متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية — أقر ستيف وورن المتحدث باسم التحالف الأمريكي العربي في سوريا بتراجع أداء حلف بلاده، واعتبر أن هذا الانكفاء لم يأت نتيجة لانتزاع روسيا زمام المبادرة جوا وأرضا.
ورغم ذلك، اعترف المسؤول العسكري الأمريكي ضمنا بأن الأشهر الثلاثة الماضية سجلت تراجعا في وتيرة ضربات التحالف ومواقف الدول المنخرطة فيه، لكنه أوضح أن ذلك ناجم عن جملة من العوامل، “باستثناء العامل الروسي”.
تصريحات المسؤول العسكري الأمريكي هذه، جاءت بالتزامن مع دعوات عادت من جديد لتصدر عن أوساط واسعة وشخصيات متنفذة في واشنطن، وتطالب أوباما بحظر جوي فوق سوريا، وإرسال قوات برية إلى هناك “للمشاركة في عملية مكافحة الإرهاب” وتأمين اللاجئين، على أن يكون التواجد البري الأمريكي محدودا في سوريا، وأوسع منه في العراق.
صحيفة The New York Times في تعليق بهذا الصدد، كتبت أن وزير الخارجية جون كيري بين مؤيدي الحظر والمتمسكين به إلى جانب لفيف من كبار المسؤولين المتنفذين في واشنطن، في حين يرفض أوباما هذا الطرح جملة وتفصيلا.
وفي هذا السياق، يشاع أن ادارة أوباما تدرس إمكانية إرسال قوات برية إلى بعض المناطق السورية لحماية اللاجئين. فإذا ما كان هذا البحث جادا واستطاعت واشنطن على خلفية التطورات الأخيرة القيام بمثل هذه الخطوة فعلا، فإن هدفها من وراء إرسال القوات سيقتصر على محاولة مشاركة روسيا شرف نصرها على الإرهاب، بعد التسليم باستيلائها الكامل على الميدان ومفاتيح الحل في سوريا.
كما يبدو من هذه المناشدات القديمة الجديدة وتوقيتها، فإن التصدع لم يطل تحالف واشنطن الدولي العربي فحسب، بل امتد ليصل إلى الأوساط الفاعلة في واشنطن، المتجاهلة أن روسيا رفضت بشكل قاطع منذ اندلاع الأزمة السورية منطق الحظر وعقلية المناطق العازلة، وأكدت أن هذه الدعوات لا تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة وتتعارض مع القانون الدولي. فكيف سيكون موقف موسكو اليوم إزاء ذلك وطائراتها تسيطر على الجو، وبحارتها يرابطون في المياه السورية؟
وتزامنا مع هذه النداءات والتخبط تصدح أنقرة من جهتها، وتهدد على لسان أردوغان بأنها ستضرب الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة إذا ما أصروا على حكم ذاتي في مناطقهم.
من وعيد أردوغان هذا يظهر مدى التناقض بين أطراف “التحالف الدولي العربي لمكافحة الإرهاب” في سوريا، فكيف لحلف كهذا أن يكافح الإرهاب وهو لم يحدد أهدافا مشتركة تجمعه. التحالف هذا، لا يزال طوال أكثر من عام يغير حسب تأكيده على مواقع “داعش” ومسلحيه، بينما تمدد الأخيرون حتى باتوا يحكمون أراض في سوريا والعراق تفوق مساحة بريطانيا العظمى.
ومن تهديد أردوغان يتضح كذلك أن المنظومة المعادية للنظام السوري والرافضة لأي حل بوجوده بدأت تقع في شر أعمالها. أليست هذه المنظومة هي التي أمعنت منذ البداية في تصنيف الإرهابيين والمسلحين بين أخيار وأشرار، أليست هي التي دربت وسلحت و”أهلت” من انقلبوا عليها والتحقوا بصفوف إرهابيين “أشرار”؟ وأين الأكراد إذا في هذا التصنيف، هل هم أخيار تؤيدهم أمريكا، أم أشرار ستستهدفهم تركيا العضو في “اتحاد واشنطن المناهض للإرهاب”؟
جوقة “المواجهة” في واشنطن واستمرارا منها في التغريد خارج السرب عادت من جهتها لتطالب بالمواجهة مع روسيا على الأرض السورية، ووضع حد لموسكو في “تماديها”. ويبدو أن الجوقة وكما جرت العادة، ستمارس الاحتيال مجددا على الرأي العام الأمريكي وعلى العالم، علها تفلح هذه المرة في إحراز أي تقدم قد يحفظ لها ماء وجوهها المتعددة.
اعتدنا منها طوال السنوات الـ15 الماضية على تبرير أي إخفاق في مواجهة روسيا أو أي بلد آخر، والتأكيد “أن واشنطن هي التي أرادت ذلك”، فهم يبثون ويروجون هذه “العبارات المجنحة” لتطير وتحط في عقول الكثيرين في أمريكا والعالم وتعشش بها.
هذه الجوقة، وحسبما تؤكده لحلفائها ومن تأتمنهم، هي التي تغاضت عن كل ما حدث في آسيا الوسطى، وهي أيضا التي “أتاحت لروسيا ما تفعله في سوريا”. جوقة تتيح كل شيء وفي أي مكان في العالم، ولكن، عندما تعجز عن تحقيق ما تريده فعلا. الأمر المدهش فيها وفي من يؤمن بأفكارها أنها تؤكد وبجدارة مصداقية ريائها، وإجابتها تكون جاهزة عن كل سؤال محرج حول إخفاق هنا ومهزلة هناك، بأن واشنطن هي التي أتاحت.
أما الواقع فيقول، إن الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها تتجسد في الأحداث الأخيرة على الساحة الدولية والتي تتوجت بالعملية الجوية الروسية لمكافحة الإرهاب في سوريا، دونما أي تمييز بين الإرهابيين إن كانوا أشرارا أم أخيارا.
ومما تقدم، واستنادا إلى التناقضات الظاهرة بين أطراف التحالف الأمريكي والعربي، وبين الأوساط الأمريكية المتنفذة والحاكمة في واشنطن، يتبادر السؤال، إذا سلمت الولايات المتحدة بالأمر، وأذعنت للواقع الدولي الجديد الذي يرتسم على الأرض السورية كما أكدت موسكو منذ البدايات الأولى للأزمة، فما الذي “ستتيحه” واشنطن لموسكو هذه المرة، وكيف سيبرر الجمهوريون وعلى رأسهم كلينتون وماكين إخفاق بلادهم الذريع؟ هل سيلقون بكامل اللوم على أوباما وإدارته ويحملونه مسؤولية أفول نجم القطب الواحد إلى غير رجعة، أم أنهم سيعترفون ببطلان نظرية “استثنائية الأمة الأمريكية” التي طرحها أوباما عينه، ويتعايشون مع عالم جديد تحكمه المواثيق الدولية وحقوق الدول والشعوب في تقرير المصير؟
روسيا اليوم