وداد عبد الزهرة فاخر *
في لمحة سريعة لتاريخنا العربي يعاودنا التاريخ للاشهر الاربعة الحرم وهي ” شهر ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب ” ، وذكرها تعالى في كتابة الكريم ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) سورة التوبة من الآية 36. حيث يكون هناك هدوء نسبي للاعرابي الذي يحتم عليه ان ينتظر انقضاء الاشهر الحرم ليخرج في الاول من صفر حيث تصفر البيوت من اهلها للغزو والنهب والسلب والقتل . وحاول الاسلام ان يهذب هذه الروح البدوية اللصوصية لكنه لم يفلح في ذلك ، فبعد وفاة الرسول الكريم انفلتت الامور بسرعة فائقة ولم يعد تفكير ولاة الامر العرب سوى في جمع الاموال والنساء فتوجهوا مرة اخرى للغزو باسم الفتوحات التي كانت تاتي بالمال والنساء والغلمان والسلطة والجاه. بينما لا يجد ولاة الخليفة في البلدان والمدن المفتوحة الا ارضاء ولي الامر بما يجنوه من خراج يصب في خزينة الخليفة ، وتعميم فكر اقصائي تكفيري لمن يخالفهم في الرأي والمذهب والدين .
وبروز الاجتياح البدوي للمشرق والمغرب زاد من ترسيخ وسيادة قيم القوة والتغلب والقهر البدوي العصبي من السطو والمصادرة للأرض والأموال بشكل استبدادي عنيف من خلال عمال وولاة الخليفة. ومثالنا خالد بن عبد الله القسري عامل العراق وموسى بن نصير عامل المغرب والأندلس ونذكر أيضا كلا من يزيد بن أبي مسلم وعبيد الله بن الحبحاب… وقد مارسوا تسلطا فظيعا لتأمين موارد مالية تتجاوز السياسة الجبائية المالية التي جعلت عامة الناس تعاني من ظلمها القاسي في إنتاج حياتها المادية المعيشية مما أدى إلى تخلف القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والتجارة وإلى فقدان الأمن والأمان والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. فانتشرت القيم الأخلاقية للروح البدوية أي قيم القوة متمثلة في التوحش والتغلب والبأس والافتراس والرجولة . أما في ميدان السياسة الجبائية فبعد ان توقف تدفق الغنائم على مركز الخلافة بتوقف الفتوحات وذلك في الفترة نفسها التي ازدادت فيها تكاليف الجند بدا البحث عن موارد مالية جديدة بسن نظام جبائي مرهق يعتمد أساسا على الخراج والجزية . أي بروز وتعاظم الجشع البدوي لابتزاز المسلمين وغير المسلمين بشتى الطرق بغية امتلاء خزينة ” بيت المال ، بحيث ان هارون الرشيد يخاطب السحابه قائلا … اينما تمطرين يأتي الي خراجك… .
مما نرى ان سياسة الغزوات والسبي والهيمنة قد عادت من جديد حيث صاغتها اطراف دولية بحجة التطرف الديني لفلول متلبسة بالدين اصلا ولكنها تستخرج كل فلسفتها من سيرة دول الخلافة الاموية والعباسية والعثمانية . حيث وجدت فضاءا واسعا من جمهرة كبيرة من شذاذ الافاق الذين يمثلون جزءا كبيرا من حثالة البروليتاريا التي تفتقر اصلا للثقافة والعلم بالدين . فاستطاع شذاذ الافاق جر هذه الجمهرة الكبيرة من حثالة البروليتاريا وباشكال ومسببات عدة اولها الحالة الاقتصادية المتدنية في دول العالم الثالث والبطالة المتفشية والفقر والامية فكانت هذه العودة للمغازي القديمة باسم الدين وبتنظير جديد مبرمج من الخارج الذي يركز عيونه على ثروات وموارد ومواقع المنطقة العربية خاصة . وبمزاوجة ذكية من قبل المخطط الامريكي بين فكر ضباط صدام حسين المنهزمين بكل خزي وعار أمام قوات الغزو الامريكي ، وبين الفكر الوهابي لاشتراك الطرفين بالقسوة والهمجية والتوحش تم تشكيل التجمع الارهابي لعصابات ” داعش ” ، التي اسبغت على نفسها اسم ” دولة العراق والشام الاسلامية ” ، بعد ما سمي بـ ” الربيع العربي ” الذي قاده الصهيوني المعروف برنارد هنري ليفي ” .
