السيمر / الثلاثاء 22 . 08 . 2017 — شكا بغداديون من أديان وطوائف معينة، تعرضهم لابتزاز وضغوط تمارسها مجموعات تدعي الانتماء الى بعض الفصائل، مادفع بعضهم الى مغادرة البلاد أو تغيير طبيعة العمل ومحل السكن، وفي وقت لم تنفي فيه جهات رسمية وأمنية وقوع مثل تلك الحالات، عزتها جهات برلمانية الى “الخطاب التحريضي”، محددة مجموعة من الحلول.
وعلى الرغم من الاقرار بوجود مثل تلك الحالات الا انها “لا ترتقي” الى العمل الممنهج ولم تقييد رسميا بحسب ما تشير اليه جهات دينية معنية ووزارة الداخلية، التي أكدت تشديد اجراءتها بخصوص حماية الاقليات، وفي حين “تبرأ” الحشد الشعبي من تلك الافعال، أشار التيار الصدري الى دوره في رد بعض “المظالم”.
ابتزاز وتهديد!
اولى الشهادات كانت لمواطن صابئي يمتهن صياغة الذهب قبل أن يضطر الى مغادرة البلاد.
ويقول المواطن الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن “رجلا عرف نفسه كقيادي في فصيل مسلح، كانت له سطوة في أحد مناطق جنوب غربي العاصمة، قد دخل محله ذات مرة وطالبه بمبالغ مالية شهريا مقابل الحماية، وهدده في حال الرفض”.
ويضيف، أن “أغلب اصحاب المحال في تلك المنطقة كانوا يخضعون لمثل ذلك النوع من الممارسات، ما دفعه الى الموافقة”، مؤكدا أنه “اضطر بعد اشهر من الحادثة ولتدهور اوضاعه المادية وعدم قدرته على توفر الاتاوات الشهرية، الى اغلاق المحل ومغادرة البلاد خوفا على حياته، بعد أن تعرض للتهديد بسبب التوقف عن الدفع”.
من جانبه، يقول أحد أصحاب المطاعم سابقا في حديث لـ بغداد اليوم، إن “مجموعة مكونة من 3 أشخاص كانوا ينتمون سابقا لفصيل مسلح فرض سيطرته على بغداد، قاموا بزيارة المطعم لعدة مرات، وعرضوا عليه شراكة من نوع خاص يقدم هو فيها نصف ارباحه شهريا مقابل مشاركة بسيطة منهم في راس المال وتوفير الحماية”.
ويضيف، أن “تلك الضغوطات دفعته الى ترك مطعمه صوب مجال عمل ثان بعيد عن مثل تلك التعرضات التي قد تكون عواقبها وخيمة”.
بدوره يقول صاحب محل للمعجنات يقع في منطقة ذات أغلبية من طائفية لا ينتمي لها، إن “أغلب أصحاب المحال من الطوائف والاديان التي تخالف الاغلبية على شاكلته يضطرون الى بذل الاموال لاشخاص يدعون الانتماء الى بعض فصائل الحشد الشعبي بحجة التبرعات أوغيرها مقابل الحماية”.
ويكشف المواطن الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، عن “تعرضه الى اعتداء بعبوة صوتية اعتقل صاحبها واطلق سراحه بعد فترة”، مرجحا أن “تكون دوافع الاعتداء منافسة بين مجاميع مسلحة على اموال الاتاوات”.
مسيحي و”جرش” عشائري!
الشهادات شملت ما كشف عنه المسيحي (د. أ) من تعرض أحد أقربائه وهو أحد أصحاب المشاريع المعروفة الى المضايقة والابتزاز ما دفعه الى حل من نوع اخر.
ويقول لـ (بغداد اليوم)، إن “قريبي الذي يمتلك متجرا كبيرا ومعروفا للمواد والتجهيزات الغذائية في منطقة الكرادة، قد اضطر الى تغيير ديانته واللجوء الى أحد العشائر ذات السطوة من خلال ما يعرف بـ(الجرش)”.
