السيمر / الخميس 04 . 01 . 2018
فؤاد إبراهيم / السعودية
احتفالية أفول «داعش» سورياً وعراقياً تنطوي على عنصر خديعة، إن لناحية القراءة المبتورة لمسرح عمليات التنظيم، أو لناحية استراتيجية عمله الكوني. لا ريب أن مصيدة «الدولة» تكمن في تصنيمها للجغرافيا، وهذا ما يفرّقها عن «القاعدة» التي أوصى زعيمها السابق أسامة بن لادن أنصاره في «بوكو حرام» النيجيرية، قبل أن ينقلبوا لاحقاً ويبايعوا «البغدادي»، بالنأي عن مجرد التفكير في طوبى «الخلافة»، وتكثيف الجهد في إثخان العدو (الأميركي على وجه حصري). شرنقة الجغرافيا، كتظهير جيوسياسي لمرحلة «التمكين»، المدماك الثالث في استراتيجية عمل «داعش»، بقدر الاختناق المكاني والأيديولوجي الذي تسبّبته، فإنّها نبّهت الى ضرورة إعادة المراجعة الفورية للحد من الخسائر المفضية الى الفناء التام.
حسم تنظيم «القاعدة» في مرحلة مبكرة ديالكتيك الجغرافيا والأيديولوجيا، فتصالح مع مشروعه الكوني بتحديد هوية خصومه، أمّا وقد خسر «داعش» الجغرافيا فكان عليه أن يعيد صوغ أيديولوجية تنسجم مع مرحلة إعادة الانتشار، والتحرر من حرفية التسلسل المتعاقب (النكاية ـ التوحش ـ التمكين).
التناقص الحاد والدراماتيكي في الموارد البشرية والمالية للتنظيم تبعاً لتقلّص النطاق الجغرافي، أفقده الشروط الضرورية لمرحلة «التمكين»، وفرض عودة عاجلة إلى مرحلة «النكاية»، لا يكون فيها التنظيم أسير «الإقليم»، برغم من هوسه الدائم بها كيما يقيم عليها أحكام شريعته.
ومع تآكل الأرض من تحت أقدام جند الخلافة في العراق والشام، بات في حكم المؤكد أن مرحلة التمكين قد أفلت، وأصبح من المنطقي التخلي عن شعار «تتمدّد» ذات الصلة بالتقدّم الميداني وبمرحلة التمكين، والاكتفاء، في نهاية المطاف، بمجرد إثبات الوجود «باقية». مسار العودة الى مرحلة «النكاية» بات إلزامياً، وفرض تراجعاً عن دوغمائية «الدولة/ الخلافة» المشروطة بمرحلة «التمكين»، وإن كانت أدبيات «الدولة» مدجّجة بقناعة راسخة بأن كل أرض مهما صغرت مساحتها وأمكن إقامة الحدود وأحكام الشريعة عليها تكتسب سمات مرحلة «التمكين» وتكون هي أرض «الدولة/ الخلافة»، وإن بعدت المسافة بينها وبين مركزها.
خط بداية جدبد
لا ريب، أن مشروع «الخلافة» سوف يبقي على نوستالجيا يراود عناصر «الدولة»، ممن كانوا معها أو انقلبوا عليها، وقد تتحول هي الى خط بداية لجماعة أخرى جديدة تستلهم تجاربها، وتراجع مواطن إخفاقها، وتبني على مكاسبها. ولا ريب أيضاً أن الجماعة الناشئة سوف تعيد توظيف أدوات «الدولة» في جذب وتجنيد العناصر الجديدة. إن العوامل التي ألهمت وألهبت مشاعر الآلاف كي يجدوا في «القاعدة»، وتالياً «داعش» مأوى لتوقعاتهم وأحلامهم قد تكون هي ذاتها بالنسبة لجماعات أخرى من قبيل: فشل مشروع الدولة، وفقدان الثقة في أنظمة الحكم، وعطب سياسات إدماج المهاجرين في المجتمعات المحلية في الغرب، وأزمة الهوية والانتماء، والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، العولمة المتوحشة.
