المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية — إنه جرمي كوربن، سياسي بريطاني من حزب العمال، وعضو برلمان عن دائرة إزلينغتون الشمالية. يُعرف عنه مواقفه الإيجابية إتجاه القضايا العربية وعداؤه المعلن لسياسة “إسرائيل” والغرب تجاه فلسطين والدول العربية. وبدت تلك المواقف واضحة عبر تعهده بالاعتذار عن مشاركة بلاده في حرب العراق بقيادة رئيس الوزراء السابق توني بلير، إضافة أنه أعلن في أكثر من موقف تأيده لمشاركة حماس وحزب الله في عملية السلام في الشرق الأوسط.
إستطاع كوربن إنهاء إنتخابات رئاسة حزب العمال المعارض في بريطانيا لصالحه، وذلك بعد حسم النتيجة بـ 59.5٪ بفارق كبير عن أقرب منافسيه، ليخترق حاجز التصويت المطلوب للفوز من الجولة الأولى، وبتلك النتيجة إنتقل كوربن الذي كان يشغل نائب دائرة شمال إزلنغتون بلندن من المقاعد الخلفية في مجلس العموم التي قضى فيها 32 عاما إلى واجهة الحزب، حيث شكّل إنتخابه مفاجأة للكثيرين إذ حصل على المركز الأول في كافة مستويات التصويت في الحزب من حيث الأعضاء والمنتسبين الجدد.
لم يأخذ كوربن وقتًا طويلاً لإتخاذ أول القرارات، فبعد إعلان فوزه وسط أعضاء الحزب وبقية المرشحين بوسط لندن، أعلن عن المشاركة في مظاهرة لدعم اللاجئين التي دعت لها منظمات وحركات مختلفة منذ فترة. وأشار في كلمته الى أن “هؤلاء اللاجئين ضحايا وبشر مثلنا يبحثون عن ملاذ آمن، تلزمنا الإنسانية والتعاطف على مساعدتهم”، ذاكرًا أن “أزمة اللاجئين تلك ما هي إلا نتاج حروب لا تخدم الإنسان ولا ينبغي لبلاده أن تنخرط فيها”.
ركز زعيم حزب العمال خلال خطابه على انحيازه للفقراء والمهمشين، ودعم نظام الرفاه الاجتماعي في البلاد، بالإضافة لوحدة الحزب في المرحلة القادمة واستعداده للتعاون مع الجميع من أجل أن يتصدر الحزب مرة أخرى نتائج الانتخابات المختلفة في البلاد. مؤكدًا أن “أولى مهامه في مجلس العموم كقائد للمعارضة، ورئيس وزراء الظل هو مكافحة القانون الذي تحاول حكومة حزب المحافظين الحاكم تمريره”، حيث يراه كوربن مكبلا للنقابات العمالية. وتعد هذه النقابات عمودا فقريًا لحزب العمال وكانت إحدى الرافعات الأساسية لحملة جيرمي كوربن لرئاسة الحزب.
إضافةً لذلك، هاجم كوربن في خطابه وسائل الإعلام، معتبرًا “إنها استهدفته بشكل مسئ وخاطئ، واتهمها بأنها لم تدرك بعد تطلعات الأجيال الجديدة ولا كيف يسير العمل السياسي”.
كان لفوز كوربن برئاسة حزب العمال البريطاني ردود فعل كثيرة، منها ما قاله رئيس الحزب المستقيل إيد ميليباند، الذي أعلن احترامه للنتيجة وتأييده لكوربن، معتبرًا أن “الطفرة التي شهدها الحزب من حيث الأعضاء الذين انضموا حديثا ليشاركوا في انتخاب كوربن ينبغي أن تترجم إلى طفرة في نشاط الحزب وتحويل المنتسبين الجدد إلى أعضاء فاعلين”.