ويضيف، أن “ذلك كان نتيجة لابد منها للتخلص من الضغوط وأنواع الابتزاز التي يتعرض لها من جهات متنفذة”، مشيرا الى “نوع جديد من الابتزاز دفعه ضريبة لذلك، تمثل باستغلال أفراد العشيرة التي لجأ اليها من خلال تبضع شهري دون مقابل مادي”.
الامنية البرلمانية: الابتزاز يطال الجميع
حالات الابتزاز والمساومة مقابل عدم التعرض لا تشمل مكونا دون اخر او طائفة دون اخرى بل تطال الجميع بحسب لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب.
ويقول رئيس اللجنة حاكم الزاملي في حديث لـ بغداد اليوم، إن “جرائم الابتزاز لا تقتصر على المسيحيين والصابئة والسنة، بل تطال فئة من الشيعة أيضا في بعض مناطق بغداد”.
ويضيف، أن “حوادث من ذلك القبيل تعرض لها أصحاب بعض مولدات الكهرباء الاهلية، خاصة في منطقتي الحرية والشعلة في بغداد”.
الخطاب التحريضي
الى ذلك يقول مقرر مجلس النواب عماد يوخنا في حديث لـ(بغداد اليوم)، إن “هناك شخصيات سياسية وأخرى تتسلم مناصب مهمة في الدولة تؤمن بإباحة دماء وأموال ابناء الديانات من غير المسلمين”.
ويضيف، أن “أبناء تلك الديانات ليسوا بأقليات، فهم ابناء العراق قبل ظهور الإسلام وينتمون لقوميات أصيلة مثل الاشوريين والارمن والسريان والكلدان، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومات المتعاقبة على حكم العراق دائما ما كانت تعتمد سياسية الاضطهاد بحقهم”.
ويرى يوخنا أن، “الخطاب التحريضي الذي يصدر من بعض رجال الدين على المنابر ضد المسيحيين والصائبة، واعتبارهم كفرة وإباحة أموالهم ودمائهم، قد تسبب بزيادة الانتهاكات التي تحصل ضد أبناء هذه الطوائف”، عادا أن “الحكومة لم تستجب لمقتضيات حمايتهم بالمستوى المطلوب، لوجود شخصيات سياسية وأخرى تتسلم مناصب مهمة في الدولة والقضاء تؤمن بهذه الأفكار”.
ويؤكد يوخنا، أن “جرائم ابتزاز الصابئة والمسيح، والتجاوز على أملاكهم لا يقتصر على بغداد، بل وانما تحصل ايضا في محافظات اقليم كردستان وكركوك وسهل نينوى”، متهما ضباطا وقضاة ضمن اللجنة التي شكلتها قيادة عمليات بغداد لإعادة أملاك المسيح والصابئة “المغتصبة” بـ”تعطيل عمل اللجنة أو التأخر في إعادة الأملاك الى أصحابها مقابل رشوى، وكذلك تزوير الوثائق الخاصة بإملاك المسيحيين، وعدم الاعتماد على الأدلة الدقيقة”.
ودعا يوخنا الشيعة والسنة والكرد، الى “التفكير في الأسباب التي جعلت من شركائهم في الوطن أقليات، والاقتداء بنبي الاسلام محمد، الذي أنصف المسيحيين في زمانه والإمام علي الذي كان يعتبر الانسان المختلف عنه، أما اخ له في الدين او نظيرا في الخلق”.
الوقف المسيحي يعلق!
بدوره، نفى الوقف المسيحي، تسجيل أي حالة ابتزاز او تهديد أو تغيير ديانة في بغداد بشكل رسمي.
وقال مدير اعلام الوقف هاني قسطو في حديث لـ(بغداد اليوم)، إن “الوقف المسيحي لم يسجل رسميا اي حالة تهديد او ابتزاز تعرض لها ابناء الديانة المسيحية في بغداد، وكذلك لم تسجل عندنا أي حالة تغيير ديانة”.
