السيمر / الاحد 09 . 10 . 2016 — اذا كان الجنابي طارئا على السياسة، فانه لم يكن طارئا في يوم من الايام على الفتنة الطائفية، فبينما كان غلاماً بعثياً في حقبة صدام، تحوّل الى “ملتح” في زمن عمائم “الارهاب” الوهابية.
لن يتمكّن المتصفح لكتاب التأريخ العراقي منذ 2003، سوى الرضوخ لإغراء صفحة رجل ملتح، بهيئة رجل دين، ودهقان “مائيّ” لصعوبة ثباته على موقف، دخل العملية السياسية من أوسع أبوابها، وانتهى به مرمياً على قارعتها بعدما اتهم بالإرهاب منذ هروبه من العراق نهاية آيار عام 2009.
انه عبد الناصر الجنابي، انموذج لإنتاج عقود ثلاثة من التدمير الذاتي العراقي، والذي كان نائباً عن جبهة “التوافق”، بملامح وجهه الفَظّة، وصمته المُتَحَجِّر الذي يخفي وراءه الدواهي والزَوَابِع، واطلالته التي توحي لك بعصر التفسير الخرافيّ والغيبـيّ، وتحشيده “الطائفي” الذي يمارسه في منتهى “البراءة”.
ولا يمكن تصنيف الجنابي على انه “رجل دين”، مثلما يصعب القول انه “رجل سياسة”، وفي الحالين كان مرتديا لأقنعة يستبدل بها وجهه حسب الطلب، فثمة قناع للجامع والمسجد، وآخر للمنبر السياسي والنيابي، وبينهما وجه زائف، يطل به أمام العقلية الإقطاعية والنخب العشائرية.
والى الان، يبيع عبد الناصر المواقف بثمن، مصطفا مع باعة الاوطان في سوق النخاسة، في ظاهرة تجسّدت في سياسيين عراقيين آثروا التعاون مع الاجنبي على ابناء الوطن.
سيرة :
يقول عبد الناصر عن نفسه ضمن حوار معه على قناة “الجزيرة” انه “المفتقر الى رضى مولاه” عبد الناصر الجنابي. مسلم، عربي، عراقي.
تحصيله الدراسي، بكالوريوس شريعة، ثم ماجستير، ودكتوراه في أصول الدين. ويقول أيضا ان بحوزته اجازة علمية في العلوم العقلية والنقلية، وعمل اماماً وخطيباً ومدرّساً، ومعاوناً ادارياً للأمين العام للإفتاء في العراق، الى عام 2006.
كما شغل عضو مجلس “شورى أهل السنة والجماعة” في العراق، ثم امين سر “مجلس الحوار الوطني العراقي”، والامين العام لـ”التجمع العراقي للتحرير والخلاص الوطني”، وعضو “لجنة التنسيق المشتركة للقوى الوطنية المناهضة للاحتلال”، وعضو سابق في “مجلس النواب العراقي” والمنسحب منه في 30/6/2007.
ويقول عن نفسه ايضاً،… عضو “مجلس الشورى لجبهة الجهاد والخلاص الوطني” والمتحدث الرسمي له، و نائب القائد لـ”جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني” والمتحدث الرسمي له، ثم رئيس لجنة القيادة المشتركة لـ”جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني”.
المتابعون للشأن الأمني في العراق، يعدون عبد الناصر الجنابي أحد “عتاة” الاجرام الذين حوّلوا بلادهم الى ارض “جهاد” تسفكُ فيها دماء ابناء جلدته بالتفجيرات والاعمال الانتحارية، داعياً الى القتل والبَطْش على الهوية الطائفية طيلة سنوات، على رغم انه كان جزءاً من العملية السياسية باعتباره نائبا في البرلمان الذي منحه “حصانة”، اتاحت له القيام بأعمال إرهاب وترويع، من غير ان تطاله يد العدالة، كما يعتقد.