بناء على تحقيقات مجموعة «سوفان» المعلن عنها في حزيران 2014، أحصيت ما بين 27 ـ 31 ألف شخصاً سافروا الى العراق وسوريا للالتحاق بتنظيم «الدولة» ومجموعات عنفية متطرّفة أخرى، من 86 بلداً في العالم. وفي أيلول 2015 قدّرت الاستخبارات الأميركية عدد المقاتلين الأجانب في سوريا نحو 30 ألف مقاتل من أكثر من 100 بلد. وفق تقديرات أخرى من مصادرة متعدّدة، كان هناك أكثر من 40 ألف عنصر أجنبي التحقوا بصفوف تنظيم «الدولة»، ينتمون لأكثر من 110 دولة في أرجاء العالم من قبل وبعد إعلان «الخلافة» في يونيو/ حزيران 2014. فاليري غيراسيموف رئيس الأركان العامة الروسية قدّر في 27 كانون الأول الجاري عدد مقاتلي «داعش» في سوريا وحدها بـ59 ألف مقاتل، وأن القوات الروسية قضت على 60 ألف من أصل 70 ألف إرهابي في سوريا.
بعد سنوات من المواجهات المفتوحة بين تنظيم «الدولة» والجيش السوري وحلفائه، بات التنظيم يصارع من أجل البقاء. في 4 كانون الأول الجاري قدّر التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة عدد مقاتلي «داعش» المتبقين في العراق وسوريا بأقل من ثلاثة آلاف، بحسب ما أكّد المتحدث باسم التحالف الكولونيل راين ديلون. الملفت أن التحالف عاد وأعلن في 28 كانون الأول بأنه لم يتبق في العراق وسوريا سوى أقل من ألف من مقاتلي تنظيم «داعش»، أي ثلث العدد التقديري السابق في أقل من شهر. وبرغم من تناقص أعداد مقاتلي «داعش» بعد تحرير الموصل (تموز 2017)، وتلعفر (آب 2017) والرقة (تشرين الأول 2017)، ودير الزور (تشرين الثاني 2017) وعودة 30% من المقاتلين الأوروبيين الى بلدانهم، وحتى شباط من العام 2017 فإن 20% فقط عادوا الى بلدانهم.
التقديرات الاستخبارية تفيد بأن الهاربين من «الدولة» طوعاً أو كرهاً قد يتحوّلوا الى عناصر أشد وحشية، وقد يحملون إحباطهم معهم إلى أوطانهم أو إلى أراض لم تطأها أقدامهم من قبل. تجدر الإشارة إلى أنه منذ إعلان الخلافة في حزيران 2014 وحتى شباط 2017 نفّذ تنظيم «الدولة» أو ألهَم حوالي 143 هجوماً إرهابياً في 29 بلداً، وأدّى الى مقتل أكثر من 2000 شخص وإصابة عدد كبير من الأشخاص.
ولأولئك الذين يقرؤون واقع التنظيم من خارجه يذهلون عن الاشتباك الأيديولوجي الذي فتك بوحدة التنظيم وبعثرته. جذور الاشتباك تعود الى مرحلة مبكّرة من عمر «الدولة» حين كان التجاذب القيادي يدور حول الأقرب الى صميم «السلفية» النقيّة، وفي وقت بدأ التطاحن العقدي بين «الدولة» و«القاعدة» وعموم أطياف السلفية الجهادية حول الأجدر بأمانة التمثيل. لم تسطع «الدولة» إخماد بؤر السجال العقدي في صفوفها، حتى بلغت مرحلة الصدام الدموي. كان بلوغ انشعاب «الدولة» ذروته الصيف الماضي وبروز تيارين متنافرين هما: تيار البنعليين «نسبة الى المفتي السابق في داعش تركي البنعلي، البحريني الأصل)، وتيار الحازمي (نسبة الى الشيخ أحمد بن عمر الحازمي، المعتقل حالياً في السجون السعودية)، وهو الأشد تطرفاً في عموم أطياف السلفية الجهادية قاطبة، قد تسبّب في زعزعة القواعد والقناعات وتالياً انفراط عقد التنظيم، وبات عليه الدفاع عن وجوده ومشروعيته.
قراءة في أدبيات السجال العقدي بين التيارين توصل الى خلاصة أننا أمام بروفة مصغرة لحرب وجودية بين تنظيمن تكفيريين، مع فارق أن أحدهما تكفيري مع وقف التنفيذ وآخر تكفيري معطوفة على اعدامات ميدانية. ومن المفارقات، أن حملة التطهير التي قامت بها قيادة «الدولة» عبر تصفيات جسدية طاولت العشرات من شرعيي وكوادر التنظيم وفي الغالب من الأجانب (من تونس، الكويت، القوقاز، الشيشان…)، بدأت في نهاية العام 2014، حيث تم إعدام 100 من عناصر التنظيم، واعتقالات مئات آخرين. حملة الاعدامات لم تتوقف طيلة السنوات الثلاث الماضية، جنباً الى جنب «المناظرات الشرعية» لثني الحازميين عن تكفير «البغدادي» و«الدولة»، حتى اضطرت الأخيرة إلى زيادة الجرعة التكفيرية في خطابها، ولكن من دون فائدة.
