متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الأربعاء 27 . 01 . 2016 — حرّكت عاصفة الحرب السورية والعراقية وغيرها من الحروب الشرق أوسطية أمواجاً من البشر الهاربين من غزارة الأمطار الدموية. فاجتاحوا الدول الأوروبية، مثيرين جدلاً واسعاً عن عدم تحضر تلك البلاد لهذا النوع من”التسونامي” وتأثيره على ثقافتها وقيمها وهويتها.
بعضهم اعتبر ان تدفق اللاجئين غزو منظم واجتياح مبرمج ستكون له تداعيات مدمرة على مستقبل القارة العجوز… وان أوّل المتضررين ألمانيا التي شرعت أبوابها امام الهاربين من ويلات الحروب، مستقبلة مئات الآلآف منهم. في المقابل، رأى البعض الآخر أن الاندماج يلوح في الأفق، وأن زمن العولمة يتجسد على أرض هذه القارة.
حذّر مسؤولون أوروبيون عديدون من الخطر الكامن وراء موجات اللاجئين، وكيف يمكن أن تدمر الحضارة الأوروبية، لاسيما أن عدد طالبي اللجوء السوريين في أوروبا بلغ، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 428,735 بين نيسان 2011 وآب 2015، ويشكلون 10 في المئة فقط ممن فرّوا من الحرب، وتستضيف ألمانيا وصربيا 43 في المئة منهم.
من هؤلاء المسؤولين، الرئيس التشيكي ميلوس زيمان الذي ابدى اقتناعه بأن “بلاده تواجه غزوا منظما، وليس حركة لاجئين عفوية”. كذلك اعتبر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان أن “المهاجرين، ومعظمهم مسلمون وغير مسيحيين، اجتاحوا بلاده”. أما الزعيم الهولندي خيرت فيلدرز، فشبّه موجة اللاجئين بـ”الغزو الاسلامي”.
هذه المخاوف وغيرها دفعت برئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى الاعلان أن “لا شيء يدعو الى القلق، لأن نسبة اللاجئين والمهاجرين المتدفقين على أوروبا لن تتعدّى 0.11 في المئة من مجموع شعوب دول الإتحاد”. لكن السؤال: هل الواصلون الجدد قادرون على الاندماج في المجتمع الأوروبي؟ وأي مستقبل ينتظر تلك البلاد؟
على هامش المجتمع!
في موضوع اندماج اللاجئين في المجتمع الغربي، رأى الاعلامي العربي المقيم في المانيا أكثم سليمان ان “السؤال يثير اشكالية كبيرة تشغل أوروربا من عشرات الاعوام. ماذا يعني اندماج؟ هل هو دخول عالم العمل والدراسة؟ أم الاندماج في العادات والتقاليد القائمة او التعايش معها؟ هل يعني الاحتفاظ بالعادات القديمة؟ هذا الموضوع خطير، ويستخدم دائماً في الصراع بين اليمين المتطرف والجهات الأخرى”.
وقال: “هناك لاجئون اندمجوا، وهم موجودون في تلك المجتمعات من عشرات الاعوام. ثانياً، من ينظر نظرة ثقافية أعمق الى الأمور، يعرف ان ثقافة البحر الأبيض المتوسط، اكان في جنوبه ام شماله أم شرقه أم غربه، متشابهة، بخلاف ما يحاول بعضهم أن يظهره، كأن أوروبا تختلف عن العالم بكل شيء”.
ولفت الى ان “أوروبا بلاد التنوع، وليس مطروحا اليوم ان يحلق اللاجئ ذقنه، او ان ترتدي اللاجئة تنورة قصيرة. والمقتضى أن يحترم كل شخص حرية الآخر. أن يرى لاجئ في لباس الاوروبي أمرا غير اخلاقي، امر مرفوض أوروبياً”.
في رأي آخر، قال الخبير في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين المقيم في فرنسا أن “اللبناني هو الوحيد القادر على الاندماج في المجتمع الأوروبي، بخلاف الآخرين الذين لن يتمكنوا من الاندماج، حتى لو بقوا ألف عام. والدليل أنهم يعيشون في غيتو” في فرنسا، معظمهم لا يعملون ولا يجيدون لغة البلد. فكيف لهم أن يندمجوا في المجتمع؟ فهم يعيشون على هامشه، ويزداد الشرخ والتباعد بينهم وبين الفرنسيين أكثر فأكثر، يوما بعد يوم”.
من ملاك إلى شيطان
في رأي سليمان، “حاولت المانيا أن تظهر ثقافة الترحيب باللاجئين. الصورة صدقتها، لكنها ليست حقيقة. والكذبة انقلبت الى عكسها. فبينما كان يُنظر الى اللاجئ كملاك آت من حروب لا دخل له بها، وفي طليعتها حربا سوريا والعراق، بات يُنظر اليه اليوم على أنه شيطان متورط في كل شيء. فإما جاء متغطياً بصفة لاجئ وهو ارهابي، لاسيما بعد اعتداءات باريس، اما هو متحرش جنسي، متوحش مشرقي بعد احداث كولونيا. لقد جاء الى هنا بصفة لاجئ، لكنه مجرم من مولده”.