اذن فنحن امام عملية توحش وتهديد وتخويف وترويع لكافة وبالتالي محو هوية دول عريقة في المنطقة كالعراق ومصر وسوريا واليمن التي هي أصل العرب ، ومن يعادي هذه الفاشية المتوحشة الجديدة ، وتدجين كل المكون السني الذي سيكون ضمن ” الدولة الجديدة ” رضي ام أبى ضمن نظرية ” الفوضى الخلاقة “. واظهار حركة ” داعش ” وكإنها لصيقة بنظريات الاسلام لتعطيها المبرر للحركة والنهب والسلب والقتل ، وهي تأخذ جانبين مهمين اولهما الاساءة للاسلام كدين حضاري لو اخذنا كل التعاليم السمحاء من كتابه القران كما اساء للاسلام سلف ” داعش ” من أمثال ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب وابو الاعلى المودودي وسيد قطب. وثانيهما تهيئة الاجواء لتخريب المنطقة وتقسيمها واضعاف شعوبها وتهديم جيوشها وبالتالي سهولة السيطرة عليها مستقبلا عندما تكون على شكل امارات ودويلات ، بعد ان تمحى وتزال حضاراتها وارثها التاريخي ، وتظل فقط وهو الغرض النهائي ” دولة اسرائيل ” هي الدولة العظمى ذات ” التاريخ الحضاري ” في المنطقة !! . فقد استطاعت ادارة المخابرات المركزية الامريكية CIA تجميع اعداد كبيرة منتقاة من ضباط الجيش العراقي ، وتدريبهم داخل مجمع سجن بوكا في البصرة جنوب العراق ، وجلهم من ضباط المخابرات العراقية السابقين والحرس الجمهوري ومن محافظات ذات غالبية سنية كانت هي مادة الحرس الجمهوري والحرس الخاص وجهاز المخابرات ، وفيلق القدس . ورغم ان هذه العناصر كانت ولا تزال غير مؤمنة اصلا لا بالقومية العربية ، ولا بالعروبة والاسلام ، ولا بالبعث كحزب ومبدا اصلا ، بل كونها كانت تعشق الدم والقتل والسلطة والمال ايام النظام السابق .لذلك كانت الارضية سهلة لدمج الفكر الوهابي المتخلف مع افكار ومبادئ عشاق الدم وتشكيل تنظيم ” داعش ” الارهابي من قبل الادارة الامريكية باجتماع السيناتور جون ماكين على الحدود السورية التركية ، وبحضور ما كان يسمى بـ ” اللواء سليم ادريس رئيس اركان الجيش الحر ” ، حيث تم اختيار شخصية مؤذن بسيط مهاجر من مدينتة سامراء لبغداد ، كان ايضا من سجناء بوكا ” خليفة ” للتنظيم الخليجي الامريكي ” داعش ” ، وهو مواطن بسيط كما تحدث عنه من يعرفه سابقا ، يدعى ” ابراهيم عواد السامرائي ” ، ويكنى بـ ” أبي دعاء ” ، حيث اطلقت عليه كنية جديدة ذات مساس مباشر بالدين والمذهب هي ” ابو بكر البغدادي ” .
لذلك لم تجد العقلية البدوية التي تتخذها النظرية الداعشية سلوكها اليومي من يحتضنها سوى مجتمعات بدوية متخلفة ولو كانت احيانا مغلفة بقشور حضارية . فالقبيلة التي جاءت النبي الكريم طالبة ان يسمح لها بممارسة الزنا لانها كانت تعتاش عليه يوضح لنا كيفية اختلاط صورة ” الداعشي ” الذي امر الناس بالصلاة ويجلد من لا يؤديها ، ويصلب صبي لانه لم يصم رمضان ، ويمارس في نفس الوقت جهاد النكاح ، وزنا المحارم ، والتمتع بالغلمان ، ويسرق النفط ويستولي على اموال الآخرين وبيوتهم دون وجه حق كما حصل في مصادرة بيوت المسيحيين العراقيين بالموصل ، وسبي وبيع بنات ونساء الايزيديين في سوق النخاسة . بمعنى عودة البدوي لحياة الصعلكة والبداوة الحقيقية في ممارسة النهب والسلب والعدوان .