بنعلي/ حازمي
السجال العقد بين البنعليين والحازميين كان يدور في ظاهره حول «تكفير من يعذر بالجهل» بما يبطن حكماً بكفر أبو بكر البغدادي، وتطوّرت لاحقاً إلى نكث بيعته على أساس قاعدة «لا بيعة لمجهول الحال»، والتي استعارها التيار الحازمي من سجال ابن تيمية مع نظيره الشيعي إبن مطهر الحلي حول غيبة الإمام المهدي.
شكّل المقاتلون الأجانب الحصة الأكبر من التيار الحازمي، وهم أول من لاذ بالفرار من «الدولة» الى خارجها، ليس على سبيل البحث عن ملاذ آمن بالضرورة، بل لجحود بـ«الدولة» وجدارتها في البقاء في مقابل التيار الحازمي الذي يعتنق استراتيجية عمل مستقلة، أفصح عن أولى مراحلها، أي «مرحلة الدعوة».
في رد فعل على ما سلف، لم تجد قيادة «الدولة» بدّاً من تقليص الخسائر الناجمة عن «التآكل السريع للجغرافيا»، والانقسام العمودي والأفقي بسبب «السجال الأيديولوجي» عبر إعادة الانتشار. وعلى الضد من «القاعدة» التي انتقلت من الأطراف (أفغانستان/ باكستان) إلى المركز (العراق/ سوريا/ الخليج) بعد أن استكملت شروط تمدّدها، فإن تنظيم «الدولة» يغادر، مضطّراً، معقله/ المركز نحو الأطراف في رحلة طويلة وإنقاذية يعيد فيها تشكيل ذاته. وجهة «الدولة»، إلى جانب أفغانستان وباكستان بوصفهما حاضنتين ناجزتين للسلفية الجهادية في العقود الثلاثة الأخيرة، باتت منطقة شرق آسيا، ولاسيما أندونيسيا، ماليزيا، بنغلادش، الفيليبين، تايلند بتركيبها الجغرافي شديد التعقيد، والديمغرافيا الأكثف إسلامياً، إلى جانب الحدود الرخوة بين هذه الدول بما يسهل عمليات تنظيم «الدولة» لوجستياً وبشرياً، تحضيراً لمسرح عمليات مفتوحة في المرحلة المقبلة. إن التحذيرات التي أطلقها رئيس أندونيسيا جوكو ويديدو وقادة التنظيمات الاسلامية (على رأسها «نهضة العلماء») بعضوية تصل الى 70 مليون عنصراً، و«الجمعية المحمدية» ذات الـ40 مليون عضواً، لحماية التسامح الديني إزاء خطر التطرّف لا بد من حملها على جديّة عالية على أساس قابلية التسلل عبر آلاف المدارس الدينية في شبه القارة الهندية، التي تحوّلت في السنوات الأخيرى الى بيئة نموذجية لغرس الأفكار المتطرّفة في أجيال متلاحقة، وفي الوقت نفسه تجنيد العناصر المؤهّلين أيديولوجياً لترجمة تلك الأفكار على شكل أعمال عنفية ضد من يصمونهم بالكفر.
وفي كل الأحوال، بات لدى أجهزة الاستخبارات في دول شبه القارة الهندية وشرق آسيا عموماً معرفة إجمالية عن خارطة عمل تنظيم «الدولة» في هذه الدول. ومن جهته، يفيد التنظيم لتجنيد عناصر محلية من التناقضات الداخلية: الاخفاق السياسي على مستوى الإندماج الوطني سواء في الفلبين أو تايلند، أو الإختلاف الديني إسلامي/ مسيحي (أندونيسيا)، والحرمان الاقتصادي (بنغلادش). بدأت مجموعات محلية تعلن عن مبايعة «البغدادي» منذ العام 2015، مثل «أنصار الخلافة» الاندونيسية التي يتزعمها أمان عبد الرحمن. وفي تشرين الثاني سنة 2015 انتشر مقطع فيديو على الانترنت عن جماعة «مجاهدي تيمور الشرقية» الاندونيسية، أقوى مجموعة إرهابية في البلاد، تهدّد فيه بالهجوم على القصر الرئاسي ورفع علم تنظيم «الدولة» على سطحه. لقد نجح حتى الآن نظام اللامركزية في أندونيسيا، والمنسجم مع الطبيعة الجغرافية للبلد الذي يتألّف من أكثر من 18 ألف جزيرة على مساحة أكثر من 300 ميلاً، في منع نشوء بيئة مناسبة للجماعات المتطرّفة على خلفية سياسية. ومع ذلك، لفت الرئيس الأندونيسي في افتتاح المؤتمر الوطني لجمعية نهضة العلماء في 23 تشرين الثاني الماضي إلى أن «داعش» بات يشكّل قلقاً لدى السلطات الاندونيسية الذي يدفع الى رفع مستوى الحيطة والحذر من إمكانية اختراق التنظيم لبعض المناطق والطبقات الاجتماعية.
