السيمر / الأربعاء 10 . 01 . 2018
معمر حبار / الجزائر
من تعوّد على القراءة المتعدّدة المختلفة المتضاربة سيدرك لا محالة أنّ اقتناء الكتاب لسبب سيظهر من ورائه سبب آخر، وأنّ ماكان يرمي إليه الكاتب سيقف إلى عكسه تماما القارىء المتتبّع، وهذا ماحدث بالفعل مع الكتاب: أبي سهل نور الدّين يطو “كشف اللّثام عن شبهات المدعو شمس الدّين بوروبي وافتراءاته على الأئمة الأعلام”، دار العواصم، الجزائر، الطبعة الثانية 1438 هـ – 2017، من 170 صفحة.
ومن الأسباب التي دفعت القارىء المتتبّع لشراء وقراءة الكتاب هما: أولا: كنت أعتقد في البداية أنّ الكتاب هو ردّ على كتاب “جذور البلاء” للفقيه شمس الدين باعتباري قرأت الكتاب وقدّمت بتاريخ: السبت 26 صفر 1438، الموافق لـ 26 نوفمبر 2016 ، مقال بعنوان: “جذور البلاء للفقيه شمس الدين” أعرض فيه إيجابيات الكتاب من جهة وسلبياته من جهة ثانية، وقد رفضت الصحف الجزائرية فيما أعلم لحد الآن نشر المقال وتمّ نشره عبر جرائد ومواقع عربية ولهم بالغ الشكر والتقدير. والسبب الثاني: يتمثّل في عنوان الكتاب المستفزّ والمتمثّل في عبارة “المدعو”.
والكتاب في الأصل هو ردّ على محاضرة ألقاها الفقيه شمس بالمغرب بتاريخ 12 جوان 2012 وعبر ملتقى خاص بالصوفية حيث تعرّض فيها لجملة من النقاط نقلها عنه صاحب الكتاب ومن الملاحظات التي وقف عليها القارىء المتتبع:
قول صاحب الكتاب “المدعو شمس الدين” وهو لايليق بمن تصدّر للنقد، فالفقيه شمس الدين فيما نعلم يملك إسما واحدا وهو شمس الدين البوروبي وكان على صاحب الكتاب أن يناديه باسمه الذي يعرف به وله الحقّ فيما بعد انتقاده وسنكون حينها دعما له في نقد الفقيه شمس الدين، واتّهامه بأنّه “المدعو” يعتبر من الكذب على صاحب الاسم وسوء أدب من لم يعرف باسم آخر غير اسمه، وشمس الدين إسم جميل ويفتخر به صاحبه بغض النظر عن كون المرء يتّفق أو يختلف مع صاحب الاسم فكيف بمسلم يعتّز باسمه وبأنّه شمسا للدين. وكما أنّي أرفض وبشدّة أن يطلق الفقيه شمس الدين على صاحب الكتاب لقب: ” المدعو أبي سهل نور الدّين يطّو” كذلك أظلّ أرفض وبشدّة على صاحب الكتاب الأستاذ أبي سهل نور الدّين يطّو أن يسمي الفقيه شمس الدين بـ “المدعو شمس الدين” ولو خالفه الرأي والعقيدة، فإنّ ذلك من سوء الأدب الذي لايليق بعامة النّاس فكيف بغيرهم.
اتّهام الكاتب في صفحة 15 علماء الأمة كـ: الكوثري والغماري والسّقاف بـ “الزائغين الشانئين !”.
