أخبار عاجلة
الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / شرح لقصيدة أبي العلاء المعري (أطلال)
أبا العلاء المعري

شرح لقصيدة أبي العلاء المعري (أطلال)

السيمر / السبت 29 . 07 . 2017

الأستاذة هند بشير يونس

قصيدة ( أطلال) لابي العلاء المعري هي احدى القصائد الرائعة التي جاءت في ديوانه (سقط الزند). وقد أبدع المعري في استخدام اللغة العربية وتسخيرها لبيان رهافة احساسه وحرارة روحه وغنى نفسه. وقد دفعني جمال القصيدة الى تقصي معانيها وبيان مقاصدها.
الجزء الاول:

مغاني اللوى من شخصك الیوم أطلال .. وفي النوم مغنى من خیالك محلال
معانیك شتى والعبارة واحد .. فطرفك مغتال وزندك مغتال
وأبغضت فیك النخل والنخل يانع .. وأعجبني من حبك الطلح والضال
وأھوى لجراك السماوة والقطا .. ولو أن صنفیه وشاة وعذال
حملت من الشامین أطیب جرعة .. وأنزرھا والقوم بالقفر ضلال
يلوذ بأقطار الزجاجة بعدما .. أريقت لما أھديت في الكثر أمثال
فسقیا لكاس من فم مثل خاتم .. من الدر لم يھمم بتقبیله خال
صحبت كرانا والركاب سفائن .. كعادك فینا والركائب أجمال
أعمت إلینا أم فعال ابن مريم .. فعلت وھل يعطى النبوة مكسال
كأن الخزامى جمعت لك حلة .. علیك بھا في اللون والطیب سربال
عجبت وقد جزت الصراة رفلة .. وما خضلت مما تسربلت أذيال
متى ينزل الحي الكلابي بالسا .. يحییك عني ظاعنون وقفال
تحیة ود ما الفرات وماؤه .. بأعذب منھا وھو أزرق سلسال
فإن زعموا أن الھجیر استشفھم .. إلیھا فمنھا في المزايد أسمال
أتعلم ذات القرط والشنف أنني .. يشنفني بالزأر أغلب رئبال

الشرح:
– مغاني اللوى من شخصك الیوم أطلال .. وفي النوم مغنى من خیالك محلال
اي ان منازلك في اللوى خالية منك، ولا يرى فيها الا الاطلال, وأما في النوم فإنها عامرة بك. فخيالك يحل منزلا في النوم, فهو محلال لكثرة ما يحل فيه ( اي اننا لا نراك في الحقيقة ولكن طيفك يزورنا دائما).
– معانیك شتى والعبارة واحد .. فطرفك مغتال وزندك مغتال
صفاتك كثيرة وان كانت العبارة واحدة وهي انك حسناء. فطرفك مغتال يهلك النفوس وزندك ريان ممتلئ. (مغتال الأول، تعني اغتاله بمعنى أهلكه، والثاني بمعنى الغيل بالفتح وهو الساعد الريان الممتلي).
– وأبغضت فیك النخل والنخل يانع .. وأعجبني من حبك الطلح والضال
الطلح هو من شجر البراري, والضال نوع من انواع السدر. وكلاهما لا ينبت الا في البراري كما ان ثمرهما ليس بنافع. يقول المعري: احببت الطلح والضال لانك تسكنين في منابتهما اي في البادية, وأبغضت النخل اليانع لانك لاتعيشين في منابته.

– وأھوى لجراك السماوة والقطا .. ولو أن صنفیه وشاة وعذال
كما اني اهوى السماوة (ارض السماوة التي نعرفها) واهوى القطا الذي يرى فيها عادة, رغم ان صنفي القطا وشاة وعذال (القطا جنسان كدري وجوني. وقد شبه العذال بالكدري من القطاة لان غاية ما تفعله هو اثارة الكدر في قلوب العشاق. وشبه الوشاة بالجوني من القطا لغلبة السواد عليها, فالوشاة وجوههم سوداء من وشاياتهم فكأنها تطير كطيران القطا حاملة معها السئ من الاخبار).

