الأحد 22 . 11 . 2015
محمد ضياء عيسى العقابي
“للحماقة في الغرب أكثر الأحبة” … هذا قول لأحد السياسيين البريطانيين في مقالة له في صحيفة “الغارديان” وهو يعقّب على مواقف الدول الغربية حيال سوريا والإرهاب بمناسبة حصول الهجمات الإرهابية في باريس التي راح ضحيتها (132) شهيداً و(349) مصاباً حسبما نقلت فضائية “الميادين” بتأريخ 17/11/2015.
نعم… اللعب بالنار والمجازفة والعبث بحياة ومصالح الناس ليست بالممارسات الجديدة على الحكومات الغربية الإمبريالية بل مارستها منذ قرن تقريباً وعلى طول الخط بسبب إحتياج تلك الحكومات لأمثال هذه الممارسات لأنها تمثل علاجاً، ولو آنياً، لرأسماليتهم المأزومة بطبيعتها كنظام إقتصادي – إجتماعي أنتج الإمبريالية؛ ووصف تلك الرأسمالية بابا الفاتيكان الحالي بـ “المتوحشة”(1).
جازفت هذه الحكومات الغربية بالسماح (على أقل تقدير) بتأسيس المنظمات الإرهابية على الأرض السورية وقبلها العراقية، وفي الوقت المناسب “تطوعت” لمحاربة داعش في سوريا والعراق ولكنها، الحكومات، إتخذت من داعش غطاءً لمحاولة فرض تغييرات سياسية لصالحهم ولصالح إسرائيل في كل من سوريا والعراق.
في خضم هذا الجو العبثي واللعب بالنار إستطاع الإرهاب من تمكين نفسه في تلك الدول الغربية ومنها فرنسا وإستطاع القيام بأعمال إرهابية مدوّية تلائم حساباته خاصة عندما يتعرض لهزائم في العراق وسوريا، على يد الحكومتين، تطيح بالهالة التي رسمها لنفسه وضخمها الإعلام الغربي لأغراض تكتيكية، فيلجأ الى تداركها.
وهكذا جاءت ضربات باريس الموجعة على يد داعش الذي أثار الرأي العام في أوربا الغربية وأمريكا فاندفعت الجماهير تطالب بالكف عن العبث واللعب بالنار فقد قال لسان حالهم “وصلتنا النار فكفى عبثاً وتعاونوا مع الحكومة السورية الشرعية المعادية للإرهاب ومع روسيا والعراق وإيران، وإبتعدوا عن إرهاب السعودية الوهابية وأردوغان العثماني الجديد وقطر الطيارة الصغيرة المسيَّرة”.
قلتُ هذه ليست أول مرة يعبث بها الإمبرياليون ويسببون الويلات لشعوب الأرض الفقيرة وسرعان ما تنتقل الى شعوبهم.
عند صعود هتلر والنازية والفاشية في أوربا قبل إندلاع الحرب العالمية الثانية، ذلك الصعود الذي ساهم الغرب نفسه في تدعيمه بغضه النظر عن معاهدات الإستسلام في الحرب العالمية الأولى التي حرّمت تسلّح ألمانيا ثانية ووضعت شروطاً قاسية؛ لكن هتلر تمكن من إعادة تسليح ألمانيا تحت أنظار المفتشين الدوليين – ألحَّ الإتحاد السوفييتي وستالين ووزير خارجيته مولوتوف على عقد تحالف بين الغرب وبينهم لمواجهة الخطر. عبث الغرب ورفض وهادن هتلر وعقد معاهدة ميونيخ وعاد تشمبرلن الى لندن ملوحاً بورقة االمعاهدة مع هتلر على أنها صك السلام. كانت الخطة تقضي بدفع هتلر الى مهاجمة الإتحاد السوفييتي وعندما يستنزف الطرفان أحدهما الآخر ينقضّ الغرب عليهما ليطيح بالنازية والشيوعية في آن واحد. هذا ليس تحليلي بل هو تحليل، وربما معلومات، ونستون تشرتشل نفسه في كتاب له حول الموضوع. يقول تشرتشل أنه لم يسمع أحدً تحذيراته من كون هذه اللعبة خطرة وسترتد على الغرب قبل حصول التصوّر؛ فإنعزل وظن أنها نهايته السياسية فراح يبني بركة سباحة في داره الريفي ليمضي وقته.
على عكسهم راح هتلر وعقد معاهدة عدم إعتداء مع الإتحاد السوفييتي (سميت بمعاهدة مولوتوف – روبنثروب) ليهاجم بعدها وبعد معاهدة ميونيخ بقليل، بولونيا ويحتلها بعد تشيكوسلوفاكيا التي احتلها قبل ذلك.
هنا شعرت شعوب الغرب بالخطر النازي الداهم فثارت ثائرتها واستقالت حكومة تشمبرلن وشكّل تشرتشل حكومة جديدة أعلنت الحرب على ألمانيا.
وهكذا إشتعلت الحرب العالمية الثانية التي حصدت عشرات الملايين من الأرواح البريئة نتيجة عبث الحكومات الغربية الإمبريالية التي لم تتعض وكررت اللعبة مرات عديدة لاحقة ومنها الآن وما يجري حيال داعش وجبهة النصرة والإرهاب عموماً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): يتوجب التمييز بين الرأسمالية التي بلغت ذروتها في التطور وإستحالت الى حالة الإمبريالية التي عُرّفت في مستهل القرن الماضي من قبل لينين بـ “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” – وبين الرأسماليات الناشئة في العالم الثالث وفي دول البريكس.