خاطب الكاتب الفقيه شمس الدين بكلّ أنواع الشتائم والسباب ولم يترك سوء لفظ إلاّ وألحقه به ولا نقيصة إلاّ واتّهمه بها حتّى أن الكتاب بحقّ يعتبر قاموس الشتائم، وأضعها بين يدي القارىء الكريم مرفوقة بالصفحات التي وردت فيها الشتائم، ومنها: المفتون 15، المفلس 16، عامله الله بما يستحق، مثير الشبهات 17، لبّس المحاضر 23، افترى صاحب الشبهة 28، نسبة صاحب الشبهة 29، إفك المحاضر 34، ادّعاء صاحب الشبهة 34، وصاحب الشبهة –المسكين – 39، المتلاعب 40، افترى صاحب الشبهة 44، كذب المحاضر 46، أصحاب الشبهة 48، قول المحاضر – تعالما – 52، المحاضر الحقود 55، تهمة الجبناء 57، شبهاته المتتالية 58، فاقد للميزان 63، وهاء مادندن حوله المحاضر 66، وهاء دعوى صاحب الشبهة 67، صاحب الشبهة 71، “فمن تماديه في الباطل وتوزيعه البهتان” 74، لكشف تطاوله 74، كلامه الكفري الباطل 75، المحاضر الملبّس 81، نواياه المدسوسة وبواطنه المخبوءة 86، نفسه السقيمة 94، المسكين 94، لجهله وحقده 97، ادّعى صاحب الشبهة – جهلا أو عنادا- 113، عامله الله بعدله 116، كما ادّعى صاحب الشبهة افتراء 120، سوء وصف المحاضر صاحب الشبهة – عامله الله بعدله- 131، انحدر المحاضر –عامله الله بعدله- وانحط إلى أسفل الحضيض 134، فيضاف إلى سجله الأسود المملوء بالافتراءات والمجازفات 140، وقد أبان صاحب الشبهة عن نفسه البدعّي 145، وإن تبجّح 145، وشتائم أخرى أعاد ذكرها في عنوان: “خاتمة الرد” عبر صفحات 149- 154.
يقرّ الكاتب في مقدّمته للكتاب أنّه تعمّد استعمال هذه الشتائم والسباب والقول الغليظ ويفتخر بكونه نهج هذا الأسلوب مع خصمه الفقيه شمس الدين.
يستشهد الكاتب في صفحة 18 بآية القتال ” وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به” النحل 126، وكأنّ المسألة خوض حرب وليس تبادل أفكار وطرح الرأي والرأي الآخر.
حين يقتطع الكاتب مقطعا مما قاله الفقيه شمس الدين، يقول: “نص الشبهة”، ويتبعها بقوله: “قال صاحب الشبهة”، وتردّد هذا اللّفظ على المحاور العشرة التي تضمّنها الكتاب عبر صفحات 21 – 148.
يستهزئ الكاتب بعلماء وفقهاء المسلمين بقوله: معتقده الأشعري 23، المؤوّلة 27، تفسير المؤوّلة 28، المتأولين 30.
القضايا التي طرحها الفقيه شمس الدين لم تكن خاطئة باعتبار صاحب الكتاب وافقه عليها في بداية كلّ محور كنقله عن سيّدنا الإمام مالك رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه قوله: “يتنزّل بأمره” وموافقته عليه ثم يستدرك برواية أخرى في نظره معاكسة لما ذهب إليه الفقيه شمس الدين، والمهم أنّ عدّة حالات ظهر فيها صدق الفقيه شمس الدين في النقل بدليل أن صاحب الكتاب وافقه عليها في بداية الأمر.
حين يتعلّق بنقل صحيح نقله الفقيه شمس الدين عن علماء تجد الكاتب يقول: قد يحتمل هذا القول ماقاله “صاحب الشبهة” كقوله في صفحة 24 : ” وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله” أي مانقله الفقيه شمس الدين صحيح ، وقد تكرّرت هذه الموافقة دون إفصاح الكاتب أنّ الفقيه شمس الدين محقّ وعلى صواب.
يعيب الكاتب على الفقيه شمس الدين أنّه يتحدّث نيابة عن نوايا العلماء حين ينقل أقوالهم بدقة، ثم يقول في صفحة 26 وصفحات أخرى: ” بحيث يكون قصد الإمام مالك رحمه الله”.