– حملت من الشامین أطیب جرعة .. وأنزرھا والقوم بالقفر ضلال
اي ان حبيبته لما زارته في المنام لثمته وأهدت اليه جرعة نزرة (قليلة) من ريقها وأصحابه قد ضلوا طريقم في الفلاة. اي ان ما كان فيه من شدائد ضلال الركب لم يمنعه من التفكر فيها.

– يلوذ بأقطار الزجاجة بعدما .. أريقت لما أھديت في الكثر أمثال

يقول ان ما اهديته لنا من ريقك علق بنا رغم قلته كما يتعلق الخمر بالزجاجة بعد ان يسكب منها.

– فسقیا لكاس من فم مثل خاتم .. من الدر لم يھمم بتقبیله خال

شبه الشاعر فم حبيبته بالخاتم لما يحمله من عقيق الشفاه. يقول: هنيئا لكأس يمسه فم المحبوبة الذي يشبه خاتما من الدر, والذي لا يطوله حتى الخال الذي على وجنتها.

– صحبت كرانا والركاب سفائن .. كعادك فینا والركائب أجمال

الكرى هو النوم. والعاد هو جمع عادة. اي صحبتنا في البحر كما صحبتنا في البر ( الركاب سفائن تعني السفر بواسطة السفن, والركائب أجمال تعني السفر في البر على الجمال).

– أعمت إلینا أم فعال ابن مريم .. فعلت وھل يعطى النبوة مكسال
يقول عندما أتيت الينا هل كان قدومك عوما (سباحة) ام انك اتيت مشيا على الماء كما فعل السيد المسيح (ع), وهل ياترى أعطيت النبوة أم انها لا تعطى لمكسال (لا تعطى النبوة للنساء. وتوصف المرأة بالمكسال اي كثيرة الكسل تغزلا بها وتحببا اليها).
– كأن الخزامى جمعت لك حلة .. علیك بھا في اللون والطیب سربال
زهر الخزامى يضرب به المثل لطيب رائحته وللونه الابيض الضارب الى الحمرة, وتشبه به الخدود لمخالطة الحمرة بالبياض. يقول الشاعر: كان زهور الخزامى جمعت لينسج منها حلة تسربلك.
– عجبت وقد جزت الصراة رفلة .. وما خضلت مما تسربلت أذيال
اي كيف جزت دجلة والفرات (الصراة) دون ان يبتل ذيل حلتك التي ترفلين بها.

– متى ينزل الحي الكلابي بالسا .. يحییك عني ظاعنون وقفال

(بالس هي بلدة حبيبته على شط الفرات في الشام, الحي الكلابي هو اشارة الى ان محبوبته هي من كلاب بن مرة). اي متى تصلين الى بالس فينقل اليك المسافرون (الظاعنون) والراجعون (القفال) تحيتي.
– تحیة ود ما الفرات وماؤه .. بأعذب منھا وھو أزرق سلسال

اي يحمل المسافرون والعائدون تحيتي اليك وهي تحية ودّ عذبة ليس الفرات وماؤه الازرق الرقراق باعذب منها.

– فإن زعموا أن الھجیر استشفھم .. إلیھا فمنھا في المزايد أسمال
فإن زعم الظاعنون والقافلون أن الهجير وهو شدة الحر شوّقهم إلى تلك التحية العذبة كعذوبة ماء الفرات- فشربوها فقد بقيت منها بقية في الزاد تروي غلتك وتبرد لوعتك. ما اروعه من تعبير يصور للقارئ ان تلك التحية العذبة هي كالماء المحمول في المزايد اي القرب يرسله المحب الى محبوبته فيشرب القوم ذلك الماء بحجة شدة الحر ولا يبقى الا القليل في تلك القرب. ومع ذلك فان ذلك القليل المتبقي يكفي لكي يروي الغليل ويبرد اللوعة. فيا لها من تحية.

