السيمر / الثلاثاء 17 . 07 . 2018
د . إبراهيم الخزعلي
اليوم يحتفل كل العراقيين في الذكرى الستين لثورة الرابع عشر من تموز المجيدة …
ان مفهوم الثورة في تأريخ الشعوب القديمة والمعاصرة ، هو ظاهرة طبيعية في حياة الأمم ، وهي كفعل ورد فعل .
امّا التعريف المعاصر والأكثر حداثة لهذا المصطلح ، هو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ، يوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع .
ومن البديهي عندما يُحرم الأنسان من أبسط حقوقه ، ومستلزمات عيشه، ولقمة الخبز التي هي مصدر طاقته وفاعليته في حياته، بينما يرى في المقابل شرذمة من الناس يستحوذون على كل شيء هم وأزلامهم، ويتسلطون على رقاب الناس ويتحكمون بكل صغيرة وكبيرة، من موقع ما يسمى بسلطة الدولة او الحكومة ، تلك الشرذمة لم تنظر بعين المسؤلية الى ما يحتاجه الشعب وما يعانيه الغالبية العظمى من الناس من مأساة وفقر وحرمان ، ولكن عندما ينهض الشعب مطالبا بحقوقه المشروعة والمسلوبة ، ترى السلطة وبأجهزتها القمعية تستخدم كل الأساليب الوحشية والبربرية في اخماد صوت الشعب وقمعه ، فمن هنا تبدأ الفجوة الساخنة بغضب الجياع والمحرومين بين السلطة الحاكمة وبينهم ، لتكون احد عوامل انتصار الجماهير المضطهدة عندما تعي ماساتها ومعاناتها بنمو الوعي والحس الثوري لديها، وكما يقول كارل ماركس ” الفقر لا يصنع ثورة ، انما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة ، الطاغية مهمته ان يجعلك فقيرا ، وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائبا”، وهذه المسألة تُردُّ الى العامل الأقتصادي.
والى جانب العامل الأقتصادي يوجد عامل آخر مهم في تفجير كل الثورات في العالم ، وهو العامل السياسي .
فالعامل السياسي هنا لعب دورا كبيرا وساعد على تفجير وانتصار ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، حيث ان الحكومة العميلة التي صنعها الأنجليز، باعت الوطن وكل ما له صلة بسيادة العراق الى اسيادهم المستعمرين ، مقابل عروش زائلة وملذاتهم وشهواتهم الدنيئة، ولم يعيروا أي اهتمام لسيادة العراق وكرامة شعبه، وعلى العكس من ذلك، وفي المقابل، ما ان ترى الطليعة الواعية من الجماهير تعلن غضبها وصرختها بوجه الحكومة العميلة، مطالبة بحقوقها ، فسرعان ما تنقضُّ كلاب السلطة على الجماهير لتنهشها وتُزهق ارواحا، وتسيل دماء آخرين …
وكما هو واضح ومعروف لدى الجميع أن ارادة الخيرين ومؤازرة المحرومين والمعدمين من ابناء الشعب العراقي الأبي ، وبإتحاد كل قواه الخيرة عربا وكردا واقلياتا ، وبذلك الأتحاد ، وذلك الوعي المتنامي عند الفصائل الثورية في الحركة السياسية انذاك ، المتجذرة بين صفوف العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين وبين الخيرين في الجيش والقوات المسلحة ، و بالتلاحم الصادق والنقي تفجرت صبيحة الرابع عشر من تموز، الثورة المجيدة بقيادة الشهيد البطل عبد الكريم قاسم والشرفاء الذين معه …
ان ما قدمته ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة من انجازات على كل المستويات والأصعدة ( سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ) ، وهنا لا يمكن ان تحتويها الصفحات ، والخوض فيها وتفصيلها ، ويمكن الأطلاع على المصادر المؤرخة والموثوقة للتعرف على ذلك.
فالتآخي بين مكونات الشعب الواحد بكل اعراقه ومذاهبه والوان طيفه الجميل ، وباتحاد قواه الخيرة ، كان هو العامل الأهم والأبرز في انتصار الثورة المجيدة وتحقيق طموحات واماني الشعب ، ونحن نعرف جميعا ، ان المستعمرين هم دائما وابدا وفي كل زمان ومكان ضد وحدة الشعوب التي تناضل من اجل حقوقها العادلة وتحررها من الظلم والعبودية والهيمنة الأستعمارية، لتبقى هيمنتها زمناَ أطول ، فهي تنتهج مبدأ ميكافلّي ( فرّق تَسُدْ) وكما يحصل اليوم في عراقنا الجريح من قتل وذبح وتفرقة ، وهذه الظواهر المؤلمة التي صنعها اعداء شعبنا،عربا وكردا واقلياتا ، لكي لا نكون اقوياء متحدين في مواجهته ودحره .