وفي حين يقول عنه مريدوه في شؤون الفتوى والدين بانه “عالم” و”مجاهد” ومتبحّر في “الشريعة”، يكشف الذين يعادونه،
بان افكاره “الدينية” المتطرفة مهدت له لان يصبح “ارهابيا” يشار له بكل وضوح، بعدما انبرى يفتي ويُجَيِّشُ الإسماع لاسْتئْصَال طائفي متذرعا بقتال الاحتلال، حتى اذا انسحبت القوات الامريكية في 2011، لم يكف عن “الشر”، على حد قولهم، وصار من اشد عرّابي الفِتْنة في اسلوب كهنوتي، يستغل الدين في تأجيج “الكراهية”.
بل أن أحد الذين يتحمسون الى اعتقاله ومحاكمته، يعتبره واحداً من الذين اسسّوا لمستعمرة الارهاب، وصار من اكثر “التكفيريّين” تشبثا، بمصطلحات من مثل “أذناب” و “روافض” في وصفه للمكون الاكبر في البلاد، و من اشد الداعين الى قتلهم، في استمرار لأعمال الابادة الجماعية في تسعينات القرن الماضي، والتي كان لمثل الجنابي من “البعثيين” الذين تحولوا بعد 2003 الى “اسلامويين” قاعديين، دورا” رئيسيا” في اقترافها.
وعلى النقيض من هذا القول، يقول عنه متطرفين “سنة”، بأنه خير من دافع عن “الطائفة”، ووقف بوجه تهميشها.
لا يختلف الجنابي عن دعاة “التكفير” من كهنوت شيوخ الفتنة، ممّن حرضوا على قتل الشعب العراقي، الاّ في كونه مشاركاً مباشراً في الذبح، وجزّ الرقاب، على طريق افناء الناس على الهوية.
وتسلّل الجنابي الى العملية السياسية، اتاح له المضي في نهج “البعث” الذي انتمى اليه واخلص له، فتسلق حائط تمثيل الشعب، فيما تغوص قدماه في مستنقع دماء، غاص فيه بالتدريج حتى وصل الى الرِّكاب، فيما يقول مناصريه ان الجنابي استحق تمثيل الشعب لما يتمتع به من “شعبية” و”كاريزما دينية”.
لكن؟..
ماذا يردّ الجنابي على من يتهمه بانه استغل الحصانة النيابية التي تمتّع بها، فتحالف مع “التكفيريين” و”البعثيين”، وكان واحداً منهم في تنسيق ودعم الاعمال الانتحارية، والسيارات المفخّخة، حتى اذا بانت خديعته وتآمره، فرّ هارباً الى دول الجوار، ينسّق بـ”الريموت كونترول”، اعمال الارهاب.
على ان المدافعين عن الجنابي، يبررون ذلك بانه “دفاع عن النفس”.
لكن الكثير من متابعي الشأن العراقي، يرون في الجنابي باعتباره، وصفة جاهزة لحرب اهلية، بسبب كم الحقد الطائفي الهائل في قرارة نفسه، لا يستطيع ان يكبته في داخله، فيحوّله الى مشاريع قتل وارهاب، ليتحول الى واحد من أكثر “القتلة”، استهانة بحياة البشر، فكان يدعو الى ذبح الخصوم وجز رقابهم مثل الحيوانات، على طريقة “داعش”.
بل ان هناك من يقول ان الجنابي اليوم، في اشد مراحل حياته، جذلاً وسعادة، لأنه وجد في تنظيم “الدولة الاسلامية” ضالته، بعدما حقق ما في نفسه من اغراض.