– أتعلم ذات القرط والشنف أنني .. يشنفني بالزأر أغلب رئبال

اي أتعلم ذات القرط والشنف (ما علّق في طرف الاذن) انه لا يشنّف أذني الا زئير الأسد الغليظ العنق( الاغلب الرئبال). وكأنه يقول ما أبعد حالي من حالها. وهو دليل ايضا على أنه يألف الفلوات, فزئير الاسود ملائم لاذنه كملازمة الشنف.

الجزء الثاني من شرح قصيدة أطلال :

فیا دارھا بالحزن إن مزارھا .. قريب ولكن دون ذلك أھوال
إذا نحن أھللنا بنؤيك ساءنا .. فھلا بوجه المالكیة إھلال
تصاحب في البیداء ذئباً وذابلاً .. كلا صاحبیھا في التنوفة عسال
إذا أغرب الرعیان عنھا سوامھا .. أريح علیھا اللیل ھیق وذيال
تسيء بنا يقظى فأما إذا سرت .. رقاداً فإحسان إلینا وإجمال
بكت فكأن العقد نادى فريده .. ھلم لعقد الحلف قلب وخلخال
وھل يحزن الدمع الغريب قدومه .. على قذم كادت من اللین تنھال
تحلى النقا درين دمعا ولؤلؤا وولت .. أصیلاً وھي كالشمس معطال
بأشنب معطار الغريزة مقسم .. لسائفه أن القسیمة متفال
فلا أخلف الدمع الذي فاض شأنھا .. دعاء لھا بل أخلف النظم لأآل
وغنت لنا في دار سابور قینة .. من الورق مطراب الأصائل میھال
رأت زھرا غضاً فھاجت بمزھر .. مثانیه أحشاء لطفن وأوصال
فقلت تغني كیف شئت فإنما .. غناؤك عندي يا حمامة إعوال
وتحسدك البیض الحوالي قلادة .. بجیدك فیھا من شذا المسك تمثال
ظلمن وبیت لله كم من قلائد .. تؤازرھا سور لھن وأحجال
فآلیت ما تدري الحمائم بالضحى .. أأطواق حسن تلك أم ھن أغلال

الشرح:

– فیا دارھا بالحزن إن مزارھا .. قريب ولكن دون ذلك أھوال

الحزن هو ما ارتفع من الارض وغلظ, والمزار هو الموضع الذي يزار فيه. فكأن دار الحبيبة فوق مرتفع من الارض والوصول اليه صعب رغم قربه.

– إذا نحن أهللنا بــنؤيـك ساءنا .. فهلا بوجـه الـمـالكـيـة إهـلال

الاهلال هو ان يرفع المرء صوته بذكر الله تعالى عند رؤية شئ يحدث له. والنؤى هي حاجز يمنع الماء ان يدخل الخباء او الخيمة. فيقول اننا اذا رأينا نؤيك وأهللنا به يعز علينا ويسوؤنا ان لانرى وجهك فنهلّ به. من الطريف ان كل بيت يأتي مكملا لمعنى البيت الذي يسبقه. ففي البيت السابق يتكلم عن دارها وصعوبة الوصول اليه, ثم يصف الوصول الى الدار بعد اجتياز الاهوال والاهلال عند رؤية النؤى وتمني رؤية وجهها بعد تلك المشقة.
– تصاحب في البیداء ذئباً وذابلاً كلا صاحبیھا في التنوفة عسال
يقول ان حبيبته بدوية منيعة تصاحب في البيداء الذابل (الرمح) والذئب, وكلاهما في القفر (التنوفة) مضطرب في مشيه (يقال رمح عسّال, وذئب عسّال).

