السيمر / الاثنين 02 . 10 . 2017 — المسألة بالتأكيد أكثر تعقيداً بالنسبة للأسبان وسكان كتالونيا من ايجاد دوري كرة قدم يمكن لفريق برشلونة، صاحب الجماهيرية الكبيرة، أن يلعب فيه في حال انفصلت مقاطعة كتالونيا الاسبانية، ذات الحكم الذاتي، عن مدريد من طرف واحد، بعد الاستفتاء الذي تجريه المقاطعة ويلقى معارضة قوية من قبل حكومة مدريد المركزية. فالانفصالات هناك تُقاس حتماً بالنتائج الإقتصادية دونما أي اعتبار آخر.
لكن الاهتمام الفعلي لرواد السوشيال الميديا العرب، إنصبّ حصراً على حالة برشلونة، وتحوّل الى ما يشبه المبارزة بين جماهير الفريق الكتالوني وجماهير “ريال مدريد” الاسباني، حيث يعتقد مشجعو فريق برشلونة أن مدريد ربما تمني النفس بخروج كتالونيا فقط، لتنفرد بالسيطرة على الساحة الكروية الاسبانية، وهو ظن فيه الكثير من الإثم إذا ما أخذنا بالاعتبار الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بالطرفين جراء الانفصال.
ليست السوشيال ميديا وحدها التي انجرفت في هذا الاتجاه. مجمل الميديا العربية كانت مهووسة بمصير “البرشا” ونجمه الأرجنتيني ليونيل ميسي. حتى كان ايجاد مقال أو خبر حول النتائج الاقتصادية المتوقعة لخطوة الانفصال التي بادرت مدريد الى اتخاذ أقصى الاجراءات الأمنية الممكنة لمنعها، أمراً ليس يسيراً، وكان الحل الأفضل اللجوء الى البحث باللغة الانكليزية.
النقاش الافتراضي لم يتوقف عند فريقي “برشلونة” و”ريال مدريد”، بل امتد الى وضع التشكيلات المحتملة لكل من منتخبي كتالونيا واسبانيا لكرة القدم، وإجراء مقارنات حول الأقوى بينهما، وهو أمر بالتأكيد لا يعني الإسبان في هذه المرحلة ولا يخيفهم بقدر مخاوفهم من رؤية مقاطعات اسبانيا تهوي كأحجار الدومينو، خصوصا أن قياديي كتالونيا ليسوا الانفصاليين الوحيدين، واستقلالهم سيدفع نحو تعزيز حركات انفصالية أخرى يأتي في مقدمتها إقليم الباسك.
والقلق يمتد من اسبانيا الى مجمل أوروبا التي لم تتخطَ بعد تبعات “البريكست”، وهي بالتأكيد تقف اليوم الى جانب مدريد المتعثرة أصلاً مالياً، والمهددة بفقدان 8% من مساحتها و20% من دخلها القومي و7.5 مليون نسمة من سكانها، إضافة الى أكبر الموانئ التجارية على شواطئ المتوسط ومنشآت ضخمة للصناعات الدوائية ومقرات عدد من أكبر الشركات المتعددة الجنسيات في العالم.
مقياس الخسائر هذا، والتي سيكون لكتالونيا أيضا جزء يسير منها، يجعل من قضية فريق برشلونة لكرة القدم، هامشية وغير مؤثرة في الحدث. فالفريق عموماً، وإن كان كتالونياً إسبانياً، لكنه تخطى حدود الدولة والإقليم منذ زمن بعيد وعبر الى مختلف بقاع العالم على غرار الشركات العابرة للقارات، بميزانية تتخطى في كثير من الأحيان ميزانيات دول كاملة.
كما أن جزءاً كبيراً من الصراع الذي يخوضه الفريق داخل اسبانيا مع الفريق الملكي المدلل، يعزى الى العداء بين الكتلان والإسبان، وهو عداء امتد الى الشارع العربي بحيث بات الفصل بين جماهير الفريقين واجباً عند كل مباراة تجمعهما كي لا يتحول الى شرارة تخلق عادة حروباً افتراضية في “فايسبوك” و”تويتر”.
المعركة الآن لا تزال في بدايتها، إذ ان مصير الإستفتاء لا يزال مجهولاً في ظل جهود مدريد الجبارة لمنعه وإصرار كتالونيا بشدة عليه، ولكنها، قياساً لمستوى تجاوب السوشيال ميديا مع برشلونة وريال مدريد، تهدد بأن تستعر أكثر في الساعات المقبلة عندما تتضح الصورة أكثر، وحينها سنكون أمام مشهد مضحك آخر للتعاطي السطحي مع هذا النوع من الأحداث.