متابعة السيمر / الثلاثاء 25 . 10 . 2016 — أجرت «السفير» هذه المقابلة مع صالح مسلم في مفترقٍ جديد للكُرد السوريين. الرجل يقود الرئاسة المشتركة لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي»، اللاعب المهم في الشمال السوري، ليمثل سياسياً «قوات حماية الشعب» الكردية التي باتت في صدامٍ مباشر مع قوات الاحتلال التركي، ومع حربته المتمثلة بفصائل معارضة.
هنا يؤكد مسلم أن المشروع التركي إنشاء مظلة آمنة، منطقة احتلال، يشكل عامل توتير دائم لسوريا. ينتقد حزب رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، لدعمه تركيا، معتبراً أنه حالة شذوذ غامضة عن الإرادة الكردية. واشنطن تنأى عن موقع الوسيط، رغم دعمها الكرد وحلفها المكرّس مع أنقرة. معارضة الفدرالية السورية برأيه لا تأتي من المستوى الدولي، بل ربما هي الموقف الوحيد المشترك بيد دول الإقليم. لكن خوف السياسي المقيم في أوروبا يبقى الآن من جهة أخرى، يتحدث عنها بوضوح. هنا نصّ المقابلة:
إلى أين يتجه الوضع الحالي لمعارك الشمال السوري، تحديداً الصدام مع تركيا وقوات المعارضة التي تقاتل عنها بالوكالة؟
لا نعرف الوجهة، لأنها تعتمد على تركيا وسياساتها. إنها تجرّب كل أدواتها بحيث تخرّب كل شيء في سوريا. كانت من قبل تحكي عن المنطقة الآمنة والمنطقة المحمية وغيرها، لكن أدواتها لم تحقق سياستها، لذا دخلت بنفسها وشمّرت عن ساعديها، وهي موجودة لتمرر ما تريده عندنا.
ما الذي تريد تمريره بالضبط؟
طبعاً هي تريد أن تقيم منطقة، كما قالوا علناً، على امتداد خمسة آلاف كيلومتر مربع، وفي هذه المنطقة يضعون جماعتهم ويقومون بتغيير ديموغرافي. هناك هؤلاء الذين يأتون من مناطق «داعش»، من حلب وما حولها، ومن «جبهة النصرة» التي ضاقت بها الأرض في حمص وأينما كانت، من ريف دمشق وغيرها، يريدون تجميعهم كلهم في هذه المنطقة، وطرد العنصر الكردي منها، ثم يبقون على تواصل معهم لكي تكون هنالك حالة استنزاف متواصلة لكل سوريا وعبرها للشرق الأوسط. هذا هو مخططهم، وقتالنا مع حلفائنا في قوات سوريا الديموقراطية هو مقاومة لمنعه.
واشــنطن تدعمــكم، وأنقــرة حليــفتها، هل تقوم بمحاولات وساطة؟
لا يوجد شيء من هذا. بالنسبة لعلاقاتنا مع «التحالف الدولي» هي مقصورة على قوات سوريا الديموقراطية في سبيل كسر شوكة «داعش» فقط، لا يوجد أي شيء خارج هذا الإطار. الشيء الذي يقولونه (الأميركيون) إن هذه هي تركيا، وهي عضو في الحلف الأطلسي، وهم هذه سياستهم ونحن نحاول معهم لكنهم لا يغيرونها. يعني أنّ الأميركيين لا يجيبون عن الأمر بكل بوضوح.
كيف تنظرون لدعم القيادة الكردية في إربيل مشاركة تركيا في معركة الموصل، برغم معارضة بغداد؟
القيادة في إربيل هي قيادة محلية لإقليم كردستان، ولديها حكومة إقليم كردستان. هذه الحكومة كلها تعترض على تدخل تركيا، البرلمان يعترض عليه. هنالك حزب واحد متعاون معها هو الحزب الديموقراطي الكردستاني. إنه متعاون معها بشتى الوسائل، ولا نعرف ما هي الوشائج التي بينهما. إذا تعاون حزب واحد في كل الإقليم مع الأتراك، فلا أحد غيره يتعاون. الكرد كلهم يستنكرون ويرفضون ويسمونه احتلالاً تركياً. هناك حزب واحد يتعاون معهم، وهو بالطبع لا يمثل الإرادة الكردية. هناك أحزاب أخرى مشاركة في حكومة الإقليم والبرلمان، وهؤلاء كلهم يعترضون. لذا أنقرة تستغل علاقتها بحزب واحد، لكن هذا لا يعني أن الكرد كلهم يتبنون هذا الموقف.
بعد هذا الصدام مع تركيا، هل تغيرت طبيعة الدعم لكم من التحالف الدولي وواشنطن؟
نحن لا نتعامل مع التحالف إلا من خلال قوات سوريا الديموقراطية، وهي تتعامل مع التحالف على أساس أنّ التعاون هو ضد «داعش»، وحتى الآن لم يخالف التحالف وعوده ويلتزمون بما تم الاتفاق عليه. أما نحن من طرفنا فنحاول أن نوسع (التعاون) من الناحية السياسية، لكنْ هذا شيء آخر، فإلى الآن لم يخلف التحالف بالوعود التي أعطاها.