– إذا أغرب الرعیان عنھا سوامھا .. أريح علیھا اللیل ھیق وذيال

واذا ذهب الرعاة بماشيتها بعيدا عن المضارب فلم يبق ما ينحر لها, ردّ لها بالعشيّ بقر الوحش والنعام (الهيق هو ذكر النعام, والذيّال هو الثور الطويل الذيل). وهذا يعني انها في بحبوحة وليست في شظف من العيش. وإنما قال هذا لأن القوم إذا عزبت عنهم إبلهم كانوا في شظف من عيشهم حتى تعود إليهم. وهذا في الحقيقة وصف لاهلها بالعزة, فإبلهم تذهب حيت شاءت ولا تمنع من ماء ولا مرعى، وليسوا كالأذلاء الذين لا تبعد إبلهم عنهم خشية الإغارة عليها.

– تسيء بنا يقظى فأما إذا سرت .. رقاداً فإحسان إلینا وإجمال

اي انها في يقظتها تسئ الينا بالهجران, ولكنها تحسن الينا عندما تواصلنا في المنام. بعبارة اخرى: تجود علينا بالنوم ما تبخل به في اليقظة.

– بكت فكأن العقد نادى فريده .. ھلم لعقد الحلف قلب وخلخال

القُلب: السوار لليد، والخلخال: للرجل، والفريد واسطة العقد، وغالبا ما يكون ذهبا. ومعنى البيت أنها بكت للفراق فسقط دمعها على سوارها وخلخالها، فكأنهما أرادا عقد حلف مع عقدها فنادياه ليقبل نحوهما فانتثر إليهما لتوثيق العهد.

– وھل يحزن الدمع الغريب قدومه .. على قدم كادت من اللین تنھال

يقول : اليس من حق دموعها التي فارقت جفنها وصارت غريبة ان تبتهج ولا تحزن لوصولها الى قدمها البضة الناعمة ( قدمها التي تنهال لاي شئ يصيبها كما ينهال الرمل).

– تحلى النقا درين دمعا ولؤلؤا .. وولت أصیلاً وھي كالشمس معطال

وعند انقطاع عقدها من شدة الحزن وتساقط حباته وتناثر دمعها, بدا الرمل للناظر وكأنه قد تزيّن بدرّين: لؤلؤ دمعها ولؤلؤ عقدها . ثم ولّت وهي معطال لا حلي عليها ولكنها بدت كالشمس التي تستغني عن الحلي.
في هذه الابيات يصف المعري بكاءها بسبب الفراق وتناثر دموعها المتساقطة على الارض كتساقط حبات العقد بشكل رائع رغم انه اعمى. مما يدل على رهافة حسه وسعة مخيلته.

– بأشنب معطار الغريزة مقسم .. لسائفه أن القسیمة متفال
الاشنب هو صاحب الاسنان البيضاء البراقة , المعطار هو من يتعهَّدُ نفسَهُ بالطِّيب ويكثر منه. القسيمة هي وعاء العطر, المتفال ضد المعطار
اي ان شمّ فم الحبيبة ذات الاسنان البيضاء البراقة يجعله يحلف بان قسيمة العطر امامه متفال غير طيبة.

– فلا أخلف الدمع الذي فاض شأنھا .. دعاء لھا بل أخلف النظم لأآل

الشاعر يدعو لحبيبته بان لا ترى ما يبكيها ثانية وان يعوض لها بائع اللؤلؤ عقدها الذي تناثر.

– وغنت لنا في دار سابور قینة .. من الورق مطراب الأصائل میھال

دار سابور هي دار العلم ببغداد في زمان سكنى المعري ببغداد, القينة هي الحمامة (وليست المغنية), والميهال هي الأنيسة. اي غنتنا حمامة ساكنة في دار سابور وهي في العادة تطرب السامع بغنائها.

– رأت زھرا غضاً فھاجت بمزھر .. مثانیه أحشاء لطفن وأوصال

المزهر هو عود الغناء. المثاني هي الاوتار
اي ان الحمامة رأت زهرا غضا في الربيع فطربت وبدأت تغني فكأن عود الغناء حلقها وأوتاره احشاؤها وأوصالها. اي انه شبّه غناء الحمامة بغناء مغنّ يضرب على ألمثاني من اوتار عوده, فجعل المزهر حلقها ومثانيه احشاؤها واوصالها.

