعقود فساد بنك البلاد الإسلامي، أم الموضوع مختلف.
السيد يعتبر من الناصبين فرغم امتلاكه معامل لإنتاج العصير والكارتون إلا أن أغلب مشاريعه الأخرى وهمية، والسؤال هو كيف تقوم إدارة العتبتين العباسية والحسينية بالتعاقد مع أحد رموز صدام من أجل تنفيذ مشاريعها؟ في الوقت الذي يقوم عددا من رجال الإعمال بتمويل “الإرهاب” في العراق؟
وهل تكون مسألة التعاقدات مبنية على الكفاءة أم المحسوبية بالنسبة للعتبتين، أم الرجل عندما قدم سيرة شركته الذاتية لم تخضع للتدقيق من قبل المعنيين… وإلا كيف نجد شخص مثله داخل عباءتي الصافي والكربلائي دون حسيب أو رقيب؟
استطاع حارث تجنيد شخص يدعى “فوزي” من أجل التنسيق له مع عدد من القضاة ودفع الرشاوى لهم لتمشية مشاريعه الوهمية.
يمتلك حارث قسوة وحقد كبيرين، حيث قام مؤخرا بسجن أثنين من أبناء شقيقته بتهمة “إفشاء أسراره”!! وهل إفشاء رجل فاسد تستحق ترتيب تهمة كيدية ضدهما!!
ولو تخيلنا أنهما استطاعا الوصول إلى سادني العتبتين فهل يا ترى سيقومان بالاستماع لهما؟ أم إنهما سيخشيان على مستقبل المشاريع؟
والحقيقة أنه لا مشاريع سوف تنجز على الأرض تحت إدارة ملك الناصبين…
فاصل ونواصل….
الرئيسية / منوعات / ضمن مسلسل الفساد في العراق : بعد غطاء صدام.. سيد حارث يختفي بعباءتي الصافي والكربلائي