في بنغلادش كان الحال بالغ السوء منذ حملة الإعدامات التي طاولت قادة إسلاميين بارزين في كانون الأول 2013، مثل الشيخ عبد القادر ملا، رئيس حزب الجماعة الإسلامية، وعلي أحسن محمد مجاهد، أمين عام الجماعة، وصلاح الدين قادر تشودري، عضو قيادي في الجماعة، وعضو برلماني سابق وكبير مستشاري زعيمة المعارضة خالدة ضياء، ومحمد قمر الزمان، وهو الزعيم الثاني للجماعة الإسلامية، ومطيع الرحمن نظامي، وزير الزراعة الأسبق، وأحد مؤسسي حزب الجماعة الإسلامية، وتولى رئاستها لبعض الوقت، ومير قاسم علي، عضو تنفيذي في اللجنة المركزية للحزب وأبرز مموليها، وأزهر الإسلام، الأمين العام المساعد لحزب الجماعة الإسلامية، وعبد السبحان، نائب رئيس حزب الجماعة الإسلامية. وقد أدين هؤلاء جميعاً بتهم مثل ارتكاب الإبادة الجماعية، والقتل والتعذيب والاغتصاب وتدمير الممتلكات خلال حرب الاستقلال عن باكستان. وفي النتائج، أحدثت الإعدامات ردود فعل شعبية غاضبة، وصنعت بيئة متطرفة بشكل متزايد، وكان تنظيم «الدولة» متأهباً لقطف ثمارها.
«دولة» الفيليبين
في الفيليبين ذات السبعة آلاف ومائة جزيرة، يقطن معظم مسلميها في جزيرة مندناو الأقرب الى ماليزيا، وهي ثاني أكبر الجزر ويقطنها ما بين 10 إلى 12 مليون نسمة من أصل 92 مليون نسمة إجمالي سكان الفيليبين. وتعد جماعة أبو سياف، عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني (قتل في كانون الأول 1998)، وهي جماعة سلفية جهادية، انشقت عن جبهة التحرير الوطنية «جبهة مورو» وتدعو إلى إقامة «دولة إسلامية» غربي جزيرة مندناو، جنوبي الفيليبين. وقد درس أبو سياف العلم الشرعي في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وتخرّج فيها وعاد بعد تلقيه تدريبات عسكرية في ليبيا إلى منطقته جزيرة باسيلان في جنوب جزيرة مندناو جنوب الفيليبين، وحرّض على «كراهية النصارى» بدعوى أن المسلمين في الفيليبين يعانون من الاضطهاد على خلفية دينية في الشمال، وأن الحكومة المركزية حرّضتهم على قتل المسلمين وسلب أراضيهم.
بعد مقتل أبو سياف ضعفت الجماعة، وانقسمت الى مجموعتين: مجموعة يقودها راودلان وهي الأكبر عدداً، والأخرى يقودها قذافي جنجلاني، وهي الأقل عدداً. وكانت الأخيرة خاضت مواجهات شرسة مع الجيش الفيليبيني والهجوم على كنائس، والقيام بعمليات خطف للأجانب. وفي نيسان 2016، قتل مسلحون من جنوب الفيليبين مرتبطون بتنظيم «الدولة» 18 جندياً من الجيش في معركة ضارية استمرّت يوماً واحداً على أرض وعرة، فيما تحدّث الناطق باسم الجيش عن قطع رؤوس عدد من الجنود.
وقد أعلنت أربع مجموعات تابعة لجماعة «أبو سياف» في فيديو مصوّر بثّته إحدى المواقع التابعة لـ«داعش» في 20 حزيران 2016 مبايعتها للبغدادي. وجاء في الفيديو تعيين إسنيلون هابيلون المعروف باسم أبو عبدالله الفيليبيني «أميراً» على ما أسمتها «ولاية الفيليبين». وظهر في الشريط ثلاثة أشخاص: إندونيسي، وماليزي، وفيليبيني مقيمين في مدينة الرقّة معقل «داعش» في سوريا، وهم يؤكدون قبول البغدادي بيعة هذه المجموعات. وفي نيسان من العام نفسه، أعلنت مجموعتان من جماعة أبو سياف مبايعتهما للبغدادي.
