الرئيسية / مقالات / الأشكالية بين المناضل الحقيقي والمصطنع

الأشكالية بين المناضل الحقيقي والمصطنع

د . ابراهيم الخزعلي

الثورة شيء تحمله في اعماقك وتموت من اجله .. وليس بالشيء الذي تحمله في فمك وتعيش على حسابه.)

  تشي جيفارا

شيء جميل ان تطرح الآراء بكل أرْيَحيّة واحترام متبادل ، ما دمنا نحن نمثل الشريحة المثقفة التي تناولتها في مقالي الموسوم ” العلاقة الجدلية بين السياسي والمثقف ” الذي حاولت ان أبيّن دور هذه الشريحة في المجتمع الأنساني ، وما يلعبه في رفع مستوى الوعي عند الفرد ومن ثم المجتمع ، حتى لا تكون الشريحة السياسية تتخبط في طروحاتها النظرية وممارساتها العملية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، لماذا نرى الدول الأوربية المتقدمة لا يوجد فيها خلل في إدارة شؤون الدولة ؟ وإن وجد ، فسرعان ما تتناوله الصحف ووسائل الأعلام ، وتسليط الضوء عليه حتى لا يكبر ويتضاعف ، وبالتالي تتعقد حلوله
وكل ذلك بفضل الوعي الجمعي الناضج عند المجتمع ، والذي يعود بالأساس الى العقول المفكرة من الشريحة المثقفة بالتعاون مع الدولة التي يدير شؤونها الساسة
أما ما يجري في مجتمعاتنا الشرق أوسطية إذا لم نتناول دول العالم الأخرى التي تعاني مثلما نعاني نحن من مآسي وويلات، فهي ليست بمعزل عن قوى الشر العالمي ، المتمثلة بالرأسمالية وجشعها ووحشيتها ، هذا من جانب ، ومن الجانب الآخر نحن نتحمل وبالخصوص الشريحة المثقفة والأخرى السياسية في عدم فاعليتها أو ضعف دورمسؤليتها ، والأخطر من كل هذا هو انحراف كلا الشريحتين
حين ينعدم عندهم الشعور بالمسؤلية ، ومن هنا تبدأ مسيرة الحياة الأجتماعية بالتعثر وبالتالي السقوط في الدرك الأسفل من المأساة    والمعاناة
أما بخصوص ما يجري في عراقنا الجريح ، فهو  ليس مسألة عفوية ووليدة الساعة ، أو متعلق بزيد أو عَمر أو طائفة أو حزب ، كما يتداوله العامة من الناس ، وانما العراق مبتلى لعدة أسباب منها ما يمتلكه من ثروات يسيل لها لعاب الوحوش الضارية المتمثلة بقوى الشر والعدوان والمستعمرين والطامعين بخيراتنا وعلى رأسها امريكا ، والسبب الآخر هو أهمية موقع العراق في الأستراتيجية الأمريكية ، أي أن أمريكا كلما نجحت في تحقيق أهدافها الأستراتيجة في العراق ، فإنها ضمنت تحقيق هيمنتها على المنطقة ككل ، ونقطة اخرى مهمة بالنسبة لأمريكا هو صفقة القرن التي أعدّ لها ترامب ، والتي تنهي القضية الفلسطينة تماما
وكما بيّنت في المقال الخراب والدمار الذي خلفتها لنا الحقبة الصدامية وحروبه الرعناء والعدوان الأمريكي الغاشم على العراق واحتلاله وصناعة داعش وجاحش من اذناب الجرذ المقبور وبهائم العربان السائبة والضالة . كل هذه الأسباب ادت الى ما نحن فيه من معاناة
ونأمل خيرا بعد مصادقة البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود كل القوات الأجنبية على الأراضي العراقية فكل الذي تقدم أعلاه كان جوابي علي مداخلة أحد القراء .

