متابعة السيمر / الاثنين 18 . 07 . 2016 — عندما بدأت وحدات من #الجيش_التركي إقفال الجسور في اسطنبول ليل الجمعة لم يخطر ببال كثيرين أن انقلاباً عسكرياً قد بدأ. الغالبية اعتقدت أن ثمة تهديداً إرهابياً جديداً للمدينة التي لم تتعافَ تماماً بعد من الهجوم الإرهابي الذي ضرب مطار أتاتورك الدولي في 28 حزيران الماضي.
على رغم المظاهر العسكرية الغريبة التي شهدتها #اسطنبول خصوصاً، لم تكن فرضية الانقلاب واردة عند الاتراك. فالغالبية في #تركيا اعتقدت أن زمن الانقلابات العسكرية ولّى الى غير رجعة.
فمنذ وصوله الى الحكم عام 2003، نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحييد الجيش، وأخذ على عاتقه زمام الانقلاب على المجتمع، فقمع الحريات واضطهد المعارضين، وهو يتحرك منذ ثلاث سنوات لتسلم كل مفاصل الحكم في البلاد. لذا لم يخطر ببال الكثيرين أن تلك المظاهر تؤذن بانقلاب أو “نصف” انقلاب عسكري.
وسائل كلاسيكية
بمعايير كثيرة، كانت المحاولة الانقلابية على نظام أردوغان غريبة، وثمة اجماع على أنها استخدمت وسائل كلاسيكية من القرن العشرين من دون أن تأخذ في الاعتبار الوسائل الحديثة الكفيلة تقويض أي محاولات عتيقة بائدة.
ويقول الباحث والكاتب في الشؤون العسكرية، غاريث جنكينز، ومقره اسطنبول، إن هذا الانقلاب بدا مخططاً له بعناية، الا أنه “استعان بقواعد اللعبة التي كانت شائعة في سبعينات القرن الماضي”، معتبراً أن الأمر بدا كأنه في تشيلي عام 1973 أو أنقرة عام 1980، أكثر منه في دولة عصرية في سنة 2016.
عيوب
وفي تفاصيل الانقلاب، استغل الانقلابيون وجود #أردوغان خارج العاصمة في عطلة على البحر للسيطرة على المطار الرئيسي في العاصمة الاقتصادية لتركيا، وإقفال الجسور في البوسفور وإرسال دبابات الى البرلمان وساحات في أنقرة والسيطرة على تقاطعات الطرق الرئيسية، وبث بيان على التلفزيون الرسمي معلنين فيه حظراً للتجول ومطالبين الناس في البقاء في منازلهم.
في رأي مراقبين عاصروا انقلابات القرن العشرين، بدت المحاولة التركية فاشلة من أولها. ويقول المحلل السياسي روجر كوهين إنه إذ لم يحصل أي جهد للقبض على زعماء سياسيين أو إسكاتهم، ولم يطل أي زعيم بديل لاستلام السلطة، ولم يكن هناك استراتيجية اعلامية ولا حتى وعي الى قدرة وسائل التواصل الاجتماعي في حالات كهذه، ولم يظهر الانقلابيون أي قدرة على تحريك حشود كبيرة لا في صفوف القوات المسلحة ولا في المجتمع. وبدل ذلك، نشرت فصيلة من الجنود التعساء على جسر فوق البوسفور وجهد غير منسق لاستهداف مبان حكومية في أنقرة.
أما الثغرة الكبرى بالنسبة الى الانقلابيين، يقول المحلل التركي سينان أولغن من مركز “كارنيغي أوروبا” هو أنهم تحركوا خارج السلسلة العسكرية للقيادة، وبالتالي افتقروا الى الموارد الأساسية للسيطرة على مستويات رئيسية من السلطة.
ووافق أولغن كوهن رأيه أيضاً في أن المخطط كان غير فعال لأنه أخفق منذ البداية في السيطرة على منشآت عسكرية رئيسية أو أي من القيادات السياسية.
وسائل التواصل الاجتماعي
وإلى هذه الثغر، لم يخطر ببال الانقلابيين ربما أن أردوغان الذي اعتبر وسائل التواصل الاجتماعي عدوه اللدود، ولم يتوان عن حظرها بمناسبة أو من دون مناسبة، سيلجأ اليها كطوق نجاة للاحتفاظ بالسلطة.
وبذلك، كان كافياً للرئيس التركي أن يطل عبر تطبيق “فيس تايم” لحض مناصريه على النزول الى الشوارع لتقويض المحاولة الانقلابية.
