المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الجمعة 13 . 05 . 2016
عصام عوني
جزئية من جزئيات سقوط العراق المغيبة عمداً ومن قاتل المحتل ومن كان أول المستسلمين، وعلى من يقع الظلم دائماً ومن الذي يستحق هذه الأرض، والاختيار بين الالتحاق بمن يقاوم أو بالانضمام لداعش والنصرة والمتفرعات الجهادية الشاذة ذات البنادق الصهيوأميركية أو الرحيل، ومن صاحب الحق الذي يخجل به أو قول الأشياء بمسمياتها دون الخوف والرعب من عواقب الردات الإنفعالية الجاهلية والسخيفة، والغير مبررة واللامعقولة!
يقول السفير الروسي السابق في بغداد فلاديمير تيتورينكو أن العراق لم يكن مستعداً لمواجهة الغزو الأميركي للبلاد، وأن القيادات العراقية كانت تتحدث عن ستالينغراد اذا ما فكر الأميركيون الاقتراب من عرين صدام دون امتلاك أي مقومات الصمود، ويضيف تجولت في مناطق عدة ولم ألمس أن الجيش العراقي مستعد للتصدي أو لحرب متوقعة بين ليلة وضحاها..
ويتابع تيتورينكو كنت في لقاءات متكررة أصر على طارق عزيز صاحب النفوذ الأقوى لدى صدام حسين، أن يوصل النصائح الروسية الى صدام كما هي دون الاضافة عليها أو حجب بعضها مما أثار غضب عزيز في احدى هذه اللقائات قائلاً هل تعتقد أنني خائن؟
يتعمق سعادة السفير الروسي السابق والديبلوماسي المخضرم في الحديث عن خفايا ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق، مؤكداً أن صدام حسين ومن خلال آخر لقاء بيننا كان قد وافق على المقترحات الروسية لدرء خطر وويلات الحرب وانقاذ ما يمكن انقاذه وأن صدام وللمرة الأولى خرج ليودعني وهذا لم يحدث سابقاً، ويضيف كان صدام صامتاً أثناء الاجتماع وكانت تبدو عليه علامات الضعف والوهن وكأنه مرتعب من القادم إليه لكنه كالغير مصدق..
قبل أسبوع من العدوان الأميركي خرج السفير الروسي في جولة ميدانية ومن ثم عاد بعض القيادات العراقية متسائلاً ماذا حضرتم لمواجهة العدوان؟ وكان اللقاء مع سلطان هاشم وهو جنرال كبير ومن المقربين والأوفياء لصدام ومن الشخصيات العراقية المحترمة والراقية كما يقول السفير الروسي، فأجابه هاشم ما حضرناه مفاجئة ومن أسرار الدولة ليرد عليه السفير هل تقصد تفجير المناطق النفطية التالية والألغام المزروعة في المنطقة كذا وكذا وكذا ليصاب هاشم بالذهول، فيطمئنه السفير الروسي أنه على علم بذلك ويختم اللقاء بسؤال هل بهذا فقط وماذا عن الطيران والصواريخ وباقي الأسلحة ليتلعثم هاشم!؟
استمرت لقائات تيتورينكو مع المسؤولين العراقيين لآخر ساعة ما قبل العدوان، ولم يلحظ السفير ما يدل على جهوزية ولو من باب المكابرة أو حتى استعراض القوة فكل ما رآه يدل أن لا شيء قادم على العراق وأن الأمور جيدة والحياة طبيعية..
يلتقي السفير مجدداً مع طارق عزيز واذ به يتحدث بلغة متعالية ويستمر الحوار ويواصل عزيز طمئنة السفير وأن كل المقترحات الروسية وصلت لصدام، لكن السفير كان يعلم أن طارق عزيز يحرف كل ما ترسله روسيا ولا يصل صدام حسين إلا ما يرد عزيز ايصاله عكس مدير مكتب صدام الذي كان أميناً جداً بايصال كل النصائح الروسية، وفي ختام اللقاء قال عزيز اذا دخل الأميركان الى بغداد لدي هذا المسدس سأطلق رصاصةً على رأسي ولن أخضع لهم ولن أستسلم، وكلنا في العراق سنقاتل المحتل كرجل واحد..