وفي اليوم التالي وجدت تعليقا آخر لذات الشخص الذي اوضحت

له أنفا وكان هذا هو تعليقه :

( في مقالك السابق كنت متحاملا كثيرا على الفتية المتظاهرين. في ساحات و ميادين. العراق ضد الطغمة السياسية و فسادها و تبديدها للمال العام
لا بل خوّنْتَ. كل المثقفين الذين. تعاطفوا مع شباب التظاهرات ولم تستهجنْ. جرائم السلطة بحق الفتية السلميين. و هم في الغالب من عرب الفرات الأوسط والجنوب الذين أفقرهم. جشع. و فساد وإستهتار النخبة السياسيّة. بالمال العام ) .

فأجبت على كلامهه : إنك اليوم إتهمتني  بقولك ، وهذا كلام خطير ، فأرجو ان توضح لي ذلك ، متى وأين وفي أي مقال؟

أنا انتظر منك الجواب ، فلم أر منه جوابا ، وكتبت له بعد يومين وكذلك لم يرد لي جوابا !

والآن وبعد أن طال انتظاري لجواب  منه يبين  سبب اتهامه لي  ظلماً وعدواناً ، والتقوّل عليَّ  بما لم أقله، فأقول له وللذين يريد ون أن يتكلموا بالنضاليات الخنفشارية ، وبالضوضاء والضجيج والتهريج ، يجب عليهم  ان يفهموا أولا ان الميادين النضالية انها ليست اصطبل خيل اوما يشبهها ،بل على المدعين بالنضال والوطنيات  يجب أن  يكون لهم  تأريخ مشرف ومعروف للجميع ، في الحقبة الصدامية المظلمة  بالذات، ومن بين السياط في الزنازين المرعبة وتحت اعواد المشانق ، والشيء الثاني ان يكون قد تعلم من تأريخه النضالي (إنْ وُجِدَ )،  الدروس والعبر والتجربة النضالية والرؤية الواضحة والدقيقة و الصائبة ، والتحلي بالخلق الرفيع والتواضع ، والتحليل العلمي  لما  يجري ويدور من حوله ، والحدس الملهم في القضايا الأنسانية المستجدة ، وكيفية التعامل معها بشكل مدروس من كل جوانبها ، وليس عشوائيا وانفعاليا .

والشيء الثالث والمهم  هو ان يمتلك المناضل الحقيقي ثقافة عالية ، عندما يريد ان يكون في الطليعة المتقدمة ،واهم شيء في الثقافة التي يمتلكها المناضل الحقيقي  هو الأسلوب المبدع والخلاق والمتميز في الطرح ، وبالشكل التنويري ، لا بالأسلوب السمج والمقرف للسمع والنفس، في التعامل مع الآخرين ، وكل هذا لا يتم بدون لغة راقية ورصينة ومؤثرة .

هذه المقدمة هي نصيحتي  لكل من يدعي النضاليات في الهرج والمرج.

نعود الى صلب الموضوع وهو اتهامه لي بغير حق ، ظلماً وعدوانا بقوله لي : (في مقالك السابق كنت متحاملاً كثيراً على الفتية

المتظاهرون. في ساحات و ميادين. العراق ضد الطغمة السياسية و فسادها و تبديدها للمال العام
لا بل خوّنْتَ. كل المثقفين الذين. تعاطفوا مع شباب التظاهرات ولم تستهجنْ. جرائم السلطة بحق الفتية السلميين. ) وانا  نقلتها هنا  أستنساخاً كما هي !

  فكتبت له متسائلا  (  هذا كلام خطير منك، فأرجو أن توضح لي ذلك ، متى وأين وفي اي مقال ؟ ) ولم أحصل على جواب منه ، وبعد يومين كتبت رسالة اخرى فلم يرد للأسف الشديد  ، والأن اقول ليس من اللائق لمن يتكلم بالنضال والقضايا الجماهيرية ، ان يسيء للآخرين ، بل يجب عليه أن يكون متزناً ومحترماَ وليس إنفعالياَ ، لأن هذا الأسلوب يُفقد الشخص احترامه من قِبَل الآخرين …

وكما قلت له في ردي الأول على تعليقه الذي قال فيه ( ليس لديّ ما أخفيهِ او أداري عليه بل أطرح قناعاتي بكل وضوح .) ، فأنا قلت  له : هذا شيء جميل والمفروض على كل مثقف ان يكون هكذا ، وكذلك ينبغي على المرء طرحه بشيء من التعقل والحكمة  وليس  تهورا وانفعاليا ، وغير مدروس أو غير دقيق ، وهذا ما تعلمته في حياتي ان اكون صادقاً وواضحاً في قول الحق ، فالأزدواجية هي من صفات المنافقين والمنتفعين والجبناء، وبسبب هذا المبدأ دفعت الثمن أربعة عقود من عمري ، وما زلت متغرباً هنا وهناك ولم أر اهلي واحبتي والطيبين إلاّ مرة واحدة .

