الرئيسية / مقالات / عراقيون من هذا الزمان… / هادي رجب الحافظ / 14

عراقيون من هذا الزمان… / هادي رجب الحافظ / 14

السيمر / الأربعاء 20 . 02 . 2019

رواء الجصاني

… وهو من القلائل الذين يُشهدَ لهم في عالمنا اليوم، بالعمل والعطاء دون أضواء. واسمه الكامل :هادي رجب حافظ، الناصري، من مدينة تكريت، قدمّ ما قدمَّ دون ان ينتظر او يريد ما يقابل من جهد ونضال، وفي ظروف بالغة الخطورة والتعقيد، خاصة وقد كانت متاحةٌ امامه مجالات رحبة عديدة، ولكنه لم يحنِ حتى اصبعاً، لأنه أختار قيماً نبيلة آمن بها، بل وأنهلّها لمن حوله..

   والرجل خريج كلية الشريعة/ قسم اللغة العربية، في النصف الثاني من الخمسينات الماضية، ثم ضابطا في خدمة الاحتياط ، وأستمر عسكريا حتى اعتقاله، وهو برتبة ملازم اول، بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 وهيمنة الزمر والشخصيات البعثية الفاشية، ورحِلّ من سجن رقم واحد، في معسكر الرشيد، الى سجن (نقرة السلمان) الصحراوي سئ الصيت، ضمن اقرانه الشيوعيين والديمقراطين، عسكريين ومدنيين في ما عرف بـ “قطار الموت” الشهير، في تموز 1963.. ثم يحكم عليه بالسجن اربع سنوات من قبل المجلس العرفي، ليعود – هادي رجب – بعد اطلاق سراحه، للنضال بصور واشكال عديدة من جديد، وحيث لا خلاص من طريق المبادئ والاهداف الوطنية..

  وبحكم صلات مصاهرة عائلية، تعارفنا في بغداد قليلا، وحتى اواخر السبعينات الماضية، حين تكثفت هجمة البعث الغادرة، ولجأنا اضطرارا الى الخارج، هو الى لبنان وسوريا، وانا الى براغ.. كلاً في مهام سياسية، وان اختلفت ظروفها. وقد كان هادي (ابو انتصار كما كان يكنى) من اوائل الواصلين الى كردستان العراق، حيث بداية انطلاقة تشكيلات الحزب الشيوعي العراقي المسلحة، ضد الكتاتورية والارهاب، وليتسلم هناك مسؤوليات مختلفة لعدة اعوام.

   ونلتقى خلال عقدي الثمانينات والتسعينات الاخيرة في دمشق الشام مرات ومرات، حين استقر هادي فيها لأزيد من عشرة اعوام، وحيث كنت ازورها بمهام واستراحات خلال تلك الفترة. وتتوطد الصداقة والعلاقة، بلقاءات ثنائية وعائلية وعامة، كثيرٌ منه بضيافته الكريمة، في شقته التي كانت دار ضيافة لاحبائه واصدقائه، وحتى غيرهم، وبكرمٍ يندر ان يتكرر كثيرا. اما مجالسه فهي تاريخ وثقافة واسماء ومواقع، وطيب نفس، وحلاوة روح، اشاعها بالطببعة لدى اسرته الصغيرة، زوجته الألقة الاصيلة: سعاد علاء الدين البياتي(1) وبناتهما الثلاث، وولديهما، الذين غرفوا ما غرفوا من وقيم الابوين، وتفوقوا تربية ودراسة (2) . وهنا اتوقف لأشهد على ولع الرجل، بالقراءة ووسع الاطلاع، منوهاً الى مكتبته المميزة الحافلة بالنوادر من المراجع والمؤلفات النفيسة والاثيرة، والتي لا بدّ وانها لعبت دورها ايضا في نشر التنوير وحب المعارف، والعلم والادب، لدى العائلة الـ “هادوية !”..

 ويتفرغ الرجل لنضال سياسي وطني جديد، في اللجنة القيادية للتجمع الديمقراطي العراقي (وسكرتيرها صالح مهدي دكلة) . والتقي معه في براغ هذه المرة – سريعا- وهو في طريقه لحضور مؤتمر “التجمع” التأسيسي، عام 1983 الذي انعقد في برلين الغربية (3). ثم يتجدد اللقاء في براغ مرة ثانية، التي جاءها اواسط الثمانينات، لبعض استراحة واستجمام، وكانت فرصة اخرى على طريق الصداقة الارحب والأوطد..

 ثم تنقلب الدنيا، مع اواخر الثمانينات، وتروح الانظمة “الاشتراكية” هباء منثورا، وتختلف المهام الوطنية والسياسية، وما بينها، وتتباين الرؤى واشكال العمل، ويستمر الرجل في المشاركة بما استطاع في العديد من الالتزامات، المسؤوليات، من اجل انهاء سلطة الارهاب والحروب، وبهدف احلال الديمقراطية والسلام. ويطول النضال وتتصعب الامور، وتختلف الظروف، فيضطر هادي، وعائلته، لطلب اللجوء السياسي في السويد، ليستقر – ولنقل يستريح نسبياً – بعد نحو نصف قرن من النضال والمنفي المتنقل، والملاحقات والعسف..

     وهناك، في السويد حيث يقيم الى اليوم، يستمر الرجل في تقديم ما يمكن: نشاطاتٍ سياسية وثقافية واجتماعية، وكتابات لافتة في مواقع الاعلام.. كما يواصل ادامة علاقات، ويؤسس أخرى، ويعرض خبرة وتاريخا عريقا، متميزا بشخصيته العراقية الصميمة، التي تحملت ما تحملت من اثقال ومتاعب .. اما هذه المحطات الموجزة، فليست سوى بعض وفاء، ومحاولة تحريض لهادي رجب حافظ الناصري، لكي يكتب للتاريخ وللأجيال بعض ما يختزنه من تجارب وسيـّر، وبخاصة وهو من بين تشكيلات الضباط الاحرار الذين قاموا بثورة / حركة الرابع عشر من تموز 1958 التي اسست لقيام الجمهورية الاولى في العراق.

     ——————————————– بــراغ : شباط 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عبد الامير عنوز، كُتبت جميعها دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، وتم نشرها في العديد من وسائل ومواقع الاعلام..

1/ والسيدة سعاد من عائلة وطنية عراقية معروفة بنضالها، فهي شقيقة الشهيد سعدون علاء الدين، وابنة المناضلة الشيوعية والنسوية زكية خيري، شقيقة الرائد الوطني العراقي، زكي خيري.

2/ البنات هـنَّ: شروق وندى وثريا، والابنان هما: منير وعلي.

3/ يبدو ان “التجمع” قد تفتت بعد رحيل عموده، ومؤسسه، وسكرتيره، المناضل صالح دكلة، في لندن عام 1998.

 

 

هادي رجب الحافظ

اترك تعليقاً