وينبري متابع مخضرم للشأن العراقي في كشف تفاصيل عن فعاليات الجنابي في زمن النظام الدكتاتوري، قبل 2003، حين كان من أشد المناصرين لسياسات صدّام في “العزل” الطائفي، لاسيما في فترة “الحملة الايمانية” التي زعمها البعث البائد في العراق، ليصبح الجنابي، موظفاً في هذا المشروع الذي قصد منه صدام “تسنين” ابناء العراق، واختراق المكون الاكبر عبر عمليات “تحويل” سيئة الصيت، وكان الجنابي من اشد المناصرين لبناء مساجد “سنية” في المجتمعات “الشيعية” لجذب الشباب الى التحول الى المذهب “السني” بإغرائهم بالعطايا والوظائف في الدولة والحزب.
ولم يكن أمام الجنابي بعد سقوط صدام سوى اعادة إنتاج نفسه في مستعمرة ( الدين – العشيرة)، فنزع البدلة “الزيتوني” التي كان يرتديها تحت ثياب الزهد والتدين، ليتحوّل الى فرد ارهابي خالص “قلباً” و “قالباً”، وان ينجح في ايهام الناس الذين صوتوا له باعتباره ممثلا لهم في الدين والبرلمان على حد سواء.
اعتُبر الجنابي، بحسب مواطنين من المنطقة التي ينحدر منها، – انغرّوا بزهده المزيف وتدينه الكاذب-، حاقداً على مجتمعه، بسبب فشله في الحياة، فلم يمتلك مؤهلات اجتماعية واكاديمية تؤهله للنجاح، ما دعاه الى ركوب موجة التدين الكاذب، فأطال اللحية، وارتدى ثياب العفة والزهد، وبات منظّراً مذهبياً يحث على الكراهية، فحسب.
وفي جو أمني وسياسي عاصف بعد 2003، اعتقد الجنابي ان اطلاق الشعارات الطائفية، تجعله “عزيز” قومه، كما ظن ان السماء الملبّدة بالغيوم، تمنع شعاع الشمس عن كشف افعاله ومؤامراته، حتى اذا وضعت الجهات الامنية النقاط على الحروف وواجهته بجرائمه، اختفى الجنابي كومضَ البرْقِ، طالبا النجدة من ممّوليه واباؤه الروحيين في الفتنة والكراهية في الاردن والسعودية وقطر ودول اخرى.
يقول عنه احد الذين انخدعوا به انه “اكثر الاصوات النشاز في الجوقة الطائفية، فقد ركب موجة الاحتجاجات والمطالب الشعبية في الانبار، والمناطق الاخرى، وحرّض الناس على التصفيات الجسدية، لكي يستطيع الاستمرار في تلقي الدعم من مموليه، وتنفيذ خططهم في التقسيم”.
والجنابي ايضا، مثال صارخ لرجل يدعي “التدين” والعلم في “الدين”، لكنه يدق في طبول المذهبية اينما حل، ويبرر الارهاب في العراق بذرائع وحجج واهية.
وحين صعد على المنابر في منصات الاعتصام، وفي المساجد، بعد عودته الى مدينة الفلوجة في 2013، قادما من الدوحة، لم يكن في يوم من الايام، داعية تسامح ووحدة، بل كان من اكبر المحرّضين للشباب على الهجمات المسلحة ضد القوات الامنية، وعلى الانضمام الى التنظيمات الارهابية وابرزها “القاعدة” وفيما بعد تنظيم “الدولة الاسلامية”.
يسرد احد الذين خبروا الجنابي، الطارئ الوجود في السياسة، والذي لم يكن “طارئا”، في يوم من الايام، على الفتنة الطائفية، فحين كان غلاماً بعثياً في حقبة صدام، تحول الى “ملتح” في زمن “عمائم” الارهاب الوهابية.
ويذكّر أحد المتضررّين من الارهاب وحقبة النظام “البعثي” البائد، كيف ظهر الجنابي في مقطع “فيديو”، يؤكد فيه ارتباطه بالبعث وعزة الدوري، متنقلا بين عمّان والدوحة واربيل، في تأكيد على ان هذه العواصم، تحتضن العشرات من امثال الجنابي، الذين لم يوفروا جهداً في السعي الى تخريب العملية الديمقراطية في العراق.