رغم أنّ الكاتب يعترف أنّ الروايات التي نقلها شمس الدين صحيحة إلاّ أنّه يعاتبه لأنّه أخذ بها وينقل روايات أخرى تعارض ما ذهب إليه الفقيه شمس الدين، وما دام الأمر في اختلاف الروايات فكان الأولى ابقاء النقاش في دائرة اختلاف الروايات دون فرض رواية أو ادّعاء أنّ مايملكه الإنسان بين يديه من رواية هو الأصح وما دونه هو الخطأ.
يعاتب الكاتب في صفحة 31 الفقيه شمس الدين بأنّه ينشر مقالاته في الصحف الجزائرية وعبر الفضائيات الجزائرية بغض النظر عن ماتحتوي هذه الوسائل، والسؤال المطروح مادخل نقاش قضايا وأفكار بوسائل إعلامية غير مسؤول عنها وتعتبر وسيلة كالكتاب الذي اتّخذه الكاتب وسيلة لأنّه لايحقّ لأحد أن يعاتب صاحب الكتاب لماذا اتّخذت الكتاب وسيلة للتعبير؟، فهذا من شؤونه الخاصة التي لايحقّ التطرّق إليها بهذا الأسلوب الذي لا يليق بمن تصدّر الرد والتعقيب، ويبقى لكل متتبع نظرته الخاصة حول مختلف وسائل الإعلام.
صاحب الكتاب ينقل أقوال سيّئة عن المتصوفة لايقرّها علماء المسلمين أنفسهم فهي تخصّ أفراد بعينهم اجتهدوا فأخطأوا رحمة الله عليهم، ويتّخذها على أنّها المرجع والمذهب وما هي بذلك، كما جاء في صفحة 35-36 بزعم أنّ “التكاليف تسقط عنهم !” و أنّهم ” لايصلون ولا يصومون، ويشربون الخمر !”، وهل يعقل مثل هذا الكلام عن سادتنا الصوفية رضوان الله عليهم، وإن كان واحد أو اثنين فهذا يتحمله الشخص المعني ولا يرمى به العلماء والفقهاء.
حين ينقل الكاتب عن الفقيه شمس الدين فيما نقله عن الهروي رحمة الله عليه في وصفه للتكاليف الشرعية بأنّها “خسّة !” تعقّبها صاحب الكتاب بأنّ العلماء لم يقروه على ذلك، وكان على صاحب الكتاب أن يتعامل مع بعض علماء المسلمين من أشاعرة وصوفية وما توريدية بنفس المنطق ويقول أنّ هناك علماء وفقهاء لم يقروهم على بعض أقوالهم ويكون قد أنصف حينها وأحسن، ويتعامل معهم في الدفاع والذود كما دافع عن الهروي رحمة الله عليه، خاصة وأنّه نقل قول الفقيه شمس الدين في صفحة 33: “لماذا لاتعمّمون حسن الظنّ على كلّ العلماء كما أحسنتم الظنّ بمن يتّهم التكاليف بأنّها خسيسة”؟ أحسنوا الظنّ بغيره…”.
حين يدافع صاحب الكتاب عن بعض علماء المسلمين دون البعض الآخر الذين بيّن الفقيه شمس الدين بعض أخطائهم ونقلها الكاتب يقول كما في صفحة 37: “لايجوز أن يتبع في تلك الأخطاء وتصادر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين”. وما يجب قوله أنّه كان على صاحب الكتاب حين تعرّض لكبار علماء المسلمين أن لا يعمّم أخطاءهم ولا يتعرّض لإمامتهم ومنزلتهم من قلوب المسلمين ويكون بذلك المحسن المنصف مع الإبقاء دوما على النقد والتصحيح.
ألّف علماء المسلمين في تعظيم التكاليف الشرعية، ومن احتكر التأليف في جهة أو شخص فقد جانب الصواب والعدل ولا يليق احتكار التأليف والادّعاء أنّه للمدرسة الفلانية دون غيرها كما ذكر ذلك صاحب الكتاب في صفحة 39.
