الرئيسية / الأخبار / صورة واحدة وروايتان: القوات الأمنية في كردستان تعرض متهماً واحداً في قضيّتين مختلفتين

صورة واحدة وروايتان: القوات الأمنية في كردستان تعرض متهماً واحداً في قضيّتين مختلفتين

السيمر / الجمعة 23 . 12 . 2016 — اقام موقع “نقاش” الاسبوعي ورشة خاصة لمراسليه حول التحقق من المعلومات والصور والفديوات المنتشرة على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وخضع الصحفيون الى تدريب عملي نتج عنه تزويد الموقع بمواد صحفية تمثل النتائج العملية للتدريب.
واختار الصحفيون صورا واخبارا وفيديوات معينة تم تداولها ومشاركتها من قبل المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي او تم نشرها على المواقع الرسمية للحكومة وحققوا في صحتها باستخدام الوسائل والتقنيات التي تعلموها في الورشة إذ تنشر “نقاش” اول مادة اعدها الصحفيون وحققوا فيها أثناء التدريب.

متهم بقضيتين
جرت العادة بعد كل اعتداء من قبل المجموعات المسلحة أن تنشر القوات الأمنية عن طريق الإعلام نتائج إيجاد الخيوط لإلقاء القبض على المتهمين، ولكن المشكلة تكمن في أن الجميع لا يثقون بنشر تلك النتائج.
ومع أن الكثيرين يشيدون بسرعة إيجاد المتهمين ولكن ليسوا قليلين من يعتقدون أن القوات الأمنية حتى وان لم تجد المجرمين الحقيقيين فإنها تحتفظ بمتهمين جاهزين في السجون وتعيد عرض المجرمين الذين اعتقلوا بسبب تهمة أخرى على أنهم متهمون في القضية الجديدة وذلك من اجل إظهار يقظتها.
وتكمن المشكلة في ان تأكيد هذه الحالات ليس بتلك السهولة لأن عمليات اعتقال وإبقاء المجرمين تجري في الغالب بسرية إلا إذا كشفت الأجهزة الأمنية نفسها معلومات عن المتهمين.
وقد تمكن مراسل “نقاش” بالاستناد إلى الصور والفيديوهات والوثائق التي تنشرها القوات الأمنية من التحقق من إحدى القضايا التي عرضت فيها الأجهزة الأمنية وفي مناسبتين مختلفتين الشخص المتهم نفسه ولكن بتهمتين مختلفتين.
فبعد أيام قليلة من الهجوم الذي شنه تنظيم داعش على مدينة كركوك في الحادي والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي أعلن مجلس امن إقليم كردستان اعتقال عدد من المشاركين الرئيسيين في الهجوم ثم نشر فيديو لاعترافات المعتقلين ولكن الفيديو حمل في طياته شكوكا، إذ ان احد الأشخاص الذين يظهرون فيه كان قد أعلن اعتقاله من قبل القوات الأمنية قبل عامين.
ويظهر في الفيديو شخص اسمه احمد حسين عبد الرحمن العزي (24 سنة) كأحد المتهمين في الهجوم على كركوك، وبعد البحث والتحقق من قبل فريق “نقاش” تبين أن الشخص نفسه كان قد اعتقل في الخامس والعشرين من آذار (مارس) عام 2014 بتهمة المشاركة في عملية “إرهابية”.
ويظهر احمد العزي في الفيديو الذي نشر في الثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وبعد تسعة أيام من الهجوم على كركوك وهو يقول في اعترافاته: “أنا من سكنة حي العسكري في كركوك وقد انضممت إلى مسلحي داعش في عام 2016 عن طريق أخي محمد وقد تعاونت مع مسلحي داعش في الهجوم على كركوك واعتقلت من قبل قوات الآسايش في الثاني والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)”.
والتهم التي اعتقل بسببها احمد العزي قريبة من التهم التي اعتقل بسببها قبل عامين حيث أفاد بيان لقوات الآسايش التابعة للحزب الديمقراطي ضمن حدود كركوك آنذاك انه اعتقل مع اخيه محمد في حي الزوراء في المدينة بتهمة التخطيط لعمل “إرهابي” ونقل الأسلحة والمتفجرات الى داخل كركوك في وقت لم يكن داعش قد ظهر في العراق بعد.
البيان الذي أرسل قبل عامين من البريد الالكتروني الرسمي للآسايش إلى القنوات الإعلامية نشرت معه صورة لأحمد العزي وقد تم إخفاء عينيه، ولكن بمقارنة نقاط محددة من ملامح وجهه والمعلومات الموجودة في اعترافه يمكن التعرف عليه بأنه الشخص نفسه الذي نشرت اعترافاته هذا العام من قبل مجلس امن الإقليم. وقد ذكر اسم احمد العزي في بيان عام 2014 بالحروف وتمت الإشارة الى انه اعتقل مع أخيه محمد الذي ذكر اسمه هو الآخر بالحروف.
وقام فريق (نقاش) الذي تحقق من الفيديو والصورة بالتأكد من عدة حقائق، فقد كتب اسم المتهم في بيان عام 2014 على هذا النحو (ا.ح.ع) وهو الأحرف الأولى من اسم الشخص الذي كتب في الفيديو كاملا (احمد حسين عبد الرحمن العزي).
وعند مقارنة الصورتين تظهر إشارات دقيقة منها شبه شكل الإذن وانحناء الحاجب كما إنهما يملكان الفم نفسه والشفة وشامة بارزة تحت الشفة السفلى، ويملكان شكل الشعر نفسه والجبهة وكذلك قامتهما متشابهة.
ومن خلال البحث والتنقيب تبين انه لا توجد معلومات عن ذلك الشخص منذ اعلان اعتقاله عام 2014 لا في الانترنيت ولا في شبكات التواصل الاجتماعي، وعلمت “نقاش” من قانوني مطلع ان المتهم شوهد في السجن قبل أربعة اشهر فقط من الهجوم على كركوك.
ولم تفلح جميع محاولات “نقاش” للحصول على تصريح من الآسايش والاجهزة الامنية حول القضية حتى ان محاولات كثيرة بذلت للحصول على تصريح من ذوي المتهم إلا أنها كانت دون جدوى وقال الشخص الذي حاول ترتيب اللقاء لـ “نقاش” انه لا احد يجرؤ على الحديث نظرا لحساسية الوضع والخوف.
وقال حاتم الطائي عضو المجلس السياسي العربي في كركوك لـ”نقاش”: ان “الأحداث التي يعتقل فيها أشخاص من دون ان يعرف من هي الجهة التي قامت بالاعتقال والتهمة الموجهة إليهم تتكرر”.
وتنص الفقرة الثامنة من المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان على أن تقديم التسهيلات للإرهابيين وإخفاءهم او التستر عليهم تعد جرائم إرهابية يعاقب عليها بالإعدام.
وكان بيان الاسايش التابع للحزب الديمقراطي الصادر قبل عامين أفاد بأن احمد العزي اعترف حينها بجريمته ولا يرجح اطلاق سراحه حسب قانون مكافحة الإرهاب.
وينتمي احمد العزي الى عشيرة العزة التي تنتشر في مناطق جنوب كركوك، إلا ان عددهم اقل مقارنة بالعشائر العربية السنية الأخرى.
وقال سياسي عربي سني لـ”نقاش” فضل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع: “لا نجرؤ على التدخل في القضية في مثل هذه الحالات وان كنا نعلم ان الشخص المعتقل بريء اذ يحتمل ان يتم استهدافنا أيضاً”.
وأضاف: “نرى الكثير من القضايا التي يعتقل فيها أشخاص بتهمة الإرهاب ثم يتبين انه أطلق سراحهم او يستخدمون في قضية أخرى”.
وتتواجد داخل حدود مدينة كركوك قوات الآسايش التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي اليه مستشار مجلس امن الإقليم أيضاً.
وعندما هاجم داعش في الحادي والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) مواقع في المدينة بدأت المنافسة بين القوات الامنية الكردية المختلفة في المنطقة من اجل الحصول على مكاسب اكبر في الحادث بهدف اثبات حرصها على تأمين الأمن للمدينة المتنازع عليها بين الاقليم والمركز او الإيحاء بأنها حامية للمدينة.
وتكررت مثل تلك التجارب في إقليم كردستان ولاسيما عند حدوث توترات سياسية او امنية او تظاهرات حيث تكشف القوات الامنية في الوقت نفسه تخطيط مجموعة ما للقيام بأعمال عنف وقد وصل بعض تلك التجارب الى حد ينظر اليها البعض بريبة ويسجل فيها ذوو الضحايا دعاوى.
وتحدث بيستون فائق عضو لجنة حقوق الانسان في برلمان كردستان عن وصول عدد من الشكاوى من قبل ضحايا تلك “السيناريوهات” الى اللجنة، وقال لـ”نقاش”: ان “هناك أشخاص اشتكوا الينا عن انه تم تهديدهم في السجن باختلاق سيناريو ان لم يقوموا بأمر معين أو تخلق القوات الأمنية سيناريوهات اثناء الأحداث بهدف تشويه القضايا”.
وذكر فائق قضية مقتل الصحفي كاوه كرمياني عام 2013 الذي تقول أسرته إن لديها شكوكاً حول الشخص المعتقل بتلك التهمة.