– فقلت تغني كیف شئت فإنما .. غناؤك عندي يا حمامة إعوال

اي انه لما سمع الحمامة تصدح بصوتها قال لها: غني كما شئت, فغناؤك عندي وان كان طربا على رؤية زهر الربيع الا انه يصادف في قلبي شجى وجوى. فهو عندي كالنوح والعويل.

– وتحسدك البیض الحوالي قلادة .. بجیدك فیھا من شذا المسك تمثال

يخاطب الحمامة فيقول لها: ان النساء البيض المحل
اي ان النساء المتزينات بأنواع الحلي يحسدنك ايتها الحمامة على الطوق الأسود الذي هو في عنقك والذي هو بلون المسك.

– ظلمن وبیت لله كم من قلائد .. تؤازرھا سور لھن وأحجال

يقسم الشاعر ببيت الله ان النساء ظلمن الحمامة حيث حسدنها على طوقها الاسود رغم انهن يمتلكن قلائد وأساور وخلاخيل.

فآلیت ما تدري الحمائم بالضحى .. أأطواق حسن تلك أم ھن أغلال

فالحمائم لا تدرك حسن الاطواق التي في أعناقها ولا تدري انها أطواق زينة أم أغلال في الاعناق.

الجزء الثالث من شرح قصيدة ابي العلاء المعري (أطلال)

بدت حیة قصراً فقلت لصاحبي .. حیاة وشر بئس ما زعم الفال
أتبصر ناراً أوقدت لخويلد .. ودون سناھا للنجائب إرقال
وأقتال حرب بفقد السلم فیھم .. على غیرھم أمضى القضاء وإقتال
وعرض فلاة بحرم السیف وسطھا .. ألا إن إحرام الصوارم إحلال
إذا قدحت فالمشرفي زنادھا .. وإن ھي حشت فالعوامل أجذال
تمنیت أن الخمر حلت لنشوة .. تجھلني كیف اطمأنت بي الحال
فأذھل أني بالعراق على شفا .. رزي الأماني لا أنیس ولا مال
مقل من الأھلین يسر وأسرة .. كفى حزناً بین مشت وإقلال
طويت الصبي طي السجل وزارني .. زمان له بالشیب حكم وإسجال
متى سألت بغداد عني وأھلھا .. فإني عن أھل العواصم سأآل
إذا جن لیلي جن لبي وزائد .. خفوق فؤادي كلما خفق الآل
وماء بلادي كان أنجع مشرباً ..ولو أن ماء الكرخ صھباء جريال
حروف سرى جاءت لمعنى أردته .. برتني أسماء لھن وأفعال
يحاذرن من لدغ الأزمة لا اھتدى.. مخبرھا أن الأزمة أصلال
فیا وطني إن فاتني بك سابق .. من الدھر فلینعم لساكنك البال
فإن أستطع في الحشر آتك زائراً .. وھیھات لي يوم القیامة أشغال
وكم ماجد في سیف دجلة لم أشم .. له بارقاً والمرء كالمزن ھطال
من الغر تراك الھواجر معرض .. عن الجھل قذاف الجواھر مفضال
سیطلبني رزقي الذي لو طلبته .. لما زاد والدنیا حظوظ وإقبال
إذا صدق الجد افترى العم للفتى .. مكارم لا تكري وإن كذب الخال

الشرح:

– بدت حیة قصراً فقلت لصاحبي .. حیاة وشر بئس ما زعم الفال

البيت يبين تشاؤم الناس من بعض الامور. فالحية يوحي لفظها بالحياة والغراب يومي لفظه بالغربة وهكذا. ومعنى البيت هو: بدت لي عند العشية حية, فتفاءلت بطول حياة ولكنها حياة شر , فبئس ما وعد الفال( فهو قد تفاءل بما يناسبها من لفظ وما تدل عليه من معنى).

