الرئيسية / مقالات / كربلاء بين العَبرة والعِبرة

كربلاء بين العَبرة والعِبرة

السيمر / الخميس 21 . 09 . 2017

حسين أبو سعود

بعد ان أصبح الحسين عليه السلام عالميا، يذكره من في أدنى الأرض واقصاها وصارت كربلاء مدينة ذات شأن كبير بسبب الزيارات المليونية المتكررة لها فضلا عن ملايين أخرى تتابعها عبر القنوات الفضائية في المناسبات الدينية، صار لزاما على المسلمين بكافة طوائفهم السعي لفهم الامام الحسين فهما جديدا، واخراجه من المظهر الكرنفالي المحض الى الحالة التطبيقية، لان الحسين عليه السلام ضاع ما بين البكاء والجزع والطقوس، وصارت كربلاء تعني النوح والجزع او كما قال الشاعر عن دخول شهر محرم الحرام:
محرم فيه الهنا محرم الحزن فرض والبكاء محتم
وقد انتبه المخلصون من رجال الدين الى ان الطقوس الظاهرة طغت على الكنوز الباطنة الباهرة للنهضة الحسينية المباركة وتحولها الى بكاء محض فقالوا بان الحسين ليس عَبرة فقط وانما هو عِبرة أيضا ، والبعض يقدم الأول على الأخير والعكس صحيح ، والحق بان الطبقة المثقفة بدأت تبدي الضجر من الطريقة القديمة والأسلوب التقليدي في التعامل مع نهضة الحسين عليه السلام، فالحسين لا يسلب العقلاء عقولهم ويدخلهم في دائرة الجنون وانما يمنح الانسان العقل والحكمة والتدبر وتقنيات الإصلاح، وعلينا ان نبحث عن الاليات العلمية والعملية لمعالجة الروايات وكيف نتخلص من البكائيات والروايات المتناقضة في ذلك، وانا شخصيا لا استطيع ان اتفاعل كثيرا مع رواية : ان كل الجزع ممنوع الا الجزع على الحسين ، ولا استطيع ان اتفاعل مع (ان التعامل مع واقعة كربلاء يجب ان يظل في دائرة البكائيات بأشكالها المختلفة)، وهناك خطباء كبار احجم عن ذكر أسمائهم يلتزمون خط النياحة البحتة والمغالاة في ذلك في حين ان المثقفين يدعون الى تقليل الاعتماد على الجانب الحزائني والانطلاق للإصلاح والتغيير، وهذا الامر ان بقي على حاله قد يؤدي يوما الى ان ينتفض هؤلاء على المنبر الحسيني التقليدي وظهور نوع جديد من المنابر كما حدث للكاثوليك مع البروتستانت.
اننا الان نعاني من مشكلة كبيرة وهي ان ما من رواية الا ولها رواية تناقضها مما يجعل العوام في حيرة بالغة من الامر، وهناك رواية تطالب الناس بعرض كل ما يرد اليهم على كتاب الله فان وافقته فبها والا ضربها عرض الحائط مع وجود رواية مناقضة لها وهي بما معناه لا تُكذبوا كل ما يرد اليكم بل (ردوها الينا لعلها صدرت عنا)، فكيف مثلا يوفق العقلاء بين رواية وصية الحسين لأخته زينب الحوراء في قوله لها: اخية اني اقسم عليك فأبري قسمي ، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ، و وصيته لنسائه :انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن وجها لكن زينب والنسوة في روايات أخرى فعلن عكس ذلك ولم يعملن بالوصية فضربت زينب براسها مقدم المحمل فشجته وخرجت مع باقي النساء كما في زيارة الناحية :خرجن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات .فكيف نوفق هذا العمل مع قولها البليغ السديد ليزيد عندما عيّرها بفعل الله بعصابتها وسألها كيف رأيت فعل الله: ما رأيت الا جميلا وقولها اللهم تقبل منا هذا القربان، وما اشتهر عنها انها تحلت بالصبر الجميل وأنها قالت انا لله وانا اليه راجعون عندما اصابتها المصيبة امتثالا لقول الله تعالى كما في الآية الكريمة: (وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون)
ان حالات الضجيج التي تحدث كل عام في الزيارات من خلال الأناشيد والقراءات واختلاط الأصوات بالأصوات من خلال مكبرات الصوت هي الجزع بعينه في غياب المنطق وعدم الاستفادة من توحيد الارسال لمكبرات الصوت من خلال غرفة إذاعة موحدة تبث المحاضرات المفيدة والتلاوات الجميلة وغيرها.
نحن كبشر نحزن لفراق الحسين لا لموته اذ لا يعقل الحزن على فوز أحد والامام علي عليه السلام يعلن عن فوزه وهو يقسم على ذلك بقوله (فزت ورب الكعبة) عندما ضربه الاشقى على رأسه وهو قائم في المحراب، والعكس صحيح اذ قد يفرح الانسان على فراق احد لأنه مؤذي كالحجاج مثلا ولكن يحزن لموته لأنه سيؤول الى مصير صعب للغاية.
وعن الجزع أقول انه وردت روايات عدة تشير الى كراهية الصلاة بلباس اسود لان الأسود يقلل من ثواب الصلاة ويكره أيضا الطواف بلباس اسود ويكره الجزع على الميت ، والجزع هو غير الحزن والبكاء والجزع يعني العويل والصراخ وشق الجيب والضرب على الرأس واللطم على الوجه ، ثم ان الاسترجاع والصبر والهدوء في التعامل مع الحدث افضل واجمل فصبر جميل والله المستعان والنفس المطمئنة تقول : اللهم تقبل منا هذا القربان ، وتقول : ما رأيت الا جميلا عملا بالآية الكريمة: وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )، وهذا اقرب الى اخلاق اهل البيت ، وكذلك بكاء السيدة الزهراء المتواصل الذي أدى الى نفرة الجيران ثم الطلب منها ان تبكي في الليل وتسكت في النهار او العكس، مما يصور السيدة بانها سيدة جزوعة وتبكي بصوت عال حتى يسمعها الاخرون، والحالة البكائية لها تفصيل ليس هذا محله وقد يسعفني الوقت في تناولها في بحث اخر.
وفي الختام أقول ان البكاء إذا كان تصرفا فطريا فان الجزع هو تصرف فيه تكلف و يجب عدم الإساءة الى النهضة الحسينية المباركة من خلال مظاهر الجزع والزحف على الخدود وجرح الجسد بمختلف الوسائل وغيرها من المظاهر كبداية للوصول الى فهم جديد للحسين يوائم التغيرات الجديدة في الحياة ومجاراة التطورات الحاصلة في الوقت الراهن.

اترك تعليقاً