الشكوك نفسها أحاطت بقضية مقتل الصحفي سردشت عثمان في مدينة أربيل عام 2010 عندما تم اختطافه ثم قتله، وقد حمّلت وزارة الداخلية في الإقليم تنظيم القاعدة مسؤولية مقتله إلا أن أسرته لم تقتنع بنتائج التحقيقات.
ومع أن ضياء بطرس رئيس هيئة حقوق الإنسان في اقليم كردستان أشار الى انه لم تصادفهم قضية يستخدم فيها المعتقلون في سيناريو يتعلق بحادث غير الذي اعتقلوا بسببه ولكنه قال لـ”نقاش”: ان “هناك احتمال وجود مثل هذه الحوادث ولا نقول إنها غير موجودة، نحن لا نستطيع التدخل اثناء التحقيق بل إن عملنا يأتي بعد قرار المحكمة”.
شكوك مواطني اقليم كردستان حول البيانات الرسمية في خضم الأزمات السياسية لم تأت من تلقاء نفسها فقد بات خلق السيناريوهات في بلدان الشرق الأوسط لإخفاء حدث اكبر احد أدوات اللعبة السياسية.
وشدد الدكتور كامران برواري أستاذ العلوم السياسية في جامعة دهوك على ان هناك شكوكا من خلق سيناريوهات من قبل القوات الأمنية في اقليم كردستان كما يتم اللجوء الى مثل تلك السيناريوهات في بلدان الشرق الأوسط.
وقال برواري لـ “نقاش”: ان “الاسباب وراء خلق هذه السيناريوهات كثيرة ربما تكون لزيادة شعبية قوة أمنية معينة بين المواطنين او لترهيب أشخاص آخرين او في بعض الاحيان تكون للفت انتباه الناس الى القضية وإبعادهم عن قضية رئيسية يقصدونها”.

صوت الجالية العراقية

اترك تعليقاً