يقول الكاتب عن سادتنا الصوفية رضوان الله عليهم في صفحة 40: ” فخسّة التكاليف من مزاعم الصوفية وضلالاتهم !”، ويصرّ الكاتب في صفحة 41 أنّ سادتنا الصوفية رضوان الله عليهم ” ليسوا أهلا لحسن الظنّ بهم !”.
يعتمد الفقيه شمس الدين في مراجعه على علماء وفقهاء السلف الصالح ويفتخر بهم أيّما افتخار ويكفي مراجعة قائمة الكتب التي اعتمد عليها في كتابه “جذور البلاء” وهي لعلماء السّلف الصالح، وهو يستنكر الأقوال والأفعال التي تسئ لسادتنا السّلف الصالح ويراد إلحاقها عنوة بأنّها من السّلف الصالح وما هي من السّلف، إذن الفقيه شمس الدين محبّ للسّلف الصالح ويدافع عنهم ويذود عنهم بقوة ولا يرضى أن يمسّوا بسوء ويساء لهم بسوء، والقول أن “شمس الدين يحارب السلف !” من التهم التي ألحقت به ظلما ولا أساس لها من الصّحة وحاشاه أن يقول أو يكتب ذلك، بل يقول أن بعض التصرفات الفاسدة والتأويلات الخاطئة ليست من السّلف في شيء.
يستعمل الكاتب في صفحة 45 مصطلح “علماء التوحيد ” وكأن التوحيد محصور في واحد أو اثنين دون سواهما عوض علماء المسلمين، ثمّ إنّ هؤلاء “علماء التوحيد” يعتبرون أنّ ما في البردة “”كفر وشرك !” وهي التي أثنى عليها علماء المسلمين ولا يوجد قصيدة لقيت القبول لدى الأمة وعلماء المسلمين من أهل اللّغة والفقه والسيرة كقصيدة البردة لسيّدنا البوصيري رحمة الله عليه ورضوان الله عليه.
يتّهم صاحب الكتاب في صفحة 47 العالم عبد الله بن محمّد الصدّيق الغماري رحمة الله عليه بقوله: “له كتب تضمّنت مزالق عقدية !”، ومن بين كتب العلاّمة محمّد الصدّيق الغماري التي أوردها صاحب الكتاب في الهامش: “الإعلام بأنّ التصوّف من شريعة الإسلام” و “أولياء وكرامات” و “إتحاف الأذكياء بجواز التوسّل بسيّد الأنبياء” و”إعلام الراكع بمعنى اتّخاذ القبور مساجد” و “القول المقنع في الردّ على الألباني المبتدع”، ومن خلال العناوين يفهم لماذا صاحب الكتاب يتّهم كبار علماء المسلمين في عقيدتهم النقيّة الصافية المبنية على الفطرة السليمة وسادتنا السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعا.
يرى صاحب الكتاب في صفحة 50 أن الذين هاجموا قصيدة البردة لسيّدنا البوصيري من “العلماء العدول”، لكنه يتجاهل أنّ العلماء العدول وما أكثرهم وعبر قرون من الزمن هم الذين امتدحوا قصيدة البردة وأثنوا عليها وما زالت تدرس وتعرض وتناقش ويستفاد منها في مواضيع عدّة، ورحم الله سيّدنا البوصيري ورضي الله عنه وأرضاه.
يجد الكاتب الأعذار لابن تيمية الحنبلي رحمة الله عليه حين اعتبره أتباعه أنّه لايخطىء، لكنه في نفس الوقت يعاتب وبشدّة خصمه الفقيه شمس الدين وعلماء المسلمين ولا يجد الأعذار لعلماء المسلمين حين يحترمون علماء المسلمين ويعاملونهم بما يليق بمقامهم الرفيع وينتقدونهم ولا يأخذون بأخطائهم، ويرى صاحب الكتاب أنّ ذلك من المبالغة في تمجيدهم واحترامهم، وقد تكرّرت هذه الحالات من طرف صاحب الكتاب عدّة مرات.
