السيمر / الاحد 16 . 10 . 2016 — كان من الممكن ان يتحول العراق، بعد سقوط صنم بغداد عام 2003، الى واحة للامن والامان، في ظل نظام ديمقراطي تشارك فيه كل مكونات الشعب القومية والدينية والمذهبية، فلم يستثن هذا النظام حتى الاقليات التي حصلت على حصة في الحكم تتجاوز حجمها الجغرافي والديمغرافي، الا ان عوامل خارجية وداخلية عدة، اطاحت بالحلم العراقي وحولته الى كابوس مازال ينغص على العراقيين حيات
كان “اللعب” ب”الورقة السنية” من قبل امريكا وبعض الدول الاقليمية وايتام صدام والجماعات التكفيرية، بالاضافة الى بعض البسطاء والمغرر بهم من المكون السني، السبب الرئيسي وراء فشل العراقيين في تحقيق مجتمع تسوده القيم الانسانية وقائم على المواطنة، كما كان السبب الرئيسي وراء تأزيم الاوضاع في المحافظات “السنية” العراقية، التي ما تكاد تخرج من ازمة حتى تقع في اخرى، دون ان يثير ذلك اي تأنيب للضمير لدى الجهات المسؤولية عن الوضع المزري الذي تعيشه هذه المحافظات، رغم انها ترفع منذ عام 2003 وحتى اليوم لواء الدفاع عنها وعن مصالح اهالها.
امريكيا، كان المخطط الذي دخلت على ضوئه امريكا الى المنطقة يقوم اساسا على اثارة فتنة “سنية – شيعية” من اجل ضرب كل فرص التعايش بين الشعوب العربية، واضاعة كل فرص للتقدم والتطور، واهدار طاقات وثروات هذه الشعوب، وتمزيق نسيجها الوطني والاجتماعي، وهي اهداف تصب بمجملها في صالح “اسرائيل” عدوة جميع المتصارعين على مختلف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية
اقليميا، خشيت دول اقليمية معروفة تحكمها أُسر وقبائل، من نجاح التجربة العراقية في تأسيس نظام ديمقراطي تعددي يقوم على المواطنة والحريات وحقوق الانسان والمشاركة السياسية، واحتمال حصول ارتدادات لهذا النظام داخل تلك الدول، عندها ستكون هذه الانظمة في مواجهة مع شعوبها التي قد تطالبها بالحد الادنى من الحريات الانسانية، لذلك وهربا من هذا التحدي رفعت هذه الانظمة شعار الدفاع عن “السنة” في العراق، في محاولة لدق اسفين بين السنة والشيعة العراقيين، وضرب تجربتهم السياسة و وأدها، ونجحت هذه الدول الاقليمية وللاسف الى حد بعيد في هذا المسعى، بعد ان قامت بضخ الاموال لشراء الذمم، وضخ المجرمين والتكفيريين لقتل العراقيين في الازقة والشوارع والمساجد والحسينيات ورياض الاطفال والمدارس والمستشفيات، وفي المآتم والاعراس، كل ذلك تحت شعار”الدفاع عن السنة”.
بعثيا، لم يكتف البعثيون الصداميون بالحجم الهائل من المآسي التي تسببوا به للشعب العراقي خلال اربعة عقود من حكمهم الدكتاتوري الدموي، وخاصة ضد اتباع اهل البيت عليهم السلام والكُرد وقطاعات واسعة من ابناء السنة، صحيح انهم اختفوا من الساحة اثر سقوط صنمهم عام 2003 خوفا من غضب العراقيين، الا انهم خرجوا من جحورهم، بعد ان لمسوا التعامل الانساني للنظام الجديد معهم، الا انهم انقلبوا من “علمانيين” الى “طائفيين اقحاح”، ومن “رفاق” الى “مجاهدين”، فكان “السنة” والدفاع عن “السنة” ورقتهم هم ايضا، وقاموا بتأليب الشارع السني العراقي، لاسيما في المحافظات السنية، ليرفض الواقع الجديد ويحاربه، حتى لو سقطت جميع المحافظات “السنية” بيد القاعدة و “داعش”، وهذه الحقيقة اعترف بها كبيرهم المجرم عزة الدوري، وما مذبحة سبايكر الا بعض “انجازات” ايتام صدام الذين ارادوا من خلالها شق انهار من الدماء بين ابناء الشعب الواحد، تحت ذريعة “الدفاع عن السنة”.