وبعد عشرين دقيقة من بث بيان الانقلابيين، غرد رئيس الوزراء بن علي يلديريم في “تويتر” مندداً بالانقلاب ومطمئناً الأتراك الى أن القيادة العليا للقوات المسلحة لا تدعم الانقلاب.
وتباعاً، لجأ مساعدون لأردوغان الى وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان أن الرئيس بخير، وأنه لم يعتقل.
وأطل الرئيس السابق عبدالله غول على “فيس تايم” أيضاً للتنديد بقوة بالانقلابيين، وتحدث رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو عبر هاتفه الخليوي الى “الجزيرة” لوصف الانقلاب بأنه فاشل.
إلى ذلك، كانت هناك إحدى أقدم وسائل التواصل على الاطلاق، وهي المآذن، بحيث توالت النداءات من المساجد للنزول الى الشارع ومناصرة أردوغان، وهو ما كان حاسماً في حشد أكبر عدد من أنصار حزب العدالة والتنمية الاسلامي.
ومن العوامل الاضافية التي تقف وراء فشل الاتقلاب، أوردت وكالة “رويترز” إنه اعتمد على مجندين قليلي الخبرة، إما لم يبلغوا بحقيقة مهمتهم وإما أنهم لم يتوقعوا مواجهة مقاومة شعبية، مما اضطرهم الى التشتت سريعاً والاستسلام.
وقد أخفق الانقلابيون في إسكات شبكة “سي أن أن ترك”. فقد حطت هليكوبتر تنقل مجندين مع ضابط واحد في المحطة، إلا أنهم أبلغوا أنه يستحيل وقف البث، وإن كانوا أجبروا العاملين على اخلاء الستوديو موقتاً.
وعندما عاودت المحطة عملها طبيعياً، وصف مديرها العام أردوغان أكتاس والمذيعة نفسين منغوحال الجنود، قائلين “إنه كان ثمة خوف في عيونهم ولا يظهروا أي اشارة الى التصميم أو التفاني…طلبوا منا وقف البث الا أننا قلنا لهم إن هذا الامر مستحيل.ولم يعرفوا كيف يقومون بذلك، لذا بقي الستوديو فارغاً مباشرة على الهواء طوال الوقت قبل أن نستعيد السيطرة”.
وفعلاً، أظهر شريط فيديو تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، رجالاً من الاستخبارات التركية وموظفين من القناة يحاولون الامساك بجنود خائفين، وقد اختبأ أحدهم تحت طاولة”.
الواضح أن الانقلابيين راهنوا على النقمة المتزايدة في المجتمع التركي ضد سياسات أردوغان، واعتقدوا أن الاتراك سينتفضون ضده ما أن تتوافر لهم فرصة لذلك، لكن ما حصل أكد أنهم كانوا مخطئين، وأن الاتراك اضطروا الى اختيار السيئ على الأسوأ.
ما حصل ليل الجمعة-السبت لا يترك مجالاً للشك في أنه بعد 35 سنة من الانقلاب العسكري الاخير في #تركيا وعقدين تقريباً من التدخل العسكري الاخير عام 1979، يرفض الاتراك العودة الى التأرجح بين الحكم العسكري والمدني الذي ساد بلادهم بين ستينات وثمانيات القرن الماضي، على رغم الاستياء الداخلي الكبير من أردوغان. كما أكد الاتراك أنهم يتمسكون بمؤسساتهم الدستورية، وهو ما عكسه أيضاً موقف الاحزاب التركية المعارضة التي وقفت صفاً واحداً ضد الانقلاب.
صحيح أن نجاح الانقلاب كان سيمثل مأساة لتركيا، وأن أي حكم عسكري كان سيواجه تمرداً دموياً، لكن رد فعل أردوغان على الانقلاب ينذر بمأساة أخرى.
فليس ضبط النفس، بتعبيرالمستشار الخاص السابق للرئيس باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط، فيليب غودون، من طباع الرئيس التركي، “وبدل أن ينتهز الفرصة لمحاولة انهاء الانقسامات في البلاد، قد يفعل العكس تماماً ويتعقب خصومه ويقيد الصحافة وحريات أخرى أكثر ويراكم مزيداً من السلطات”.
وكان كلام أردوغان مؤشراً قوياً لما ينوي عليه، بقوله إنه لن يستأذن أحداً لمحاكمة الانقلابيين، و”سنقوم بتطهير البلاد من الانقلابيين، وسنلاحقهم في منازلهم وأينما كانوا”.
وفي غضون ساعات صار 6000 عسكري تركي، بينهم ضباط كبار خلف القضبان، وعزل 2745 قاضياً. الواضح أن أردوغان نجا ولكن تركيا مقبلة على أيام سوداء.
موناليزا فريحة / النهار اللبنانية