ألا تخشون خسارة النجاحات التي حققتموها، من التقهقر، بما أن تركيا نزلت بقواتها إلى الأرض السورية، والدعم غير المحدود لقوات معارضة تقاتل بالوكالة عنها؟
نحن نعرف أن تلك الفصائل هناك لا تختلف في ذهنيتها عن «داعش»، إن كانت «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام» أو «اللواء سلطان مراد» أو غيرها مما أدخلتها تركيا حينما احتلت الأراضي السورية. هؤلاء نعرفهم ولديهم الذهنية نفسها. لكن لم نستطع أن نقنع التحالف والأوروبيين بذلك، لا يزالون يسمونهم معارضة معتدلة. نحن لا نرى أي شيء من الاعتدال فيهم، لا في أفكارهم ولا في تصرفاتهم، هم نفس «داعش». نحن نقوم بالمحاولة لتغيير ذلك، وهذه قضية ثانية. المشكلة مع تركيا هي مشكلتنا أكثر من أن تكون مشكلة أميركية أو مشكلة تحالف، وهذه المسألة صحيح أنها تؤثر على أدائنا وعلى وجودنا لكنها مشكلتنا وحدنا. نحن أيدينا مفتوحة، ما لم يفرض أحد شروطاً علينا ولم يلتزم بنا، فأيدينا مفتوحة في العلاقات السياسية مع أي طرف نريد.
بما أن الاحتلال التركي مشروعه كما وصفته، فهل هو باق حتى إشعار آخر؟
طبعاً، تركيا دخلت لتبقى. تركيا ترى حلب جزءاً من مشروعها العثماني التوسعي، ترى الموصل جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، يجب أن تكون تحت سيطرتها، تركيا سياستها معروفة. إذا كانت المسألة تمسّ حدود دول وقضية السيادة، فلماذا العالم كله يسكت عن التدخل التركي واحتلالها الأراضي، وعلى رأسه النظام السوري بنفسه. النظام السوري مواقفه على استحياء كأنه يحكي عن أرض في دولة أخرى. يعني هدد الأتراك، لكن في اليوم التالي كانت طائراتهم تضرب في المكان ذاته. هؤلاء إذا كنت تعتبرهم مواطنين سوريين، فلماذا لا تدافع عنهم. المشكلة أكبر من ذلك. يحكون عن لقاءات بين تركيا والنظام السوري، على ماذا يتفقون؟ على إحياء اتفاقية أضنة؟
إذا كانت الأمور أكبر من ذلك، فما حجمها برأيك؟
حجمها أن سوريا تقوم بالتنازل عن جزء من مناطقها. تتحدث عن حلب وتضع كل جهودها هناك، وتسكت عما يحدث للشريط التركي. يرون مخططهم ومحاولات التغيير الديموغرافي، وهذه الحالة يسكتون عنها. ليطلبوا من حلفائهم الروس التدخل، ألم يدخلوا لحماية الأراضي السورية. ما نخاف منه هو العلاقة بين دمشق وأنقرة أكثر من العلاقة بين أنقرة وموسكو. يعني، نحن نخشى ما يجري تحت الطاولة، وأن يكون على أساس أنّ الأمر يخصّ اتفاقية أضنة وما إلى هنالك. فليتنصّل النظام إذاً من هذه الاتفاقية، ليقل إنه لا يريدها بوضوح، ما دامت تركيا تستخدمها حجة. نحن مهما تكن مطالبنا، نطالب بالفدرالية، نطالب باللامركزية، لكن نبقى سوريين. لذا من يدافعون عن وحدة الأراضي السورية فليأتوا ويدافعوا عنها، ما دام لدينا هدف مشترك في وطن سوري ديموقراطي. لماذا لا يحمينا النظام، بعلاقاته الدولية مع موسكو وغيرها؟
كيف يردّ النظام على هواجسكم، كيف يبرر؟
لا يبرر ولا يحكي، ولا يتنازل أن يحكي مع أحد. لا توجد قنوات مفتوحة، بمعنى هي أمور كل واحد يفهمها لوحده.
تطالبون بنظام فدرالي لسوريا، لكن إلى أي وجهة يدفع الوضع الدولي؟
بالنسبة للوضع الدولي، السياسات شيء والواقع شيء آخر. يعني من سيعارض الفدرالية! روسيا نظامها فدرالي، وأميركا نظامها فدرالي، كل الدول الأوروبية تقبل هذا الحل. الفدرالية هي التي أثبتت الجدوى، أما قبولها وعدم قبولها، لأسباب سياسية، فهذه قضية تتعلق بنا نحن السوريين، فإذا أردت أنا وأخي العربي أن نعيش في بيت واحد، يجب أن يعيش كلّ منا بخياره ضمن هذا البيت. أنا كردي، أنت عربي، أنا أريد أن ألبس أحمر، أنت تريد أن تلبس أخضر، خلّنا ضمن بيت واحد. كل القوى العظمى تقبل بهذا الطرح. من لا تقبل هي تركيا وإيران والنظام السوري، والسعودية لا تقبل. هؤلاء الذين يخافون الديموقراطية ونموذجها لا يقبلون. لذلك فمشكلتنا هي مع الدول الإقليمية، لا الدول الكبرى.
هل ترون أن مسار الصراع والحرب في سوريا يسير إلى حلحلة أم إلى مواصلة التصعيد؟
ما دامت هذه الذهنية التركية موجودة في الشرق الأوسط فكله على صفيح ساخن إلى أن تتغير. إنهم يهددون الجميع. اليوم يهددون العراق ويهددون سوريا، وغداً يهددون إيران وهكذا، ما دامت هذه الذهنية موجودة فسنبقى كلنا على صفيح ساخن.