عراقيا، هناك بعض البسطاء والمغرر بهم من المكون السني العراقي، لم يتمكن من هضم الوضع السياسي الحالي، لاسباب لا يمكن وصفها الا بالمرضية، فهذه العينات، ترى ان من المستحيل ان يتنازل “السنة” عن حكم العراق، بعد حكموه كل هذه الفترة الطويلة، فهؤلاء يستكثرون على الشيعة ان يشاركوهم في حكم العراق، فهم يعتقدون ان العراق مُلك لهم ولا يحق لاحد اخر ان يشاركهم في هذا الملك حتى وان كان هذا الاخر هو الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي، لذلك نرى هذا البعض الساذج والمغرر به ينعق مع كل ناعق، يدعو للانتقام من “الشيعة” لانهم سرقوا ملكهم، فهم ينطلقون من مقولة مفادها اما ان يكون العراق لنا او لا يكون لاحد، وما يحصل في المحافظات السنية الا بعض تجسيدات هذه الرؤية
من الواضح ان جميع الرايات التي رفعت من اجل الدفاع عن السنة، في العراق من قبل امريكا والدول الاقليمية والجماعات التكفيرية وايتام صدام والسذج والبسطاء من السنة، هي التي حرمت المحافظات السنية منذ عام 2003 من اي امكانية في حدودها الدنيا للعيش كباقي المحافظات العراقية الاخرى، وان كانت باقي المحافظات، وخاصة المختلطة، لم تسلم من جرائم البعثيين الصداميين والتكفيريين.
ان على العقلاء في المكون السني الاصيل في العراق وهم كثر، ان يطردوا من بين صفوفهم، اصحاب هذه الرايات المشبوهة، فهي رايات رفعت من اجل مصالح تتعارض بالمرة مع مصلحة المكون السني، فلم تجلب سوى الخراب للمحافظات السنية وللعراق بشكل عام، فلا تسقط راية الا وتُرتفع اخرى، وكأنه كُتب على سنة العراق ان يكونوا جسرا لعبور هذه الرايات الدموية المجرمة، الى مصالحها، ففي الوقت الذي يستعد الجيش العراقي والحشد الشعبي ومقاتلو البيشمركه لتحرير الموصل وانقاذ اهالي هذه المحافظة من “البعثيين الدواعش” واسقاط رايتهم المزيفة، نرى رئيس دولة اجنبية، هو الرئيس التركي اردوغان، يدق طبول الحرب ويرفع من وراء الحدود، راية جديدة تزعم ايضا الدفاع عن “سنة” العراق كراية “داعش”، وكأن هناك ارادة دولية واقليمية وبعثية وتكفيرية، تريد الابقاء على المناطق السنية مشتعلة بالحروب والفوضى.
اخيرا الى كل اصحاب تلك الرايات الزائفة والحاقدة والفاسدة التي تطبل ليل نهار في اذان السذج والبسطاء من المكون السني العراقي بغرض التغرير بهم وتأليبهم على اخوتهم الشيعة، نقول لو كان شيعة العراق يسعون حقا لتطهير المناطق السنية في العراق طائفيا، ويرتكبون المجازر ضد السنة في الرمادي وسامراء وتكريت والفلوجة و..، فلماذا لم يحرك شيعة بغداد ساكنا وهم يتعرضون الى ابادة جماعية منذ عام 2003 ولحد الان على يد العصابات التي ترفع كذبا وزورا لواء الدفاع عن السنة؟، ترى هل سمع احد ما ان قام شيعة بغداد بالانتقام من اهالي الاعظمية مثلا، او اي منطقة سنية اخرى في بغداد؟، ان الفظائع التي نزلت على شيعة العراق، لو نزلت على اناس اخرين لكانوا فعلوا ما فعلوا، وهم بالمناسبة الاغلبية الساحقة في بغداد، ولكن مثل هذا الشيء لم ولن يحدث ابدا، لماذا؟ لان شيعة العراق هم التلاميذ الاوفياء لمدرسة اهل البيت عليهم السلام، وان مرجعهم الديني الاعلى سماحة السيد السيستاني يقول عن سنة العراق انهم “انفسنا”.
شفقنا