السيمر / الاحد 21 . 05 . 2017
معمر حبار / الجزائر
من بين القرارات المصيرية التي إتخذتها في حياتي ولم أندم عليها أبدا، بل سعيد كل السعادة أني إتخذتها عن يقين ودراية، هو التقاعد.
ولعلّ من غرائب الصدف أن العالم يحتفل بيوم العمل كل 1 ماي، وأنا أحتفل بالتقاعد باعتباري استفدت من عطلتي إبتداء من 2 ماي 2016، وبعدها الاستفادة من التقاعد مباشرة.
في سنة 2010، أقامت جامعة الشلف تربصا للأمناء العامون حول قانون الصفقات، وكان المشرف على التربص هو الأستاذ دالي المراقب المالي لشلف وولايات أخرى، وكان يومها متقاعد ويعمل مستشار لبعض الهيئات التجارية، وحدّثنا بحديث لا أنساه أبدا، ولطالما أعدته في المجالس العامة والخاصة، حيث قال: إذا استفدت من التقاعد فاسأل عن أمرين إذا توفرا فأنت خير الناس، وهما: الصحة والعافية، وما عداهما تابع.
والمرء الآن يعلنها بصريح العبارة بأنه في كامل صحته ومعافى في أهله وأبنائه والقليل الذي يملك، وتلك نعمة يتمنى من يعيشها أن يعيشها غيره ويتمتع بها.
لم أندم على قرار إتخذته طيلة ربع قرن عمل في الجامعة، ولم أندم على قول أو فعل إتخذته أثناء عملي ولصالح الجامعة، وأنا فخور بما قدمت وأنجزت والأصداء التي تصلني من الكثير تشرح الصدور، وكان على جامعة الشلف أن تستفيد أكثر من تجربتي وخبرتي.
يسألني الكثير عن كيفية قضاء الوقت، فأجيب أن وقتي للقراءة والكتابة، ولعلّ هذه الميزة من أعظم ميزات التقاعد، فلو لم يكن للتقاعد غير فائدة القراءة لكفته شرفا ورفعة.
يقول لي الزملاء: وكيف علاقتك مع زوجك بعد التقاعد؟، فأجيبهم بغير ما يتوقعون وينتظرون: هدوء، وتفاهم، وانسجام، وتعاون، وما هو معروف لدى أغلب العائلات مما لا يهدم السقف ولا يخرب البيوت، فقد زال الضغط الذي كان من وراء بعض مايفسد المودة والقربى، وحلّ محلّه ما يعزّز العلاقة بين القلبين ويقويها.
يقول لي أكثر من زميل: تعودنا أن نرى المتقاعد أقرب إلى القبر لأن المتقاعد كان لايستفيد من تقاعده إذ بالموت يستقبله لأنه كان يخرج وهو العجوز الهرم، حتى أن أحد الزملاء ظل يقسم أني لست المتقاعد، وهو يرى الشاب أمامه، وقد كررها مرارا.
ونصيحتي للشباب أن يسرعوا في الزواج، حتى إذا استفادوا من التقاعد كان أبناؤهم عونا وسندا، فالشاب إذا تأخر في الزواج وتقاعد كان عالة على أبنائه، لأنه لا يستطيع أن يلبي حاجاتهم وهم صغار، خاصة وأنه لم يعد ذلك الشاب الذي يقفز ويجري.