– أتبصر ناراً أوقدت لخويلد … ودون سناها للنجائب إرقال

خويلد هي عشيرة من بني عقيل, سناها يعني ضوء النار,, الارقال يعني السير السريع, النجائب هي الابل القوية الخفيفة
اي انه عندما راى الحية وتفاءل بحياة طويلة ولكن ملؤها الشر التفت الى صاحبه قائلا له: هل ترى نار الحرب التي اوقدت لعشيرة خويلد, انها بعيدة لا يمكن للابل النجائب الوصول اليها حتى لو أسرعت في مشيتها, ولكنها مع ذلك لا يؤمن شرها.

أقتال حرب بفقد السلم فيهم .. على غيرهم أمضى القضاء وإقتال

أقتال مفردها قِتل , أقتال حرب: اي العدو. إقتال (بالكسر) تعني الحكم.
اي ان افراد العدو الذين اضرموا نار الحرب لعشيرة خويلد لا يعرفون السلم وانما دأبهم القتال والحرب, وهم في تمردهم لا يقبلون حكم حاكم. والحكم انما ينفذ على غيرهم لا عليهم.

– يحرم السيف وسطها وعرض فلاة .. ألا انّ احرام الصوارم احلال

(السيف يحرم عندما يجرّد من غمده, فاذا جرّد أحلت الدماء اي سفكت)
اي أن دون هذه الحرب سعة الفلاة. والسيف يجرد من غمده للقتال في هذه الفلاة, وليس في ذلك ضير لان احرامه احلال لسفك الدماء. وهو في ذلك ليس كالاحرام للحج والطواف والذي يمنع المحرم من سفك الدماء.

– اذا قدحت فالمشرفيّ زنادها .. وان هي حشّت فالعوامل أجذال

اذا اشتعلت الحرب فلا زناد لها الا السيوف, وان اوريت نارها فالرماح أجدالها (الأجدال هي أصول الشجر التي تستخدم لاشعال النار).

– تمنّيت أنّ الخمر حلّت لنشوة .. تجهّلني كيف اطمأنّت بي الحال

الشاعر يعبرعن ضيق نفسه لتقلب الاحوال فيقول: تمنيت لو أن الخمر حلال لكي أشربها فتنسيني الحال التي أنا فيها.

– فأذهل أنّي بالعراق على شفا .. رزيّ الأماني لا أنيس ولا مال

اشربها فيغيب عني شعوري بأني في العراق على وشك الموت (انّي على شفا), ضعيف الأماني ليس لي أنيس اّنس به ولا مال.

– مقلّ من الأهلين يسر وأسرة .. كفى حزنا بين مشت واقلال

اليسر هوسعة المال, وقد قرنه بالاسرة لان المرء بحاجة الى كل منهما.
يقول اني قليل المال والاهل فكفاني من الحزن ما انا فيه , فانا بين مشتّ واقلال (اي بين الغربة والفقر).

طويت الصبا طيّ السجلّ وزارني .. زمان له بالشيب حكم وإسجال

اي تجاوزت سن الصبا (طويت سجلّه كطيّ السجلّ للكتب), وأتى علي زمان يكون الشيب فيه كالحكم الذي يصدر من القاضي ويسجل بعد نطق الحكم (الاسجال هو تسجيل الحكم بعد نطق القاضي به).

– متى سألت بغداد عنّي وأهلها .. فانّي عن أهل العواصم سأاّل

اذا ما فارقت بغداد واشتاق اليّ أهلها فسألوا عنّي فلست بسائل الّا عن أهل وطني فهم الذين يعنيني أمرهم (العواصم حصون بأرض الشام ومنها المعرّة وطنه).

– اذا جنّ ليلي جنّ لبّي وزائد .. خفوق فؤادي كلّما خفق الاّل

كلما دخل عليّ الليل أجنّ شوقا لأهل وطني, وعندما يأتي النهار يزداد جنوني كلما نظرت الى لمعان السراب (الاّل هو السراب) لشدة شوقي اليهم.

