الرئيسية / الأخبار / ما هي الطعنة التركية التي سبقت إسقاط الطائرة ولم ينتبه لها الروس؟

ما هي الطعنة التركية التي سبقت إسقاط الطائرة ولم ينتبه لها الروس؟

متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الاحد 13 . 12 . 2015 — قرية «السمرة» الساحلية السورية، المعروفة بتصوير مسلسل «ضيعة ضايعة»، أقصى تجمع بشري على الساحل السوري، يبدأ بعد ذلك ساحل لواء اسكندرون. وأول ما يأتي هو قرية من قرى السويدية، يطلق الأتراك عليها اسم تشوليك. كانت هذه القرية على موعد مع حدث غامض في آب 2010، أي قبل اندلاع الأزمة السورية ببضعة أشهر.
في ذلك التاريخ أعلنت السلطات التركية الرسمية العثور على جثة مجهولة لغريق غابت ملامح وجهه بعد أن التهمت الأسماك جزءاً منه. وقالت أن مواصفات الجثة لا تتوافق مع أي من حالات الاختفاء المسجلة لديها.
في تلك الفترة كانت العلاقات السورية – التركية في أوجها. وكان بإمكان تركيا أن تطلع السلطات السورية على هذا الغريق عله يكون مواطناً سورياً، وخصوصاً أن السواحل في قرى رأس البسيط والبدروسية والسمرة ملاصقة لمكان العثور على الجثة. وكانت هناك عدة قنوات لأجل الإبلاغ؛ فهناك القنوات الدبلوماسية عبر السفارة السورية في أنقرة، وهناك اللجان الأمنية المشتركة التي كانت عاملة آنذاك، وهناك ضباط الحدود من الطرفين الذين كانوا يتبادلون الزيارات واللقاءات بشكل شبه أسبوعي، وهناك أخيراً القنوات المدنية بين محافظ هاتاي (لواء اسكندرون) ومحافظ اللاذقية. لكن تركيا لم تستخدم أياً من القنوات، و(يا سبحان الله) قررت إخبار روسيا فقط كون الغريق يحمل في عنقه صليباً أرثوذوكسياً. وكأن الأرثوذوكس لا يوجدون إلا في روسيا.
السفارة الروسية أبلغت تركيا عدم تسجيل أي حالة اختفاء لرعايا روس. ولكن بعد عدة أيام عادت فأبلغت السلطات التركية عن وجود حالة اختفاء لشخص من الرعية الروسية في سورية. وفعلاً سافر مسؤولون أمنيون روس للتعرف على الغريق، وقالوا أنهم تعرفوا فيه على موظف في السفارة الروسية في دمشق. وهنا بدأت القصة تتضح.
تبين أن الدبلوماسي الغريق هو في الحقيقة أحد أخطر رجال الظل في روسيا والعالم، إنه الجنرال يوري إيفانوف معاون رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية، أحد المعروفين بقربهم لبوتين. وقيل أنه كان في زيارة سرية لسورية.

ماذا كان إيفانوف يفعل في سورية؟
قبل الإجابة على السؤال لا بد من التأكيد على أن الجنرال إيفانوف كان سباحاً ماهراً، وكان رياضياً مفعماً بالنشاط كما تؤكد المصادر الروسية. ومن شبه المستحيل أن يكون قد غرق من تلقاء نفسه. وحتى لو كان كذلك فأين كان عناصر حمايته؟
لا بد تلقائياً أن نربط اغتياله باغتيال سبقه بقليل، وهو اغتيال العميد محمد سليمان، في شرفة شاطئية في طرطوس من قبل قناص كان في البحر. حيث تقول التسريبات أن العميد سليمان كان من المسؤولين عن العلاقة «المميزة» مع روسيا والتنسيق معها، حيث كان قد بلغ في تلك الفترة مرحلة خطيرة وصلت لدرجة تزويد سورية بصواريخ ياخونت البحرية من جهة، ولاتخاذ قرار تعميق وتوسيع المحطة الروسية البحرية في طرطوس، وتحويلها إلى قاعدة دائمة.
إذاً الصورة حتى الآن هي كالتالي: العميد سليمان من أهم مسؤولي ملف التنسيق مع روسيا، وبالتالي فمن الأكيد أنه كان في علاقة شبه يومية مع الجنرال إيفانوف. وفجأة يتم اغتيال رجلي الظل كلاهما.
بعد اغتيال الجنرال إيفانوف لعب المسؤولون في حكومة «العدالة والتنمية» نفس دور الأبله الذي لعبوه بعد اغتيال العميد سليمان، فبعد اغتيال الأخير توجه أردوغان مع عائلته إلى ايجه لمشاركة عائلة الرئيس بشار الأسد العطلة هناك. وأما بعد اغتيال الجنرال إيفانوف فقد أبلغوا روسيا، متظاهرين بأنهم لا يعرفون هوية القتيل، مؤكدين على نيتهم الصادقة في إماطة اللثام عن القضية. ولم يغب عن الانتباه أن الصحافة التركية حملت الرجل، بعد موته وليس قبله، مسؤولية التصفيات التي طالت قياديين شيشان مناوئين لروسيا، واثنتان من هذه التصفيات كانت اسطنبول نفسها مسرحاً لها.
صدق الروس الحكومة التركية كما صدقها السوريون قبل ذلك ببضعة أشهر. الآن يبدو الروس قد صحوا بعد إسقاط طائرتهم. ولا بد أنهم سيقومون بإعادة النظر في مجمل علاقتهم بتركيا، كما قام بذلك السوريون من قبل. ومن المؤكد أن الروس سيستنتجون أن الطعن لم يبدأ بإسقاط الطائرة كما استنتج السوريون يوماً أن الطعن لم يبدأ بمجزرة مفرزة جسر الشغور.