 نعم كل ذلك أدفعه ثمن مبدئيتي واخلاقي التي تربيت عليها ، لا تأخذني في الحق لومة لائم .

وكذلك  أنا قلت  في ذات  الرد على تعليقه الأول (  فانا عندما اتكلم او اكتب بوعي ويقين ، بعد ان اكون واثقا من ذلك ، وغير متسرع فيما اطرحه ، لأني اتفحص وادقق في الأمور بعمق وروية وتأنّي ودراية وأدراك ، وقد تعلمت كل هذا من سيد البلغاء وامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وهويقول: (الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِه فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِه صِرْتَ فِي وَثَاقِه فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُن ذَهَبَكَ ووَرِقَك )  هذه هي اخلاقي وتربيتي ، فمن أين جاء بهذا الأتهام الزور لي ، بأنّي متحاملاً كثيرا على الفتية المتظاهرين في ساحات وميادين العراق ضد الطغمة  السياسية وفسادها ، وكما  إتهمني ظلما وعدوانا ، بأنّي خوّنت ( كل) المثقفين الذين تعاطفوا مع التظاهرات ، واتهمني كذلك بقوله اني لم أستهجن جرائم السلطة بحق الفتية السلميين !

اقول له بعد ان خرج عن  حدود اللياقة والذوق ، الذي لم أعهده منه من قبل ، وربما ذلك يعود لقصر مدة  معرفتنا وهي  في حديقة أخينا العزيز الأستاذ ماجد الغرباوي  ، فدفعني تصرفه هذا الى الشك والفضول في ان اتابع تعليقاته ، فوجدته  يدخل على كل مقال لا يتفق معه فيخاطب صاحبه لم كذا ؟ وبيّن لي كذا ، وكأنّه الرقيب والموظف الذي يِؤدّي واجبه مقابل ما يتقاضاه من أجور ، ولا يريد رأياً مخالفا لرأيه .

وبتحركه هذا وكأنه يدافع عن أهل الكهف ، أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم !

 فأقول، أنا وكل وطني وانسان شريف مع الحق وضد الفساد والفاسدين في السلطة كانوا او في الساحة وفي اي مكان آخر . وضد امريكا واسرائيل اللتين قتلتا البطلين الثائرين الشهيد الجنرال قاسم سليماني والشهيد البطل القائد ابو مهدي المهندس وعلى اراضينا واغتيالات كل  ثوار الامة وشرفائها  وهم لا يعدّون  ولا يُحصَوْن ،ويحتلّون  اراضينا في فلسطين والعراق  وضد كل الخونة والمندسين والمنافقين والمأجورين المتواجدين  في كل زمان ومكان ، وفي كل الثورات . فنرى الفضائيات  الخليجية  والأخرى المدفوعة الثمن والمشبوهة بعروضها المفبركة التي تثير الفتن ، ونباح كلابها  الصاخب والمدوي، والأقلام المأجورة وكتاباتها الهزيلة والمقززة ، والخنازير الألكترونية الصهيو-امريكية وما تقوم به من تحريك المجرمين القتلة المكشوفين والملثمين ، والأخرين  من ايتام صدام والخلايا النائمة الذين يتآمرون بالظل ، ودفع شذاذ الآفاق والمنحرفين من الكلاب السائبة للقتل والتتجاوز على الممتلكات العامة والخاصة لحرف الفتية السلميين الذين خرجوا من اجل حقوقهم المشروعة ، التي سلبتها منهم السلطة الفاسدة بكل اتجاهاتها ومذاهبها واصولها والوانها.