جاء في صفحة 55: “وجرأة المحاضر -هداه الله- في بغض أعلام السّنة وجبال العلم “، ومعلوم أنّ الفقيه شمس الدين من الذين سهروا على الدفاع وحبّ أعلام السّنة وجبال العلم وكتبه ومحاضراته وتدخلاته وفتاواه المرئية والمكتوبة تؤيد ذلك، ولو أعلم أنّ الفقيه شمس الدين يحارب علماء السّنة وجبال العلم لكنت أوّل من ينتقده ويقف ضده وأمام العالمين ولن أتوانى في سبيل ذلك دقيقة واحدة.
العشرية الحمراء التي مرّت بها الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ويسميها الكاتب بـ “سنوات الشدّة” انتهت بفضل الجهود المبذولة من طرف أبناء الجزائر والفضل بعد الله سبحانه وتعالى يعود لتضافر جهود الجزائريين بغض النظر عن مستواهم ومكانتهم وعلمهم وقدراتهم، ومن حصر إطفاء النار في فئة بعينها كما فعل صاحب الكتاب في صفحة 58 فقد أخطأ واتّهم الجزائريين بما لايجب وأساء لقداسة الدماء التي سالت، والجزائريين تعاونوا فيما بينهم لإطفاء النيران ولا فضل لأحد على أحد ورحم الله الجزائريين الذين ماتوا وتضرروا، ومن تمام احترام الدماء التي سالت أن لايدّعي أحد أنّ له الفضل دون غيره في إطفاء النيران يومها. وكما شكرنا العرب والعجم الذين ساعدوا الثورة الجزائرية يومها، نشكر كلّ أخ عربي ساهم في إطفاء نيران العشرية الحمراء التي مرّت بها الجزائر دون تفضيل أحد على الجزائري الذي اكتوى بنيرانها وأخمد نيرانها.
يتّهم الكاتب سادتنا الأشاعرة رضوان الله عليهم في صفحة 59 بأنّهم: ” أحقّ بوصف تكفير الأمّة حتّى عوامها”، ومعلوم أن سادتنا الأشاعرة لايكفّرون الأمة بل يحاربون الذين يكفّرون الأمة، ويعاتب سادتنا الأشاعرة في نفس الصفحة أنّهم يقولون: ” لايصحّ التقليد في العقيدة”، وهذه ميزة وليست تهمة كما يقول صاحب الكتاب، فالعقيدة أمر خطير وتبنى عليه الأحكام والأعمال والأقوال، فكيف تكون العقيدة عرضة للتقليد؟.
يجتهد الكاتب وعبر صفحات الكتاب في اثبات الغلو لكل عالم لايتّفق معه كعنوانه ” في إثبات غلو الصوفية في رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وفي نفس الوقت يقول عبر صفحة43: ” تفنيد شبهة الغلو في ابن تيمية – رحمه الله -“، وتكرّرت مثل هذه العناوين، لكن يجد التبريرات للذين يدافع عنهم وفي نفس الوقت يلقي بالشبهة كاملة على علماء المسلمين الذين لايتّفق معهم في الرأي ولا يسعى لإيجاد معشار عذر لما يقدّمه باستمرار لغيرهم.
يزيح الكاتب سادتنا الأشاعرة وسادتنا الصوفية رضوان الله عليهم من دائرة علماء السنة كما جاء في صفحة 59 معتمدا في ذلك على ماذهب إليه ابن تيمية الحنبلي رحمة الله عليه، ويستهزئ من الفقيه شمس حين يصفه بقوله: ” وإنّ المحاضر – هداه الله – ينتسب إلى الأشاعرة اعتزازا وفخرا ويسمّيهم أهل السّنة والجماعة”، والمعلوم أنّ سادتنا الأشاعرة رضوان الله عليهم من أهل السّنة والجماعة.