وعد قسطو، أن “عدم وجود الطابع العشائري في تركيبة الديانة المسيحية يدفع ابناءها الى اللجوء لعشائر اصدقاء لهم او أقارب فيما يعرف بـ(الجرش) من اجل حل المشاكل العشائرية التي تعترضهم مثل الحوادث وغيرها”.
وحول امكانية وجود حالات لم يتم تبليغ الوقف بها، لخوف أصحابها من التبليغ او تفضيلهم إبقاء الموضوع سرا، دعا قسطو الى “الرجوع لمراكز الشرطة والجهات المعنية للتأكد”.
الحشد يتبرأ
من جهتها، تتهم هيئة الحشد الشعبي، “عصابات الجريمة المنظمة” باستغلال عدة عناوين، من بينها مسميات فصائل الحشد لابتزاز المواطنين، مؤكدة مساهمتها باعادة بعض المنازل التي استولت عليها تلك العصابات.
ويقول المتحدث باسم الهيئة أحمد الاسدي لـ (بغداد اليوم)، إن “عصابات الجريمة المنظمة تتحرك باستخدام عناوين مختلفة كالحشد الشعبي وفصائله المسلحة والجيش ومذاهب معينة، للتجاوز على الأقليات الدينية وأملاكها، في حال ثبوت ذلك فعلا”، معربا عن رفض وإدانة الحشد الشعبي لـ “جرائم هذه العصابات”.
ويؤكد الاسدي، أن “عدد من قيادات الحشد وبالتنسيق مع أبناء الديانة المسيحية والأجهزة الأمنية تحركت باتجاه إعادة الأملاك الى أصحابها، بعد أن تم الاستيلاء عليها من قبل تلك العصابات”، داعياً الى “مكافحة مثل هذه الاعمال بشدة”.
بدوره، عد المتحدث باسم حركة أهل الحق (العصائب) أهل الحق جواد الطليباوي، الإصرار على أتهام فصائل الحشد الشعبي بهذه الممارسات محاولة لـ “تشويه صورة تلك الفصائل”.
ويقول الطليباوي في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن “عصائب أهل الحق تحركت بعد ورود معلومات عن قضايا ابتزاز تحدث باسمها، فاكتشفنا بإن عصابات الجريمة المنظمة استغلت أسم العصائب وغيرها من فصائل الحشد الشعبي للقيام بهذه الاعمال، المدانة من قبلنا”، مشيرا الى “وجود تنسيق وتواصل بين العصائب وبين الأجهزة الأمنية لرصد هذه الحالات”.
ويرى الطليباوي، ان “الهدف من إصرار البعض على اتهام الحشد الشعبي بمثل هذه الجرائم يهدف الى تشويه صورة فصائله”.
ويؤكد المتحدث باسم الحركة، أن “تبرعات المواطنين لحركته تتم عبر مكاتب ممثلياتها الرسمية المنتشرة في عموم المحافظات، أو عن طريق أرقام حسابات مصرفية تعود لها”، داعيا من يتعرض للابتزاز تحت عنوان فصائل الحشد الى “تبليغ مكاتب الحركة لاتخاذ اللازم”.
التيار الصدري: نرفع المظالم
مدير مكتب التيار الصدري في بغداد – الرصافة أبراهيم الجابري من جانبه، يقول في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن “اللجنة التي أمر بتشكيلها زعيم التيار مقتدى الصدر في بغداد لرفع المظالم عن جميع أبناء الشعب العراقي تحرز تقدما في عملها هذه الأيام”.
ويضيف الجابري، أن “من ضمن رؤى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، هي حماية جميع أبناء الشعب العراقي على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وأملاكهم، ودور عبادتهم كالكنائس والجوامع بكل ما يملك التيار من قوة”.
