السيمر / الاحد 24 . 07 . 2016 — في الوقت الذي بات فيه الاستثمار في الموارد البشرية يعتبر رافعة رئيسة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتقدم الحضاري كما أثبتت التجارب الباهرة للبلدان التي أولت اهتماماً خاصاً بالتربية والتعليم والبحث العلمي، تظهر في بلادنا دعوات على لسان مسؤولين سياسيين بارزين إلى تقليص التعليم المجاني وقصره على التعليم الابتدائي، وإلغائه بالنسبة للمراحل الأخرى، والاعتماد على القطاع الخاص في تأمينه.
وهذا نمط من التفكير والتوجه لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ليس محصورا برأي شخصي، وإنما يندرج في رؤية ونهج فكري وسياسي إزاء دور الدولة في ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها دستورياً، ومتطلبات شروط تحقيق العدالة الاجتماعية وسبل النهوض بالواقع التنموي وإزالة مظاهر التخلف فيه.
فمثل هذه الدعوة، تتناقض اولاً مع المادة (34) ثانيا من الدستور التي تنص على “التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله”. كما أنها تجعلنا نطرح تساؤلاً عن حظوظ أبناء الشريحة الاجتماعية الواقعة تحت خط الفقر، والتي تمثل أكثر 23في المائة من نسبة السكان، في الحصول على التعليم إذا ما ألغيت مجانية التعليم للمراحل ما بعد الابتدائية نفسها، علماً أن إلزامية التعليم للمرحلة الابتدائية لا تزال غير متحققة!
إن مثل هذا التوجه، يعني عمليا حرمان الفئات المسحوقة والواطئة الدخل من حق التعليم الثانوي والجامعي، وهم أغلبية المجتمع، وسيتبع ذلك بالضرورة تكريس وتعميق الفوارق في الدخل والثروة وفي تبوء أبناء هذه الشرائح مواقع المسؤولية في الدولة وفي المجتمع.
لا شك أن الواقع التربوي والتعليمي المأزوم في البلاد بحاجة جادة إلى المراجعة والإصلاح الجذري، وليس تخلي الدولة عن مسؤوليتها لصالح التعليم الخاص، وإنما بالعكس من ذلك تماماً، إذ عليها جعل قطاع التربية والتعليم في الأولوية من التخصيصات المالية في الموازنات العامة، والعمل الجاد على إعادة النظر في أنظمة ومناهج التعليم وطرائق التدريس وتحديثها لتواكب وتيرة التقدم العلمي والتقني المتسارعة في العالم، كما تستوجب مراجعة اسس العملية التربوية والتعليمية بما يعزز قيم المواطنة والفكر التنويري.
وإذا كان للتعليم الخاص دوره المكفول دستورياً، فإن مساعي جعله القاطرة الأساسية في توفير خدمات هذا القطاع، ستكون لها تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة على الحقوق الأساسية للمواطنين.
نضيف إلى ذلك كله، إن تحديات المواجهة الفكرية والتربوية مع الفكر المتشدد الإقصائي والتكفيري، تستدعي من الدولة العناية الأكبر بقطاع التعليم وتوفير المقومات المادية والبشرية له لينهض بدوره المطلوب.
جريدة طريق الشعب في 24-7-2016