وكان حزب العمال قد شهد إقبالا كبيرًا على الالتحاق به كأعضاء جدد ومنتسبين، قبيل انتخابات رئاسة الحزب، وهي خطوة عزاها كثيرون لقدرة جيرمي كوربن وبرنامجه على جذب قطاعات شعبية وشبابية مختلفة للحزب أرادت أن تعزز حظوظه بالفوز برئاسة الحزب لأن انتخابات رئيس الحزب تتم بالاقتراع المباشر لكافة الأعضاء. ومن المنتسبين الجدد أستاذ علوم الحاسب بجامعة إدنبرة نابير الدكتور أحمد الدبعي، وهو من أصول يمنية الذي قال لـ”هافنغتون بوست عربي” إنه قرر الانضمام للحزب قبل الانتخابات لأن برنامج كوربن طموح وبه رؤية سياسية معتدلة جدا ويريد تحسين الاقتصاد البريطاني بعيدا عن التدخلات العسكرية الخارجية. وأشار الدبعي الى أن “فوز كوربن يعكس أن المزاج الشعبي العام في بريطانيا يتوق لتغيير جذري في البلاد بعيدا عن النمطية السياسية التي تحكم البلاد منذ عقدي السبعينات والثمانينات”.
وكان هناك مواقف مغايرة لكوربن جاءت من خصومه، إذ أعلن جيمي رييد وزير الصحة في حكومة الظل للعمال وأحد المعارضين بشدة لكوربن استقالته فور إعلان فوز هذا الأخير. كما أعلنت منافسته يفيت كوبر وغيرها من رموز حكومة الظل الحالية أنهم لن يشاركوا معه في حكومة الظل للمعارضة التي سيشكلها.
وطرحت أسئلة عديدة من المحللين تتعلق بمستقبل الحزب في ظل قيادته غير التقليدية الجديدة، وما إذا كان سيستطيع إحراز الفوز في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2020 وبالتالي تشكيل الحكومة وحكم البلاد أم أنه سيتجه بقوة ناحية اليسار تاركا منطقة الوسط السياسي ليتمدد فيها حزب المحافظين الحاكم ويتراجع العمال من المركز الثاني إلى الثالث؟
تُطرح هذه الأسئلة في ظل توجه البلاد إلى الانتخابات العامة بعد خمس سنوات، لكن خلال السنوات الخمس هناك عدة انتخابات ستعطي مؤشرًا على وضع الحزب. منها مثلا انتخاب عمدة لندن المقررة العام المقبل وقد فاز بترشيح الحزب النائب المسلم في مجلس العموم صادق خان، ليصبح المرشح الرسمي لحزب العمال في هذه الانتخابات.
وقد ذكر كوربن في خطاب فوزه، أنه يعتزم العمل مع خان في حملته ليعود العمال مرة أخرى لعمدية بلدية العاصمة البريطانية، بعد أن انتزعها منهم عمدة لندن الحالي وعضو حزب المحافظين بوريس جونسون عام 2008، وهناك أيضا الاستفتاء الذي تريد حكومة المحافظين إجراؤه منتصف العام المقبل حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ويعد العمال من أبرز الداعمين لاستمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد. كما أن هناك انتخابات البرلمان الاسكتلندي المقررة العام القادم أيضا، والتي ستتمخض عن حكومة محلية جديدة في اسكتلندا. وهي المنطقة التي مُني حزب العمال فيها بهزيمة منكرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولم يفز سوى نائب عمالي واحد من أكثر من خمسين دائرة انتخابية كانت تعد تاريخيا معقلا لحزب العمال.
الجدير ذكره أن تأثير إنتخاب كوربن لن ينحصر على الشأن الداخلي في بريطانيا، فقط بل سيمتد لسياستها الخارجية أيضا، فالشكوك تحوم على قرار بريطانيا المشاركة بضربات جوية ضد تنظيم “داعش” في سوريا، بعد أن أتى كوربن الذي يعتبر أحد أهم رموز تحالف “أوقفوا الحرب” لزعامة المعارضة. حيث من المقرر أن يخضع قرار المشاركة للتصويت بعد أيام في مجلس العموم البريطاني.
وتظهر التأثيرات الخارجية لإنتخاب كوربن، عبر ما تم نقله عن مصادر دبلوماسية “إسرائيلية”، التي أعلنت عن خيبة أملها بعد انتخاب أحد مناوئيها كزعيم لحزب العمال البريطاني المعارض. ووصفت صحيفة “معاريف” فوز “جيرمي كورين” كزعيم لحزب العمال المعارض بـ”الهزة الأرضية” كونه “من أصدقاء حماس وحزب الله” على حد قولها. الصحيفة العبرية التي نقلت عن “كوربن” قوله في مقابلة سابقة إن حماس وحزب الله من الأصدقاء، وأنه يتوجب إشراكهما في أي حل سياسي في الشرق الأوسط، الأمر الذي أُثار سخط “اسرائيل”.