ويشير الجابري، الى إن “الصدر امر بتشكيل لجنة في النجف وأخرى في بغداد لاستقبال شكوى المواطنين ورفع المظالم عنهم، بعد تقديمهم لأوراقهم الثبوتية، والأدلة حول ما تعرضوا اليه”، داعيا المواطنين الذين تعرضوا لمظلمة الى “تقديم شكوى موثقة بالأدلة الكافية عند هذه اللجان لرفعها عنهم”.
أمنية بغداد: هناك تقصير!
اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد، من جانبها اتهمت وزارة الداخلية بـ “التقصير” في حماية الأقليات الدينية في العاصمة.
ويقول عضو اللجنة سعد المطلبي في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن “وزارة الداخلية لم تقم بتأهيل أفراد الشرطة والمراكز الأمنية، لكي يطمئن المواطن عند تقديمه الشكوى في حال تعرض لابتزاز”، متهماً الوزارة بـ “التقصير في حماية الأقليات الدينية في العاصمة”.
الداخلية: حالات فردية!
بدورها، عدت وزارة الداخلية، حالات الاعتداء على الأقليات الدينية حالات “فردية”، لا ترتقي الى اسلوب الاستهداف المنظم.
ويقول المتحدث باسم الوزارة العميد سعد معن في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن “الوزارة لم تؤشر وجود حالات جريمة منظمة تستهدف الاقليات الدينية”، مبينا أن “الجهات الامنية لم تعتقل اي عصابة متورطة بهذا النوع من الجرائم”.
ولم ينفي معن “حصول اعتداءات فردية من قبل البعض بالسيطرة على أملاك تعود للأقليات الدينية، كعقارات او غيرها من الاملاك”، مؤكدا أن “الاجهزة الامنية تتدخل في مثل تلك الحالات وتعتقل المتورطين فيها”.
وأضاف معن، أن “الاجهزة الامنية تهتم بالأقليات أكبر من باقي الشرائح، وفق توجيهات خاصة بالعناية بهم وحماية اماكنهم ومقدساتهم من اي اعتداء”، داعيا اي مواطن يتعرض لمثل تلك الاعتداءات او الابتزاز الى “التواصل مع الوزارة ليتم اتخاذ اقصى العقوبات بحق الجهات التي تمارس الابتزاز”، مؤكداً أن “أبواب وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد مفتوحة للتبليغ عن هذه الحالات”.
الامن البرلمانية: هذه توصياتنا
اما لجنة الامن والدفاع النيابية، فقد أشارت الى تصاعد وتيرة عمليات “الابتزاز” في الآونة الأخيرة، مؤكدة عزمها الاجتماع مع قادة الأجهزة الأمنية لتنفيذ توصياتها بهذا الخصوص.
ويقول رئيس اللجنة حاكم الزاملي في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن “وتيرة عمليات الابتزاز التي تنفذها عصابات قد تصاعدت في الآونة الأخيرة”، مؤكدا “براءة الحشد الشعبي من هذه الجرائم والعصابات التي تنفذها”.
ويضيف الزاملي، أن “لجنة الامن والدفاع النيابية عقدت اجتماعا مهما في الأيام القليلة الماضية لمناقشة هذه القضية، نتج عنه عدة توصيات منها تخصيص قوة أمنية في بغداد، لتنفيذ أوامر القبض بحق الأشخاص المتورطين في أعمال الخطف والابتزاز، والتي صدر عدد منها لكنها لم تنفذ لحد الان”، مبينا أن “اللجنة طالبت بإن يكون جهاز مكافحة الإرهاب هو من يقوم بهذا الدور لما له من قوة، ولبعده عن كل الضغوطات”.
وكشف الزاملي، أن “من بين تلك التوصيات افراغ العاصمة بغداد من المقرات العسكرية التابعة للأحزاب أو فصائل الحشد، ومنع سير المركبات المظللة التابعة للأحزاب دون رقابة، وكذلك منع حمل الهويات الصادرة منها، والتي تسمح للأشخاص بحمل السلاح”، مؤكدا أن “اللجنة ستعقد اجتماع اخر مع قادة الأجهزة الأمنية لتنفيذ هذه التوصيات بأسرع وقت”.