والعقلية البدوية التي رسختها كتب الدين التي استندت في فصولها على ما كتبه وروجه وعاظ السلاطين ، وليس الدين وقيمه ، وفتاوى من يسمون بـ ” علماء المسلمين ” من الوهابيين والسلفيين هي التي رسخت كل هذه المفاهيم البدوية المتخلفة داخل عقول محدودة التفكير ، وتحاول عكس الماضي السحيق يوم كان هناك غزو وسبي ونهب وسلب ، على الحاضر المتمدن حيث حقوق الانسان والتحضر الانساني والتطور التكنلوجي .
لذلك لم تجد التنظيمات الارهابية جوا سليما تعيش فيه سوى مناطق تعيش للان عقلية وتفكير البداوة الاولى . فقد نشأت وترعرت بعض النواتات الارهابية في جوها الملائم بين مناطق الفقر الجبلية في الجزائر ، وفي اجواء افغانستان نمت طلبان ، حيث الفقر والتخلف والامية ، وفي مدينة وزيرستان الباكستانية الحدودية لافغانستان . واستطاعت ان تعتاش على التمذهب الطائفي والتخلف البدوي والرغبة بعودة الماضي وحكم الاقلية الذي صنعه صدام حسين بين مدن غير متحضرة فكريا مثل الانبار حيث وجدت اجواء طائفية بدوية ساعدت على توفير الحضانة الملائمة لها ، لتنتشر في مناطق طائفية اخرى من العراق ذات الغالبية السنية التي شكلت اكثر من 95 بالمئة من رجال ” داعش ” وقياداتها الميدانية . لكن ” داعش ” لم يستطع سوى التسلل داخل المدن المتحضرة خاصة المدن المشتهرة بانتاج وصناعة النفط كمدن جنوب العراق ذات البعد الجغرافي والتاريخي الحضاري .
واستطاعت ان تلعب على وتر الخلاف القومي والطائفي باحتلال مدينة الرقة السورية ، وتمتد في البداية داخل مدن وفق الخلاف الطائفي الذي مهد لتمدد وجودها مع عوامل الهجمة الدولية الاستعمارية لغزو سوريا وتخريب نسيجها الاجتماعي والسياسي بفعل التدخل الخارجي والاموال السعودية والقطرية والخليجية وما تقدمه تركيا العثمانية من دعم لوجستي وممر آمن لكافة الجماعات الارهابية .
كذلك وجدت نفسها تعتاش بكل سهولة في بلد تتغلب فيه العلاقات البدوية كليبيا بعد ان سعى حلف الناتو ووفق فتوى مفتيه القرضاوي تقسيمها وتخريبها وتسليمها لقمة سائغة بيد تنظيم القاعدة الارهابي . لكنها وبحكم تحضر المدن التونسية بقيت بعيدا في جبل الشعانبي، والحدود الصحراوية بين تونس والجزائر وغيرها من البلدان . كذلك حدث الامر في مصر حيث لم يتعد حدود وجودها صحراء سيناء ومدينة العريش .
يبقى أمر واحد مضحك وهو ان الحقيقة قالها فقط نتنياهو عندما وصف ” داعش ” بـ ” جماعة التيوتا ” ، ومعهم كم قطعة سلاح تستطيع أي مجموعة من جيوش المنطقة هزيمتهم . لماذا اذن لا يحدث ذلك ؟ ، لكننا نجد الجواب سريعا عندما نعرف الجواب بكل سهولة وهو الموقف الامريكي الرافض لنهاية ” عصر داعش ” لان وجود ” داعش ” يخدم شركات السلاح ، وتهريب النفط ، وتقسيم المنطقة ومحو وجودها وحضاراتها وارثها الانساني . لذلك رد اوباما عندما سأل لماذا لم تضرب امريكا ارتال ” داعش ” وهي في طريقها الى الموصل؟ ، قال : لو فعلنا ذلك لما تنازل المالكي !!!!.
• ناشط في مجال مكافحة الارهاب
www.alsaymar.org
alsaymarnews@gmail.com