وتكشّفت حقائق جديدة عن المشاركة القتالية للتنظيم في الفيليبين. ففي مواجهات أيار 2017 شارك العشرات من المقرّبين من «الدولة» ضد قوات الأمن في جنوب الفيليبين، في مؤشر واضح على أن منطقة جنوب الفيليبين تحوّلت، وبسرعة قياسية، الى مركز حيوي لنشاط إرهابي تقوده تنظيمات السلفية الجهادية.
وبحسب المخابرات الفيليبينية فإن نحو 40 مقاتلاً جاؤوا في الفترة الأخيرة من الخارج وبعضهم جاء من دول في الشرق الأوسط كانوا ضمن ما بين 400 إلى 500 مقاتل اجتاحوا مدينة ماراوي في جزيرة منداناو، من جنسيات إندونيسية، وماليزية، وباكستانية، وسعودية، وشيشانية، ويمنية، وهندية، ومغربية، وتركية، حسب المصدر نفسه. يشي هذا المعطى بمتغيّر استراتيجي كبير وهو ما لفت إليه الخبير الأمني في كلية «إس. راجاراتنا» للدراسات الدولية في سنغافورة، روحان جوناراتنا في تصريحات له نشرت في 30 أيار الماضي، بأن «تنظيم داعش يتقلّص في العراق وسوريا ويتناثر في مناطق من آسيا والشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنه من المناطق التي يتوسّع فيها هي جنوب آسيا والفيليبين التي تعتبر مركز الاستقطاب.
وبعد نجاح تنظيم «الدولة» في حصار مدينة مراوي في 22 أيار الماضي، دعا الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، في 26 أيار تنظــيم «داعش» للحوار قائلاً: «إن الفرصة لا تزال سانحة لإحلال السلام». وجاءت الدعوة بعد محاولات فاشلة لفك الحصار بالزج بقوات مدعومة بالطائرات الهجومية، حيث أبدى المتحصّنون من جماعة ماوتي التي أعلنت مبايعتها لتنظيم «داعش» مقاومة شديدة.
وفي 30 أيار الماضي نشرت وكالة «رويترز» تقريراً عن المعارك الدائرة في مدينة ماراوي، وذكرت بأن عشرات من المقاتلين الأجانب إلى جانب المتعاطفين مع تنظيم «الدولة» قاتلوا ضد قوات الأمن في جنوب البلاد التي أصبحت مركز استقطاب لتنظيم «الدولة» بعد طرد مقاتليها من العراق وسوريا. وكان عناصر من جنوب شرق آسيا يقاتلون في صفوف «داعش» في سوريا قد أصدروا العام الماضي، 2016، توجيهات لمواطنيهم يحثّونهم على الانضمام لإخوانهم في جنوب الفيليبين أو شن هجمات في الداخل بدلاً من محاولة السفر إلى سوريا.
وبحسب جوناراتنا: «إن المقاتلين الأجانب يشكّلون مكوّناً كبيراً بشكل غير معتاد من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ومن الوجود الجاري تشكيله للتنظيم في جنوب شرق آسيا».
وفي 22 تشرين الأول الماضي خاضت القوات الفيلبينية مواجهات شرسة مع مجموعات موالية لتنظيم «داعش» في مدينة ماراوي التي حاصروها منذ 22 مايو/ أيار من العام نفسه، ولم تنجح القوات الفيلبينية في فك الحصار عنها برغم من دعوات الاستسلام التي يطلقها الجنود الفيليبنيون عبر مكبّرات الصوت، فيما كانت تتصاعد المخاوف من أن يكون تنظيم «داعش» قد نجح في ابتكار تكتيكات قتالية تؤدي الى استنزاف القوات النظامية فيما يعزز التنظيم وجوده في الغابات والجبال والمناطق النائية في جنوب الفيليبين، وإذ يتم تجنيد الشباب للقتال، ويجمع السلاح بكميات كبيرة. وقد تمكّن الجيش الفيليبيني من قتل أمير «داعش» فيها إسنيلون هابيلون، كما قتل عمر الخيام ماوتي زعيم جماعة ماوتي.
إن نوعية القتال والنتائج التي يحققها تنظيم «الدولة» تجعل منه لاعباً فاعلاً في الساحة الفيلبينية، بل وفي عموم شرق آسيا، بما يطيل أمد بقاءه ويفتح أفق مناورته بعيداً عن هاجسي الجغرافيا والإيديولوجيا.
الاخبار اللبنانية