أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / أسباب بارزة لفشل الانقلاب العسكري في تركيا

أسباب بارزة لفشل الانقلاب العسكري في تركيا

متابعة السيمر / السبت 16 . 07 . 2016 — ساعات دراماتيكية عاشتها تركيا ليل أمس، إطلاق نار في عدة اماكن في البلاد، طائرات حربية وطائرات هليكوبتر حلقت في الأجواء، ضباط حاولوا السيطرة على رئاسة الأركان، لتّضح الصورة خلال وقت قصير، بأنها محاولة انقلاب عسكري على السلطة السياسية، الجيش سارع الى اصدار بيان معلناً توليه السلطة، فرض الأحكام العرفية، وحظر التجول في أنحاء البلاد.لكن الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان قلب الموازين باطلالة من شاشة هاتف على الجماهير، دعاهم فيها للنزول إلى الميادين والمطارات ‫‏رفضاً‬ للانقلاب، فما كان منهم الا أن لبّوا النداء وواجهوا الدبابات بصدورهم.
هي محاولة انقلاب “غبية قامت بها مجموعة صغيرة متمردة في الجيش”، بحسب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الذي اعلن فشلها واستعادة السيطرة على الأمن في البلاد خلال ساعات، في حين اعتبرها اردوغان “خيانة” متوعداً “الخونة” بدفع الثمن وتطهير الجيش من الإرهابيين والإرهاب.‏ المعارضة التركية أعلنت وقوفها الى جانب حزب حكومة العدالة والتنمية، وكذلك اكد رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان، رفض جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان للانقلاب.
محاولة الانقلاب نفذتها قوات من سلاح الجو وبعض قوات الأمن وعناصر من القوات المدرعة، بحسب رئيس هيئة الأركان العامة التركية بالإنابة، الجنرال أوميت دوندار، الذي اعلن في حديث مع صحافيين انه “تم إلقاء القبض على 1563 جنديا وضابطا شاركوا في عملية الانقلاب”.
ليس الانقلاب الاول الذي تشهده تركيا، فقبلها شهدت اربعة انقلابات ثلاثة منها مباشرة في الاعوام 1960، 1971، 1980، وانقلاب غير مباشر في العام 1997 عندما تم توجيه انذار الىرئيس الوزراء نجم الدين أربكان فاستقال بعد اشهر معدودة. وهذه المرة “كانت هناك احاديث في الوسط السياسي والاعلامي عن تحرك للجيش في المدى القريب” بحسب الباحث في شؤون الشرق الأوسط ميشال نوفل، بل كما قال ان “المؤسسة العسكرية التركية قياساً على تجارب الانقلابات السابقة، عندما ترى او تعتبر ان الوضع الأمني والنظام العلماني مهدّدان، تقوم بانقلاب لتعيد الامور الى نصابها وتعاود الانسحاب الى الثكنات، لكن ما حصل في الامس اختلف عن المرات السابقة، هناك استياء بسبب تدهور الوضع الامني نتيجة الحرب السورية والعمليات التي قام بها داعش داخل تركيا، لا سيما عملية المطار التي شكلت صدمة كبيرة لدى الرأي العام، وطريقة حكم اردوغان الذي يحاول ان يكون الحاكم الاوحد والسلطان، والذي يسعى الى قيام نظام رئاسي”،ولفت إلى أنّ “السياق مسؤول عنه اردوغان الى حد بعيد، لكن المسؤولية مشتركة مع المعارضة والاحزاب الاخرى التي تكاد تكون عاجزة”.
موجة امتعاض واعتراض
كما اعتبر الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين اسباب الانقلاب “موجة امتعاض واعتراض على سياسات اردوغان الداخلية والخارجية، التي تتعارض مع الموقف التقليدي للمؤسسة العسكرية”. ولفت إلى أنه “فيما يتعلق بالخارج لم تنتج سياسة اردوغان في سوريا سوى تعزيز الخطر الارهابي داخل تركيا،ونشوء كيان كردي يشكل خطراً على أمنها القومي، وهذا يتعارض مع استراتيجية المؤسسة العسكرية التركية للامن القومي. اما في الداخل فهناك محاولات لتغيير طبيعة الدولة العلمانية باتجاه ان تكون اقل علمانية واكثر دينية، وهذا لا يناسب نظرة المؤسسة العسكرية كونها تقليدياً حارسة للعلمنة في البلاد، هذا كله يترافق مع محاولة اردوغان للاستئثار بالسلطة وإلغاء الآخرين حلفاء اوشركاء او اعداء”.