تسارعت الأحداث والتطورات وبدأت الحرب واذ بالمواقع والمقرات والمدن والقرى تتساقط تباعاً دون أي مقاومة تذكر حتى أن المفاجئات التي تحدث عنها العراقيون لم تنفذ ولم يتم تفجير أي مما كان مقررا تفجيره لمنع الغزاة من التقدم، وتفسير ذلك وفقاً لمعلومات السفير الروسي أن ما يزيد على خمسين ضابطاً كبيراً من قيادات صدام كانوا عملاء للأميركيين وأنهم أعطوا الأوامر للقوات الخاضعة تحت إمرتهم بترك الميدان والعودة للبيوت، وما أن اقتربت القوات الغازية لأطراف بغداد حتى شوهدت طائرة نقل عسكرية أميركية تحلق على علو منخفض ولاحقاُ تبين أنها نقلت كبار الجنرالات الخونة لخارج العراق بعد أن أدوا المهمات القذرة..
يومان على اعلان سقوط بغداد ولم يبقى فيها سوا السفير الروسي والكادر الديبلوماسي والسفير الكوبي وسفير الفاتيكان ورئيس مكتب السفارة السورية في حين غادر كل الديبلوماسيون بغداد، وكان السفير الروسي قد زار السفير الكوبي متسائلاً عن سر البقاء في بغداد وقد حاول السفير الكوبي تبرير ذلك بالغير مقنع مما اضطر السفير الروسي القول له نحن نعلم عن خطة انقاذ صدام حسين، وكان المخطط أن يتم نقل صدام تحت غطاء السفارة الكوبية برعاية سورية وتخطيطها لكن صدام كان قد اختفى وانقطعت كل الاتصالات به، وأحد وزرائه أوصل رسالة أن صدام يقول ليس الآن ما زال الوقت مبكراً على المغادرة..
اذاً شارفت الحرب على النهاية ولم يقاتل الجيش العراقي قتالاً حقيقياً إلا في الفلوجة وكان فيها فرقتين هذا ما عزز صمودها، في حين لم يقاتل باقي الجيش وبكل تشكيلاته والذي قاتل فعلاُ قوات الغزو والاحتلال هم ما فوق الأربعون عاماً أي المتقاعدون العسكريون وكان القتال دفاعاً عن العراق وليس عن صدام، وغالبية هؤلاء كانوا شيعة نعم شيعة وقد أظهروا بسالة منقطعة النظير في الدفاع عن بلدهم في حين معظم المقربين من صدام وجيشه وأقربائه وغالبية العشائر السنية ألقوا السلاح وأول من استسلم كان طارق عزيز، واليوم فهمنا لماذا بصق بوجهه شقيق صدام أثناء المحاكمات!
طالما ظلموا الشيعة في هذه المنطقة وطالما اتهمتهم الأنظمة بالعمالة وكلما وقعت الحروب والمصائب كان الشيعة رأس الحربة في الدفاع عن الأوطان والأعراض وكل الناس، والتاريخ يسجل عشرات ألوف الشهداء الشيعة على مدى سنوات الحروب العربية لكن أن يقال ذلك علناً ممنوع، والكل يخاف وصمة الطائفية والتهمة دائماً حاضرة تريدون تشييع الناس وهذا ظلم كبير حتى أن أهل المظلومية أنفسهم لا يجرؤون على قول الحقيقة وهذا ظلم أكبر فإلى متى يحظر علينا قول الحقيقة؟
إن الأحداث الأخيرة أثبتت بما لا يقبل الشك أن الشيعة هم من وقفوا مع بلادهم ضد الغزوات الأجنبية والتكفيرية على حد سواء ولا يحملون أحد منية ذلك، وأنهم قدموا ويقدمون خيرة شبابهم في سبيل درء الخطر عن أهلهم وأبناء وطنهم في حين ينشغل السنة وللأسف بالتآمر أو الالتحاق بالارهابيين كحال رجالات صدام حسين وأقربائه وغالبية العشائر السنية، ومن لم يلتحق يواصل عمالته وتآمره من قطر ولندن وكاليفورنيا وتل أبيب!
ربما سيفهم الكلام في غير سياقه وربما سنتهم بالطائفية لكننا نصر أن نسمي الأشياء بمسمياتها فلم يعد مقبولاً سرقة نصر من يستحقوه وتجييره لمن لا يستحقوه، وختاماً نصيحة للعرب وخاصة أهل السنة كما يحبون تسمية أنفسهم.. ها هو الجيش العربي السوري على رأسه سنة سورية وكل مكونات سوريا يدافعون عن سورية ببسالة، لأن هذا الجيش تأسس على المواطنة وقدسية الوطن ومن يكبر على حب الوطن لا يسقط أبداً في أتون الطائفية وينتصر.. وشيعة العراق كذلك لكنهم منعوا من التعبير عن حبهم واخلاصهم للعراق فكانت الكوارث وما زالت، ولا تولد الأحقاد إلا الأحقاد ولكم في جبن صدام وعمالة عزيز وخيانة رجالات العراق عبرة يا خير أمة!
بانوراما الشرق الاوسط