متابعة السيمر / الأربعاء 26 . 10 . 2016 — يروي التاريخ السياسي والاجتماعي في العراق، إن أعضاءً في مجلس النواب (الأعيان والشيوخ) طلبوا من وزير الداخلية آنذاك، إن يصدر أمرا بإغلاق ملاهي بيع الخمر وبيوت البغاء في الميدان.
ونقل وزير الداخلية طلبهم إلى رئيس الوزراء يومذاك، الباشا نوري السعيد، الذي عارض الطلب، موضحا لهم: إنّ ملاهي بيع الخمر وبيوت البغاء في الميدان، تعد أماكن مخصصة ومحصورة في هذه الأماكن المعروفة لدى الدولة وتحت إشراف الشرطة والصحة، وفي حالة منعها وإغلاقها فسوف سُفتح بشكل سري وغير مشروع وبعيدة عن انظار الحكومة، وفي أماكن ومناطق سكنية نظيفة، وستخلق مشاكل وآثارا سلبية على المجتمع.
ولم يقتنع أعضاء مجلس النواب بإيضاحات الباشا واصروا على طلبهم بغلق ملاهي بيع الخمر وبيوت البغاء في الميدان، ما ادى إلى خلق أزمة بين رئيس الوزراء ومجلس النواب.
هذه الأزمة شغلت بال وفكر الباشا، وبدأ يبحث لها عن حل مقنع ومرض ٍ للجميع.
وبعد مضي مدة قصيرة وذات يوم، والباشا السعيد كان عائداً من عمله، وموضوع الأزمة يسيطر على عقله، وبعد إن تناول غذاءه وشرب الشاي، فتح جهاز المذياع وبدا يسمع ويطرب لصوت المطرب الكبير محمد القبانجي وهو يغني المقام “اللامي”، وفي لحظات تأمل وطرب، فكر في حل الازمة التي شغلت فكره وعقله، فنهض من مكانه مسرعاً إلى جهاز التلفون واتصل بوزير الداخلية وطلب منه توجيه دعوة عشاء إلى أعضاء مجلس النواب، في مبنى رئاسة الوزراء.
جاء المدعوون النواب في الموعد المحّدد، ودخلوا صالة الطعام ووجدوا الموائد العامرة بكل أنواع الأكلات العراقية والغربية وحتى البغدادية الشعبية، والمشروبات الروحية…
وبعد إن بدأوا بتناول الطعام امر الباشا نوري السعيد، الخدم العاملين في صالة الطعام وبشكل سري بغلق الحمامات والمرافق وجلب مفاتيحها إليه دون إن يعلم احد بذلك.
أكل النواب وشربوا وتبادلوا أطراف حديث الساعة فيما بينهم والباشا في وسطهم يجاملهم ويتبادل معهم الحديث، وبعد إن امتلأت كروشهم، اراد البعض الذهاب إلى الحمامات والمرافق فوجدوها مغلقة.
وحين لم يعرفوا سبب غلقها، بدأ الضيق والتذمر على الوجوه، ولم يتجرأ أحد على إخبار الباشا السعيد بذلك، ما اضطرّ بعضهم الى الخروج من صالة الطعام ليقضي حاجته في حديقة بناية رئاسة الوزراء، والباشا يراقب الوضع عن بُعد حتى ان البعض منهم ضاق ذرعا وهمّ بالمغادرة.
على إثر ذلك، امر نوري السعيد بفتح الحمامات والمرافق، حيث توجّه الأغلبية منهم لقضاء حاجاتهم، ثم دعاهم الباشا السعيد جميعاً، وأوضح لهم الاسباب التي جعلته يأمر بإغلاق الحمامات والمرافق حيث أراد إن يذكرّهم بموضوع أغلاق ملاهي بيع الخمر وبيوت البغي في الميدان، ليخاطبهم:
عندما أغلقنا الحمامات والمرافق عنكم، اضطررتم الى قضاء حاجتكم في أماكن عامة نظيفة غير مخصصة للأمر، كذلك الأمر مع رواد ملاهي الخمر، و بيوت البغاء في الميدان، فلسوف يفعلون مثلكم، ويضطرون الى البحث عن أماكن عامة نظيفة وقد تكون سكنية، لتنفيذ رغباتهم الخاصة، وهذا سيخلق مشاكل اجتماعية خطيرة.
اقتنع النواب بجدوى سياسة الباشا فيما يخص الأزمة، وتم حل الإشكال، وخرج الجميع راضياً !!