– وماء بلادي كان أنجع مشربا .. ولو أنّ ماء الكرخ صهباء جربال

اي ان ماء بلادي انفع وأطيب ولو ان ماء الكرخ كماء الذهب (شبه لونه بلون الخمر).

– حروف سرى جاءت لمعنى أردته .. برتني أسماء لهن وأفعال

في هذا البيت جاء ذكر الحروف والاسماء والافعال. وقوله: (حروف سرى جاءت لمعنى اردته) يشبه قول النحاة: حرف جاء بالمعنى. و(حروف سرى) تعني النوق التي تسري في الليل. برتني اي أصابتني بالهزال. ومعنى البيت: ان النوق التي حملتني من موطني الى دار الغربة أصابتني بالهزال عندما أدامت سيرها ونقلتني من بلد الى بلد. فكأن الذي أصابه بالهزال أسماء النوق وأفعالها.

– يحاذرن من لدغ الأزمة لا اهتدى .. مخبرها أن الأزمة أصلال

الأزمّة ومفردها زمام وهو ما يشد به الحيوان كحبل او نحوه لتسهل قيادته. يقول ان هذه النوق لشدة ما اعتراها من الاعياء صارت تتوهم ان أزمّتها حيّات معلّقة بأعناقها فتسرع في سيرها لكي لا تلدغها تلك الحيّات. ثم يدعو فيقول: فلا اهتدى من أوهمها بذلك

– فيا وطني إن فاتني بك سابق .. من الدهر فلينعم لساكنك البال

يا وطني ان كنت قد فارقتك منذ زمن طويل فلينعم ساكنوك براحة البال

– فإن أستطع في الحشر آتك زائراً .. وهيهات لي يوم القيامة أشغال

(ان لم استطع في الدنيا زيارتك وتلك امنيتي فسوف ازورك يوم الحشر, ولكن هيهات لي ذلك لاني ساكون مشغولا بنفسي يوم القيامة).

– وكم ماجد في سيف دجلة لم أشم .. له بارقاً والمرء كالمزن هطّال

اي كم من سيد على شاطئ دجلة لم ار منه خيرا, فهو كالغيم الذي لا يمطر. في حين ان المرء ينبغي ان يكون كالمزن (وهو السحاب الذي فيه بياض) ممطرا. والشيم هو النظر الى البرق توقعا للمطر وسرورا به.

– من الغر ترّاك الهواجر معرض .. عن الجهل قذّاف الجواهر مفضال

الهواجر هي القبائح, يقال رماه بالهاجرات اي تطاول عليه بالكلمات القبيحة. ترّاك الهواجر هو المرء الذي يعرض عن القبائح . والبيت يعني ان على المرء ان يكون كالبحر (قذّاف الجواهر) لا يرى منه الا الخير, وان يبتعد عن القبائح و يعرض عن الجهل (وقد جاء بكلمتي الهواجر والجواهر لتحقيق الجناس).

– سيطلبني رزقي الذي لو طلبته .. لما زاد والدنيا حظوظ واقبال

اي ان رزقي سيأتيني دون أن أسعى في طلبه. ولو طلبته لم يزد. فكل شئ في الدنيا مقدّر ومقسوم والانسان خاضع للاقدار يأتيه من الرزق والخيرات ما كتب له.

– إذا صدق الجد افترى العم للفتى .. مكارم لا تكري وإن كذب الخال

يتراءى للقارئ ان المعري يتكلم عن الجد والعم والخال وانه يلوم بعض اقاربه, الا ان تلك الكلمات استخدمت على سبيل المجاز. فالجد هو الحظ, والعم هو الجماعة, والخال هو المخيلة, تكري اي تنقص. ومعنى البيت هو: (إذا صدق حظ الفتى اخترع له الناس من المكارم ما لا ينقص, اي ماليس موجودا فيه).

28-7-2017

اترك تعليقاً