السيمر / الثلاثاء 14 . 11 . 2017 — من بين مئات آلاف السيارات التي تغص بها شوارع بغداد ثمة سيارة مختلفة تثير الانتباه، وحين تتوقف يتحلق حولها المارة، ليتفحصوا العناوين التي تحملها هذه “السيارة المكتبة”.
بدأت القصة حين قرر علي الموسوي (25 عاما) قبل عامين أن يحول سيارته إلى مكتبة متنقلة، وذلك في تجربة غير مسبوقة في العراق، لكنها وجدت حفاوة وترحيبا كبيرين كما يقول للجزيرة نت.
ويثير منظر هذه السيارة فضول المارة، وربما يستوقفونها ليشتروا منها أو يطلعوا على ما تحمله من كتب متنوعة، وبينما ينهمك شباب عشرينيون في تفحص عناوين الكتب يجلس الموسوي على كرسي صغير بجانب سيارته ليتلقى الأسئلة من الذين تجمعوا حوله.
ولا تبدو الصورة وردية على طول الخط، فصاحب المكتبة حريص -كما يؤكد- على انتقاء كتبه بعناية خوفا من إثارة مشاكل أو حساسيات مع أي جهة، إلا أن هذا الحرص لم يحل دون تمييز يقول إنه واجهه، فقد منعت إدارة جامعة بغداد دخول سيارته إلى بناياتها مؤخرا دون إبداء الأسباب، وهو ما يعتبره “حربا” على كل من ينأى بنفسه عن التحزب أو الطائفية، وفق تعبيره.
ولا تخلو مشاوير الموسوي من طرافة تشير ربما إلى انقسام في الأهواء والميول لدى العراقيين، فبعض الكتب تلقى رواجا في مناطق دون أخرى، خاصة تلك التي تتحدث عن صدام حسين، والتي تنفد سريعا في المناطق السنية، أما المناطق الشيعية فتستهويها عناوين أكثر التصاقا بتوجهاتها السياسية.
ولم يكن مألوفا حتى وقت قريب مشاهدة شبان يافعين يحملون بين أيديهم كتبا يقرؤونها أو يتبادلون الآراء بشأنها في الأماكن العامة، لكنها تحولت إلى أمر لافت مؤخرا.
ورغم قساوة تجربة النزوح القسري التي مرت بها عدة مدن عراقية فإنها كانت ملهمة لاقتباس بعض التجارب كما تقول الطالبة الفلوجية نور صباح التي سكنت مع أسرتها في بغداد أثناء الحرب الأخيرة، ودفعها شغفها بالنشاط الثقافي إلى حضور معارض للكتاب في بغداد، ثم قررت برفقة عدد من زملائها إعادة تقديم التجربة في مدينتها.
وكانت الفكرة غريبة وغير مسبوقة في الفلوجة، لكنها وجدت تفاعلا من مثقفي المدينة، وبعد أسابيع من الإعداد المتواصل وجمع الكتب من دور النشر وأصحاب المكتبات جاءت لحظة افتتاح المهرجان في الحديقة العامة بالمدينة ليتفاجأ المنظمون بأعداد كبيرة من الزائرين لم يكونوا يتوقعونها كما تؤكد نور.
“كانت البداية بألف كتاب لكن مهرجاننا القادم سيكون مختلفا” تؤكد نور، ويوافقها عدد من زملائها من فريق “مبدعون” الذي نظم مهرجان “الفلوجة تقرأ” في مايو/أيار الماضي، ويحتدم النقاش بين أعضاء الفريق بشأن موعد النشاط القادم وفقراته، لكنهم يتفقون على أن هذا المهرجان سيتحول إلى تقليد سنوي في المدينة.
عادة ما تصاحب هذه المعارض فقرات ثقافية وفنية متنوعة
تبرع بالكتب
وما بين “بسطات” الكتب وضجيج المارة في شارع المتنبي يتحرك مصعب الفلاحي برفقة بعض زملائه من (ملتقى الأعظمية الثقافي) ليجمعوا كتبا يقولون إنها ستقدم بشكل مجاني في مهرجانهم القادم الذي يقيمونه كل عام في بدايات الشتاء.
ويقف الفلاحي أمام باب إحدى دور النشر ويستأذن بالدخول، ثم يبدأ في شرح “مشروعه” لصاحبها، طالبا منه المساهمة ببعض الكتب دعما منه لنشر الوعي والمعرفة إلا أن التفاعل يتفاوت من شخص إلى آخر، فالبعض يمتنع متعذرا بغياب مالك الدار، والبعض الآخر يساهم في الحملة بحماس.
وبعد جولة على المكتبات ودور النشر لأكثر من ساعتين كانت الحصيلة حوالي سبعين كتابا، يجلس بعدها أفراد الفريق في استراحة وهم يتصفحون بعض ما حصلوا عليه، ويعتقد الفلاحي أن هذه المهرجانات والحملات أعادت الاعتبار للكتاب حتى أصبح اقتناء الكتب أشبه بـ”الموضة” ومدعاة للتباهي لدى البعض.
ويشاطره زميله بكر ظاهر الرأي، لكنه يشتكي من محاولات بعض الساسة “ركوب الموجة” عن طريق إقامة معارض مشابهة أو احتضان ناشطين يتحركون في هذا المجال مع أن معظم هذه الفعاليات تتم بجهود ذاتية وتبرعات من أشخاص مستقلين رغم ضيق ذات اليد والعروض “السخية” التي يتلقونها من السياسيين، على حد قوله.
المصدر : الجزيرة