وفي 2011 اكد الجنابي من على فضائية “البغدادية” على انه “بعثي، ومثله الاعلى صدام، وصديقه الحالي عزت الدوري”.
وحين سأله مقدم البرنامج عن مسؤوليته في قتل نحو مائة وخمسين “شيعيا”، قال بلا حياء “انه شرف لي”، مبرراً القتل تحت شعار منافق، هو مقاومة “الاحتلال”.
بل ذهب الرجل في غيّه وتحدّيه لشعبه، واستخفافه بدماء الضحايا، الى الحد الذي قال فيه ان “الامتيازات والرواتب التي حصل عليها حينما كان نائبا، منحها الى المقاومة”.
وهكذا يعترف الجنابي “علانية”، انه كان راعياً وممولاً للقتل بالمفخخات والاحزمة الناسفة للعشرات من العراقيين، وابرزها حادثة تفجير مطعم البرلمان الذي قام به احد حراسه.
واضافة الى الشواهد الدامغة، فان مصادرُ قانونيةٌ اكدت على أنَ الملفَ المتعلق بالنائب عبد الناصر الجنابي يتضمن أدلة دامغة تُثبت تورطَه في الكثير من الجرائم الارهابية والأعمال المخالفة للقانون، وابرزها اشرافه على قتل المختطفين في منطقة “البحيرات” بناحية الاسكندرية شمالي محافظة بابل.
كما اظهرت تسجيلات صوتية للجنابي وهو يُهدّد احد ضباط “الفرقة السادسة” بسبب اعتقالِه لأربعة من حمايته لتورطَهم في اعتداءات ارهابية.
وفي 2011 أعلن لواء الرد السريع التابع لوزارة الداخلية عن اعتقال قيادات في تنظيم القاعدة، ابرزهم قائد صحوة “الحامية”، وهو شقيق ناصر الجنابي، احد أعضاء البرلمان المطلوبين وفق المادة “4 إرهاب” مع احد مساعديه، والذي ساهم في اعمال تفجير وارهاب في بغداد، وشمال بابل، وكربلاء.
ووضع الجنابي في خيانته لوطنه، بصمة في تأريخ الخيانات، حين اعلن انه كان عضوا في ما يسمى بـ”مجلس الشورى لجبهة الجهاد والخلاص الوطني” التي يترأسها عزت الدوري، في نهاية 2012، وانه سينضم الى “البيشمركة” اذا تجرّأت قوات دجلة على اجتياح اقليم كردستان.
بل انه سعى الى اكثر من ذلك، فقد عمل على التنسيق مع عزت الدوري، على اثارة البلبلة في المناطق الواقعة تحت مسؤولية عمليات دجلة، بحسب تسريبه لجهاز المخابرات العراقي، نشرتها عدة مواقع.
لم يكن الجنابي، وقد لفظه ابناء بلده الى خارج الحدود، سوى الاستمرار في مشاريع قتلهم، فكان قطبا في التآمر على بلده في مؤتمر معارضة في عمان بالأردن، الى جانب مشاركين تورّط اغلبهم في دماء العراقيين، تشاتموا وتشاجروا في ختام المؤتمر متهمين بعضهم البعض بالعمالة، والفساد والسرقة، فصرخ رئيس ما تسمى بـ”هيئة علماء المسلمين” بشار الفيضي بوجه احمد الدباش قائلا له: “انت عميل”، في حين رد الدباش على الفيضي بـ”لكمة” مستقيمة، ما جعل نجل الفيضي يثأر لأبيه بضرب الدباش بـ”فردة” حذائه، وكان الجنابي جزءا من المعركة، ووُجّهت اليه الشتائم، ونعته احد الحاضرين بانه “ارهابي”، و”عميل”، و”سارق”، استحوذ على ملايين الدولارات التي خصصتها السعودية للمؤتمر.