فعلى كل من يتناول مثل هذه المواضيع ،والتحدث بها يجب أن يكون مثقفا وبالمستوى المطلوب وذو ثقافة عالية وتجربة غنية ، لا كما يتناولها رواد المقاهي والناس البسطاء .

إقرؤأ تأريخ الأنبياء وثوراتهم  الأصلاحية على الظلم والحكام والقوى المهيمنة على رقاب الضعفاء في زمانهم ، والأنحرافات التي حصلت في صفوف  الذين وقفوا مع ثورات الأنبياء والمصلحين ، ومن ثم غرهم المال الذي باعوا انفسهم للقوى المتأمرة على الثورة ، أو من أجل الكراسي والعروش .

فهناك النبي  موسى وعيسى  عليهم السلام حتى عصرالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،  كان بعض ما يُسَمّون بالصحابة ، ولمآربهم وغاياتهم الدنيئة كانوا مندسين ومنافقين  ، وأنزل الله سورة المنافقين بحقهم.

فالساحة والفتية الذين تتحدّثَ عنهم  ليسوا  ملائكة الرحمن ، نعم هناك سلميين خرجوا من اجل حقوقهم المشروعة ، التي حرمتهم منها السلطة الحاكمة نتيجة فسادها وظلمها  والمنتفعين منها على إختلاف الوانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم ، وهذا لا يختلف عليه  اثنان .

وانا قد حذرت سابقا في احدى مقالاتي وفي بداية الأحداث ، وقلت على السلطات الحاكمة ان تلبي مطاليب الجماهير ، وكذلك حذرت الجماهير من الأنزلاق الى العنف والعنف المضاد .

وبما ان العراق مطلوب لأمريكا وقوى الشر العالمية الكبرى، إذن المشكلة هي أكبر مما هي في الساحة .

فالى جانب المتظاهرين السلميين ، هناك من دفعتهم الأيادي الخفية لحرفها عن مسيرتها الصحيحة لتكون مؤامرة على العراق .

وما شاهدناه من جريمة بشعة في محافظة ميسان ( العمارة )، وجريمة أخرى أبشع في ساحة الوثبة وكيف تم قتل الطفل الشهيد هيثم علي اسماعيل البطاط  علي ايدي أقذر خلق الله ، والجماهير الظالمة من حولهم يهللون ويكبرون من دون أدنى مستوى من الخلق الأنساني ، والرحمة، وكذلك  الجرائم الأخرى  التي يدفع ثمنها شعبنا المظلوم وعراقنا الجريح .

نعم .. عندما يكون هناك   خلل وانحراف في اي ثورة اينما كانت ومتى  فحتماً يتمخض عن ذلك أشياء جديدة   تنعكس على الشريحتين السياسية والشريحة المثقفة، فينحرف   ( البعض ) من هاتين الشريحتين، اما بسبب وجهات النظر التي يختلفون  عليها عن زملائهم ، وأما بسبب المال الحرام الذي يبيعون انفسهم وشعبهم للمتآمرين على الثورة أو الأنتفاضة  ، فمنهم مَن ينتصر في حرف الثورة والقضاء عليها كالذين تآمروا على ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة وهم كانوا من داخلها واوصلوا الثورة الى كارثة ومجزرة كبرى..

 (8 شباط الأسود ) الذي مازال يعاني  منه العراق لحد الآن .

ومثال آخر بعض من الذين أُعْتُبِروا من داخل الثورة الجماهيرية في إيران ،  ومن عناصرها وقياداتها إنحرفوا  عن مسارها ، ولكن الثورة  أقوى منهم ، وأكثر وعياً من غاياتهم ومآربهم ، فسقطوا وانتصرت  الثورة،  وهذا ما حصل للثورة في ايران عام 1979 وانتصارها وفرار خائن الثورة والجماهير ( شاهبور بختيار) .

فعلينا ان نتعلم وان لا نطلق التهم جزافا على الآخرين . وهذا مختصر الجواب والرد على الأتهامات الباطلة والظالمة .

اترك تعليقاً