واضاف “هذه السياسات العامة اوصلت الى الاضطراب الامني والتفجيرات التي شهدتها البلاد وارتفاع مستوى المواجهة العسكرية مع الحالة الكردية، وكل هذه العوامل تراكمت وشكّلت حالة اعتراضية داخل المؤسسة العسكرية لدى مجموعة من الضباط الذين رأوا أنه قد يكون الوقت مناسباَ او فيه ضرورة للتعبير عن الاعتراض والغضب بالقيام بالحركة الانقلابية التي حصلت في الأمس”.
لهذا حكم بالفشل!
كما كان الانقلاب مفاجئاً كذلك كانت سرعة القضاء عليه واعلان فشله، عن ذلك علّق نور الدين بأنه “من الاساس لم تكن الحالة الانقلابية تستهدف بشكل جدي الاطاحة بالسلطة السياسية، فأولاً قادة القوات المسلحة لم يشاركوا بالانقلاب، وذلك بخلاف كل الانقلابات العسكرية السابقة التي كان يخوضها رئيس الاركان وقادة القوات المسلحة الجوية والبرية والبحرية، في الامس اكبر ضابط كان برتبة عقيد، ثانياً الادوات التي استخدمت كانت ضعيفة جداً، باستثناء بضع طائرات هليكوبتر، وعدد محدود من الدبابات، وهذا لا يمكن ان يخدم اي انقلاب جدي، ثالثاً غياب الاهداف المباشرة من وراء هذه الحركة الانقلابية، فلم يتم تطويقرئاسة الجمهورية ولا الحكومة ولا وزارتي الخارجية والدفاع، ولم يوضع قيد الاعتقال اي مسؤول سياسي وبالتالي لم يكن هناك وضوح بل غموض في اهداف الحركة”. واضاف “كلها عوامل جعلت الحركة الانقلابية ضعيفة التخطيط، واظهرت منذ اللحظات الاولى انها محكومة بالفشل وهذا ما حصل”.
حسابات خاطئة
وما لم يحسب الانقلابيون حسابه بحسب نوفل هو ان “هذه المؤسسة العسكرية العظيمة التي انشأت الجمهورية لم تعد كما كانت سابقا، فالجيش منذ محاكمات ” أرغينيكون” التي اتُّهم فيها عشرات الضباط بالانقلاب ضد اردوغان وحزب العدالة والتنمية، وما حصل بعدها من عملية تطهير في صفوفه، كسر ظهره، كما لم يحسبوا حساباً أن الحكومة المدنية التي يسيطر عليها التيار القومي الديني لديها قاعدة شعبية عريضة. اضف الى ذلك ان الانقلابيين لم يستطيعوا جمع كل القوات المسلحة معهم، بل جزء كبير قاومهم، لا سيما قوات الامن الداخلي عدا عن مواجهة المواطنين لهم في الشوارع ما ادى الى فشل الانقلاب”.
ارتدادات هزّ “العرش”
محاولة هزّ عرش السلطان ستكون لها ارتدادات داخلية وخارجية،شرحها نور الدين “في الداخل سيحاول اردوغان الاستفادة من فشل المحاولة من خلال التخلّص من خصومه في كل مؤسسات الدولة ولا سيما في المؤسسة العسكرية، هذا يعني استمرار النهج السابق في الاستئثار بالسلطة، ولا ينهي المشكلة بل سيبقيها حيّة بانتظار فرصة ثانية لانقلاب سواء عسكري او تحرك ما بشكل آخر” . واضاف “من جهة ثانية تلقت المؤسسة العسكرية والدولة التركية ضربة قوية، جيش مفعم بالجراح، قُصت اجنحته،معنوياته هابطة حتى ولو لم يكن لرئاسة الاركان اي علاقة بالانقلاب، اذ لا يمكن لمثل جيش كهذا ان يخوض معركة ناجحة ضد الاكراد في الداخل، كما لا يستطيع الاستمرار بتغطية سياسات اردوغان في سوريا لهذا قد يشكل الامر بداية تحول جدي هذه المرة بالنسبة لسياسته في الداخل السوري، اذ سيركزعلى التفرغ لترتيب البيت الداخلي”.
من جانبه اعتبر نوفل أنه “بعد فشل الانقلاب، انتهى الجيش التركي العظيم، وفي الوقت نفسه لم ينجح اردوغان. صحيح انه استطاع مواجهة الانقلاب بفضل التأييد الشعبي ووقوف كل الاحزاب معه انما دخلت تركيا من الآن وصاعدا في المجهول”.

أسرار شبارو / النهار اللبنانية

اترك تعليقاً