السيمر / الجمعة 15 . 07 . 2016
نــــــــزار حيدر
اولاً؛ الانقلابُ العسكري نتاجُ حركة دبّابةٍ في الظّلام، منتصف الليل، والنَّاسُ نيامٌ، امّا الثورة فنتاجُ حركة شعب، مجتمع، في وضح النّهار.
ثانياً؛ ولذلك فالانقلابُ العسكري يغيّر السّلطة، امّا الثورة فتغيّر المجتمع.
ثالثاً؛ قائد الانقلاب العسكري هو قائد اوّل دبّابة تقتحم القصر او دار الإذاعة، انّهُ اكثر المتهوّرين، امّا الثّورة فقائدها ينبثق من رحم المجتمع، زعماء حقيقيون ومفكرون وثوّار شجعان.
رابعاً؛ في العراق ابتُلينا بالانقلابات العسكريّة منذ اوّل انقلاب قاده بكر صدقي في عام ١٩٣٦ ولغاية آخر انقلاب قادهُ الطّاغية الذليل صدّام حسين وعصابتهُ المجرمة في ١٧ تموز عام ١٩٦٨.
ولم يجنِ الشعب العراقي من لعبة الانقلابات العسكرّية (السرقات المسلّحة) الا الدّماء والدّمار والتخلّف والتبعيّة على الرّغم من كل الشّعارات الانسانيّة والوطنيّة الخلّاقة والخلّابة التي رفعها الانقلابيون دائماً وفي كل مرّة.
خامساً؛ مشكلتنا في العراق ان التأسيس كان اعوجاً اعتمد قيم غير إنسانيّة وغير وطنيّة، فعندما تأسّست الدّولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ اعتمدت الثّلاثي المشؤوم الذي اتّفق عليه الثُّنائي (كوكس – النقيب) الا وهو ان يكون النّظام [عربي (عنصري) سنّي (طائفي) عسكري] وللاسف الشّديد فانّ كل المتغيّرات التي شهدها العراق منذ ذلك العام ولغاية تاريخ سقوط نظام الطّاغية الذّليل في التّاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ أبقت على هذا الثّلاثي بل كرَّستهُ وأمعنت في تكريسهِ خاصَّةً خلال حكم الطّاغية الذليل الذي دام (٢٤) عاما شهِد خلالها العراق حروباً عبثيّةً فرضتها السّلطة على العراقييّن تارةً كحروبٍ داخليّةٍ او مع الجيران واخيراً مع المجتمع الدّولي حتّى تعرّض العراق لغزوٍ عسكريٍّ خارجي هو الثّالث من نوعهِ منذ تأسيس الدّولة العراقية!.
سادساً؛ في عام ٢٠٠٣ تغيّرت اللّعبة وانتهت الثّلاثيّة المشؤومة، ومع ذلك فلقد فَشَلَ العراقيّون في بناء النّظام السّياسي الجديد الذي يقوم على أساس القيم الانسانيّة والوطنيّة، وذلك برأيي للأَسباب التّالية؛
١/ فشل الشّيعة، وهم الاغلبيّة، في تجاوز الماضي، عقدة المظلومية التاريخية، ولذلك فشلوا في تغيير عقليّتهم من عقليّة المعارضة والثوريّات والعنتريّات الى عقليّة الدّولة والحكم والسّلطة.
٢/ فشل السُّنّة، وهم الأقليّة الثّانية في العراق، في تجاوز الماضي كذلك، عقدة السّلطة التّاريخيّة والحكم الموروث، ولذلك فشلوا في التّعايش مع الواقع الجديد ليتعاونوا مع بقية الشّركاء في الوطن لبناء دولة حديثة وعصريّة تعتمد النّظام الديمقراطي البرلماني التعدّدي، اذا بهم يلجأون حتى الى الارهاب فيضعون أيديهم بأيدي الارهابيّين بدوافع طائفيّة في مسعىً منهم لاعادة السّلطة التّاريخيّة بدلاً من ان يضعوا أيديهم بيد المظلومين من الشّركاء الحقيقيّين.