فاحتفال الشعب العراقي في الداخل والمغتربين في كل بقاع الأرض من العالم ، الذين أجبرتهم الدكتاتورية الصدامية وقتذاك، بممارساتها القمعية والوحشية ، وحروبها المدمرة التي اوصلت العراق الى ما هو عليه الأن بعد الأحتلال الظالم بجرائمه القذرة التي خربت ما تبقى من شيء اسمه دولة ذات سيادة ، وبكل وقاحة وخبث ، وامام مرأى ومسمع من العالم ، ومن دون ذرة من حياء وشرف وانسانية ، ومن المضحك المبكي أن هذه الدول التي ساهمت بخراب العراق شعبا وارضا ، بقيادة امريكا ، تدعي جميعها الحضارة والتقدم وحقوق الأنسان ، وإذا ما يحصل هنا او هناك قتل انسان ، ترفع صوتها عاليا ، وتتباكى ، في الوقت الذي يُباد ملايين البشر باسلحتها المدمرة والفتاكة ، ونشرهم الفساد والخراب ، وتشرد الملايين من الناس العزل ، ومثلهم الكثير من المعوقين والأيتام والأرامل والثكالى والجياع ، كل هذا ليس ذات اهمية بالنسبة لهم ، وكما قال الشاعر أديب إسحاق (*) ”
قتل امرئ في غابة …جريمة لا تُغتفر
وقتل شعبٍ آمنٍ … مسألةٌ فيها نظر”
وهذه هي سياسة الطواغيت التي دفعت أحرار العراق للثورة ، وكأي شعب يصبو الى التحرر والتخلص من الظلم والظلمة ، وبأرادة الشعب العراقي وكل قواه الخيرة وبقيادة الطلعية الواعية من أبنائه الأبطال وعلى رأسهم الشهيد البطل عبد الكريم قاسم ، انتصرت ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة ، وبهذا اليوم شعبنا وكل القوى الخيرة يحتفلون بهذه المناسبة العظيمة ، ليستلهموا الدروس والعبر من معانيها القيّمة، ومثلها العليا، وهو ليس احتفالا تقليديا ، فارغ المحتوى، كما يفعل الطواغيت بإجبار الشعوب على التظاهر بالأحتفال بمناسبات مفتعلة وسمجة .
فثورة الرابع عشر من تموز المجيدة انتصرت باتحاد كل قوى الشعب الخيرة ، وانتكست هذه الثورة بتآمر الخونة الذين تلبَّسوا بقناع الثورية والنضال ، فدفعتهم للخيانة والتآمر ، انانيتهم ودناءتهم وما يكنّوهُ من حقد ولؤم وغيرة على مَنْ حولهم ، لما يتصف به الآخر من مواصفات خيرة ومميزة ،مما جعلت الجماهير تلتف حولهم بسببها ، فالتفّت حولهم بالمحبة والاخاء ، اذ كانت هذه الميزات تثير غضب وحنق النفوس اللئيمة ، مما دفعها الى التآمر والأنتقام ، ليس فقط من أولئك الخيرين الذين انقذوا الوطن والشعب من الظلم والعبودية وحرروا العراق من التبعية ، وانما تآمر الخونة على اكبر منعطف في تأريخ العراق المعاصر ، ألا وهو ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة ، فعندما تنفجر اورام النفوس اللئيمة ، فانها تفقد صوابها في اصابة كل ما هو سليم ، وكما يقال( تحرق الأخضر واليابس)، والدماء التي سالت في صبيحة الثامن من شباط الأسود، في شوارع العراق وبيوته وساحاته لم يشهد التأريخ مثلها قط!
والسؤال هنا يطرح نفسه ، هل ان المتآمرين الخونة ربحوا في خيانتهم وتآمرهم على الثورة المجيدة وقادتها الأبطال؟
بالتأكيد لا …
لأن الخيانة والتآمر في كل تأريخ البشرية لم نر له اية صورة نجاح وخلود ومحبة من الآخرين، بل على العكس من ذلك، الخزي والعار ولعنة الناس تلاحق الخونة المتآمرين ، وانتهوا الى مزبلة التأريخ ، بينما نرى ابناء شعبنا اليوم في كل بقعة من عراقنا الحبيب ، من زاخو الى الفاو ومن الشرق الى الغرب ، واينما وجد العراقيون ، فهم يحتفلون بثورة الرابع عشر من تموز المجيدة ، مُستلهمين الدروس والعبر منها ، في سبيل غد افضل.
وهنا لا بد من الأشارة والتأكيد أن التلاحم والمحبة والتآخي والأتحاد هو الذي يصنع النصر ، وكما ذكرت آنفا ان ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة انتصرت باتحاد القوى الخيرة ، وانتكست بالتآمر من العدو الداخلي والقريب ، حتى تسنى للعدو الخارجي ليمد يده السامة واللئيمة ليوصلنا هذا التآمر والخيانة الى ما نحن فيه من مأساة ومعاناة …
فأدعو نفسي اولا وكل العراقيين في الداخل والخارج الى التلاحم والتآخي ووحدة الكلمة ، ونبذ الخلافات الجانبية التي لا تخدم قضيتنا العادلة من أجل الدولة الديمقراطية والعدالة الأجتماعية .
فاذا كنا حقا نحتفل بثورة الرابع عشر من تموز الخالدة ، فلنستلهم العبر من جوهر انتصارها ومن تفاني ونكران ذات ابطالها وقادتها الشرفاء …
فتحية حب ووفاء لقادة ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة
وتحية لشعبنا وقواتنا المسلحة على اختلاف تشكيلاتها ، في الأنتصار على داعش الأرهابي
(*) أديب إسحاق: شاعر سوري أرمني 1856- 1885
14.07.2018
موسكو