متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الأربعاء 11 . 11 . 2015 — عدا عن الدعم السعودي والقطري والتركي والأردني والإسرائيلي لمسلحي الجنوب السوري، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن الـ«سي أي ايه» تنفذ برنامجاً لدعم مقاتلي «الجبهة الجنوبية» كلفته مليار دولار سنوياً
لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) جيش يضم آلاف المقاتلين المعارضين في سوريا. وهؤلاء يقاتلون في الجنوب السوري بشكل خاص، وتتولى الاستخبارات الأميركية تدريبهم وتسليحهم وتزويدهم بالمعلومات الميدانية. ما سبق ليس اتهاماً أطلقه الحكم في دمشق على معارضيه الذين يصنفهم الغرب بـ»المعتدلين»، بل وقائع كانت مدار بحث على طاولات صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وكشفتها صحيفة «واشنطن بوست» أول من أمس.
تمويل وتسليح وتدريب بكلفة مليار دولار سنوياً، يذهب جلّها إلى مقاتلي «الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر». السخاء ليس حكراً على الأميركيين، بل إنه جزء من تعاون أميركي ــ سعودي ــ قطري ــ تركي. وإذا ما قيس هذا الأمر على السوابق الأميركية في أفغانستان ونيكاراغوا وغيرها من الدول التي بنت فيها وكالة الاستخبارات جيوشاً من المرتزقة، حيث كانت الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها الجزء الأصغر من الإنفاق وتجعل حلفاءها يتولون الحصة الأكبر من الكلفة، يمكن توقع المبالغ الخيالية التي تنفق سنوياً في الجنوب السوري. ويمكن أيضاً تخيّل القدر الهائل من الأموال الذي يُدفع لإراقة الدم والتدمير في عموم سوريا، حيث لا تكف المعارضة منذ أربع سنوات عن الشكوى من الشح المالي والنقص في السلاح والذخيرة، وتزعم أنها متروكة لتواجه وحيدة النظام وحلفاءه.
ما نشرته «واشنطن بوست» لا يمكن فصله عما انكشف الشهر الماضي من وثائق لاستخبارات الدفاع الأميركية أظهرت أن الدول الغربية (وبينها الولايات المتحدة) والخليجية الراعية للمعارضة السورية دعمت عامي 2011 و2012 إقامة إمارة إسلامية «قاعدية» في شرق سوريا للضغط على النظام في دمشق.
برنامج الـ»سي أي ايه» الذي كشفت عنه الـ»بوست» هو من بين أكبر البرامج السرية التي تنفذها الوكالة في العالم، بحسب الصحيفة التي قالت إن كلفته تشكل نسبة «1 من 15» من إجمال إنفاق الـ»سي أي إيه» سنوياً. وهذا البرنامج، بحسب مسؤولين في الاستخبارات ورجال سياسة أميركيين قابلتهم الصحيفة، ينص على تدريب مقاتلين وتسليحهم، وتزويدهم بالمعدات اللوجستية، وجمع المعلومات التي يحتاجونها في معاركهم، وإيصالهم مع ما يحتاجونه إلى الأراضي السورية.
هو إذاً برنامج عسكري «متكامل»، يضمن بناء جيش تابع لـ»سي أي إيه»، على شاكلة ما قامت به الوكالة عينها في أفغانستان ونيكاراغوا في ثمانينيات القرن الماضي. الجزء الأكبر من هذا البرنامج يجري تنفيذه انطلاقاً من الأردن، حيث درّبت الاستخبارات المركزية الأميركية 10 آلاف مقاتل حتى اليوم، بحسب المقال الذي نشرته «واشنطن بوست» على رأس صفحتها الأولى السبت الماضي. مبلغ مليار دولار سنوياً، بحسب مسؤولين أميركيين، هو جزء من مشروع أكبر تبلغ كلفته مليارات الدولارات، وتساهم فيه إلى جانب الولايات المتحدة، السعودية وقطر وتركيا. ويتركز عمل هذه الدول في الجنوب السوري، لدعم ما يُسمى «الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر». وأجرى كاتبا تقرير الـ»بوست» عملية حسابية بسيطة استنتجا فيها أن كلفة المقاتل الواحد سنوياً تبلغ 100 ألف دولار أميركي!
الكشف عن هذه العملية «المتواصلة منذ عام 2013»، أتى على خلفية قرار أصدرته بالإجماع لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، قضى بخفض ميزانية برنامج الـ»سي أي إيه» في سوريا بنسبة 20 في المئة. لكن هذا القرار لن يكون نافذاً إلا بعد سلسلة طويلة من الإجراءات، بينها تصويت المجلس عليه الأسبوع الجاري. كما أن سريان القرار بحاجة إلى تبنيه من قِبل مجلس الشيوخ ولجنة الاستخبارات الخاصة به التي ستبدأ درس ميزانية الاستخبارات قبل نهاية حزيران. وبحسب الصحيفة، فإن البيت الأبيض سيباشر اتصالاته بمجلس الشيوخ لتجنيب وكالة الاستخبارات المركزية خفض ميزانية برنامج عملها في سوريا الذي تبنته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب.
كبير النواب الديموقراطيين في لجنة الاستخبارات آدم شيف قال للصحيفة إن ممثلي الحزبين (الديموقراطي والجمهوري) مجمعون على القلق حيال الاستراتيجية الأميركية في سوريا. هذا القلق، على ما يبدو مما نشرته اليومية الأميركية، متمحور حول نظرة الساسة الأميركيين ودوائر الاستخبارات إلى ما يجري في الميدان السوري. فبحسب تقرير الصحيفة، حتى المدافعون عن برنامج عمل الـ»سي أي إيه» يقرّون بالأداء الضعيف للفصائل «المعتدلة»، وبأنها ستهزم في أي معركة حاسمة مع «داعش». موقف أكثر «صراحة» في هذا السياق نقلته الـ»بوست» عن أحد كبار مساعدي الجمهوريين في الكونغرس، قائلاً إن تراجع قوات النظام في سوريا «ليس نتيجة عمل من يسمّون المعتدلين». أما شيف، فقال: «للأسف، أعتقد أن «داعش» و»النصرة» وبعض الفصائل الإسلامية المتطرفة الأخرى هم في أفضل موقع للاستثمار في الفوضى التي يمكن أن ترافق انحداراً سريعاً للنظام».
وينقل كاتبا التقرير عن مسؤولين قولهم إن هذه اللهجة مستندة إلى عدم قدرة وكالة الاستخبارات المركزية على «إظهار أن قواتها سيطرت على أراضٍ أو ربحت معارك أو حققت نتائج ملموسة».
في المقابل، يدافع داعمو البرنامج عن رجال الـ»سي أي ايه» في الميدان، قائلين إنهم «يحاصرون قاعدة للجيش السوري»، فيما يؤكد آخرون أنهم تمكنوا من السيطرة على عدد من القواعد الرئيسية للجيش السوري جنوب دمشق.