٣/ فشل الكُرد كذلك في تجاوز الماضي، عقدة المظلوميّة التاريخيّة التي اعتمدت التّمييز العنصري الذي مارستهُ ضدّهم الأنظمة التي تعاقبت على الحكمِ في العراق منذ التّأسيس ولغاية التغيير في عام ٢٠٠٣.
هذا الفشل هو الذي ظل يُبعدهم عن العراق بشكلٍ او بآخر، حتى بدأت آثارهُ السلبيّة تتّسع وتكبر اليوم عندما انقسم الإقليم الى إقليمَين وتعطّلت العمليّة السّياسية برمّتها وتوقّفت الحياة البرلمانيّة وتحوّل النّظام في الإقليم الى ملكي بلا ملكٌ متوَّج.
٤/ ولانّ الذين خَلفوا الطّاغية الذليل صدّام حسين في السّلطة جاؤوا من الخارج، كونَهم كانوا معارضة مُهاجرة او مهجَّرة متوزّعة في مختلف الدّول بسبب طبيعة النظام الديكتاتوري البوليسي الشّمولي، ولذلك استحضروا معهم الى بغداد بعد التّغيير كل التّأثيرات الإقليميّة والدوليّة، الامر الذي اغتال القرار الوطني والحسّ الوطني بدرجةٍ كبيرةٍ، اذا بكلّ صراعاتهم على السّلطة والنّفوذ هي انعكاس للصّراعات الإقليميّة والدوليّة في العراق، ليس بين المكوّنات الثّلاثة فحسب، وانّما حتّى داخل المكوّن الواحد، وانّ صراع النّفوذ بين أَربيل والسُّليمانيّة نموذجٌ شاهدٌ وحيّ على ذلك.
سابعاً؛ ان العِبرة ليست في اللحظة التاريخيّة التي تشهد التّغيير، مهما كان لونهُ ونوعهُ وأدواتهُ، وانّما فيما بعد اللحظة التاريخيّة، فالشّعوب والمجتمعات الناجحة هي التي توظّف لحظة التغيير التاريخي لمستقبلٍ أفضل اذا كانت تمتلك رجالاً من طراز خاص يعرفون كيف يتعايشون فيما بينهم لخدمةِ البلد وإعادة بناء نظامهِ السّياسي بطريقةٍ جديدةٍ، ويعرفون كيف يُديرون مشاكلهم لتصبّ في الصّالح العام بدلاً من ان تتحوّل الى قنابلَ موقوتةٍ وألغامٍ مزروعةٍ في جسدِ المجتمع.
امّا اذا ابتُلي المجتمع بعد اللحظة التاريخيّة بزعماء عنصريّون طائفيّون حزبيّون عشائريّون فاشلون أنانيّون ليس في جباههِم قطرةٌ من غيرَةٍ على الوطن والمواطن، فعلى البلاد والعباد السّلام، وهذا ما ابتُلي به العراق منذ التّأسيس ولحدّ الآن بمقدارٍ او بآخر
ثامناً؛ التّغيير التاريخي عمليّة تراكُميّة خاصةً اذا أُريد مِنْهُ تغيير المنظومة الاجتماعيّة والثّقافيّة والسياسيّة، وانَّ مَن يتصوّر انّ التّغيير يتحقّق فُجأة! فسيطولُ انتظارهُ من دونِ ان يلمسَ شيئاً مِنْهُ، وفي تاريخِ وتجاربِ الشّعوب والأُمم على مرِّ التّاريخ خيرُ درسٍ وعبرةٍ.
خُلاصة الموضوع، انّنا بحاجةٍ الى ثورةٍ شاملةٍ تغيّر العقليّة بعد ان ثبُتَ لنا جميعاً ولعدّة أَجيالٍ، انّ المشكلة ليست في ثورة او انقلابٍ عسكريٍّ يغيّر الأسماء والأزياء والهويّات الايديولوجيّة والخلفيّات السياسيّة! فكلّ ذلك بمثابة القشور امّا الجوهر فالعّقلية وطريقة التّفكير التي لم يتغيّر منها شيئاً للآن!.