وقال: “يصل اللاجئ إلى المهجر خائفاً، مرتعباً، غير مصدّق أنه قام بكل تلك الرحلة ودخل البلاد. لذلك لن يقوم بجريمة في اليوم التالي. ومن يفعل ذلك، يكون آتيا بصفة لاجئ، لكنه منظم في اطار الجريمة المنظمة”. وتوقف عند حوادث كولونيا: “نعلم ان غالبية المتورطين هم من شمال افريقيا. ونعلم أن المتحرشين، لو اقدموا على فعلتهم في قراهم أو مدنهم أو محيطهم الثقافي، لكانوا مرشحين للانتقال الى العالم الآخر. ما حصل في كولونيا فشل أمني أوروبي، فشل في حضور الدولة. واللاجئون بشر، منهم السيىء، ومنهم الحسن”.
لكن ذلك لا يلغي ما تعيشه الدول الأوروبية منذ استقبالها اللاجئين. فقد بدأت السلطات في مختلف أنحاء أوروبا توزع مناشير مصوّرة تشرح للاجئين لماذا لا يجدر بهم الاعتداء على النساء مثلاً. كذلك نقلت صحيفة “دايلي مايل” البريطانية ان السلطات اتخذت قراراً بمنع المهاجرين من دخول مسبح تاريخي في ألمانيا، بعدما التقطت الكاميرات صوراً لمجموعة رجال يمارسون العادة السرية في حوض مياه ساخنة، ويتحرّشون جنسياً بالسيدات. وقد اعتبر نور الدين أن” 70 في المئة من الجرائم المرتبكة يقوم بها اشخاص من أصول مهاجرة”.
معمعة سياسية
لألمانيا النصيب الأكبر من الموجة التي اجتاحت أوروبا، مما يثير تساؤلا عن سبب فتح حدودها. وعلّق سليمان أن” المانيا الرسمية تعلن أنها اضطرت إلى فتح الحدود كما فعلت الصيف الماضي، كي تخفف الاعباء عن الدول الأوروبية المجاورة. وقد اتهمها البعض ان لديها اهدافا اقتصادية، كاستقدام قوى عاملة رخيصة، بينما رأى البعض الآخر ان هناك قراراً دولياً بوضع اللاجئين في بلد ما. فكانت المانيا المرشحة، باعتبار ان وضعها الاقتصادي مناسب”.
وأضاف: “في السياسة الالمانية، هناك تساؤل كبير: هل كان يجب ان نفعل ذلك بهذه الطريقة الفوضوية التي انتهت بنا الى عيش مخاوف امنية، بغض النظر عن شرعية هذه المخاوف واحقيتها؟”. وتدارك: “المانيا دخلت معمعة سياسية داخلية وخارجية. هل كانت تعلم ذلك؟ يصعب قياس الامر. هل كانت هناك طرق أخرى؟ يصعب الحكم. النتيجة واحدة، وهي انها دخلت المعمعة، واصبح هناك جدل سياسي داخلي، وجدل آخر بين الدول. ايهما اصح؟ التعامل الالماني مع اللاجئين ام التعامل الأميركي؟”
من جهته، اعتبر نور الدين أن “الموجة مدبرة”، قائلا: “ما حصل اجتياح منظم يقف وراءه (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان. لاحظنا أنه في اليوم التالي لبث صورة الطفل الكردي ايلان على الشاطئ التركي، كان هناك مليون مهاجر على أبواب أوروبا. فهل تلك مصادفة؟” واضاف: “هؤلاء يؤثرون على السياسة الداخلية. لكن ذلك لا يعني ان بوسعهم ايصال مرشحين، بل يزيدون من رصيد اليمين”.
بين العولمة والأسلمة
هل هناك خوف من تغيير وجه اوروبا؟ المشكلة، وفقا لسليمان، “ان الجانبين يكونان، في مثل هذه الحالة، في حالة خوف. الاوروبي يخشى تغيير وجه أوروبا، والمهاجر تغيير عاداته وتقاليده. لكن الوحيد الذي يتكلم عن اسلمة أوروبا هو اليمين المتطرف وعباقرة الحركات الاسلامية. وكل من عدا ذلك يعرف ان أوروبا ليست في طور الاسلمة، ولن تكون، بل تعيش العولمة”.
من جهته، رأى نور الدين ان “هناك اصطداما حضاريا في فرنسا. هناك سياسة لأسلمة أوروبا، والامن القومي الاوروبي مهدد”.
“أي نموذج نريد”؟
اذا كان نور الدين يتوقع “حرباً أهلية على المدى البعيد في أوروبا”، فإن سليمان لا يرى بالضرورة ان هناك مشكلة. لكن “ذلك لا يلغي أنه يمكن أن تصبح كذلك. وهذا الامر يتعلق بكيفية تعامل أوروبا مع اللاجئين، وكيفية تعامل اللاجئ مع موطنه الجديد. لنا تجربة عربية قديمة في أوروبا. هناك من وصل اليها من ايام توفيق الحكيم، وانتج كتباً، وهناك من جاء وباع المخدرات في الشوارع. ويبقى السؤال: أي نموذج نريد نحن؟”
النهار اللبنانية