يدافع الكاتب عبر صفحتي 66-70 عن علم الغيب الذي نسب إلى ابن تيمية الحنبلي رحمة الله عليه فيما ينقله عنه تلميذه ابن قيم الحنبلي رحمة الله عليه ويجد لهما الأعذار لكنّه في نفس الوقت يحارب الكرامات التي نسبت لعلماء المسلمين وسادتنا الصوفية وبأنّها من علم الغيب وهو مالم يدّعيه علماء المسلمين، والمطلوب من صاحب الكتاب معاملة علماء المسلمين كما يعامل ابن تيمية الحنبلي وابن قيم الحنبلي رحمة الله عليهما في إيجاد الأعذار والذود عنهم والدفاع عنهم، خاصة وأنّه قال في صفحة 75: ” فلم لم يعامل ابن تيمية رحمه الله كتعامله مع البوصيري في “بردته” “.
الكاتب وعلى مدار الكتاب يطلق لفظ “رحمه الله” على فئة معيّنة من العلماء دون غيرها حتّى أنّه يذكر “رحمه الله” بالنسبة للعلماء الأشاعرة والصوفية الذين يهاجمون وينتقدون سادتنا الأشاعرة وسادتنا الصوفية رضوان الله عليهم، وكمثال على ذلك في صفحة 75 يقول: ” فلم لم يعامل ابن تيمية رحمه الله كتعامله مع البوصيري في “بردته” “، والقارئ يلاحظ كيف أنّ الكاتب يترحم على ابن تيمية الحنبلي رحمة الله عليه ولا يترحم على البوصيري رحمة الله عليه، ونحن في هذا العرض نترحم على الجميع سواء الذين نتّفق معهم أو الذين نختلف معهم رحمة الله عليهم جميعا.
يستهزئ الكاتب بعلماء المسلمين حين يقول: ” كرامات أوليائه” 82، وهذا سوء أدب مع علماء وفقهاء المسلمين حتّى لو كنت تعارض الكرامات وتخالف ماذهب إليه علماء المسلمين في هذه النقطة لأنّ الكرامات لاتفرض على أحد.
يعترف صاحب الكتاب في صفحة 96 أنّ ابن قيم الحنبلي رحمة الله عليه: ” وأمّا ابن قيم رحمه الله فإنّ له قولين: الأوّل: مال فيه إلى تقوية القول بفناء النار…”، والفقيه شمس الدين نقل هذا الكلام ما يدل على أنّ الفقيه شمس الدين صادق في النقل كما نقل عنه صاحب الكتاب في صفحة 88. لماذا إذن يعاتب الفقيه شمس الدين ما دام صادقا في النقل؟. وبقي الكاتب يجد الأعذار لابن قيم الحنبلي رحمة الله عليه فيما ذهب إليه في القول الأول الذي ادّعى فيه أنّ النار فانية وما هي بفانية، ولم يجد معشار عذر لعلماء المسلمين الذين اجتهدوا وأخطأوا في اجتهاداتهم.
يعيب صاحب الكتاب على الفقيه شمس الدين في صفحة 100 أنّه يستعمل مصطلح الحشوية رغم أنّه ينسب المصطلح لسيّدنا الحسن البوصيري رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه، ويراه في صفحة 101 أنّه “من أشنع الألقاب”، وفي نفس الوقت ينسب صاحب الكتاب اللّقب الذي رفضه واعتبره شنيعا بعلماء المسلمين في صفحتي 104-106، واستعمل الكاتب كلّ الألقاب المشينة ضد الفقيه شمس الدين وقد نقلناها وبالصفحات الدالة عليها في الأعلى.
يصف الكاتب سادتنا الأشاعرة والماتريدية رضوان الله عليهم في صفحة 108 بـ “أهل الزيغ والانحراف”. ويصف العالم الجليل محمّد زاهد الكوثري رحمة الله عليه في نفس الصفحة بـ: ” كتبه وتعليقاته المعادية لأهل السنّة”، ولا يقول رحمه الله عن العالم زاهد الكوثري. ويقول في صفحة 132: ” وقدوته في الضلال زاهد الكوثري”.
يتحدّث الكاتب عن علماء المسلمين باستهزاء واستهتار حين يقول بصيغة الغائب في صفحة 113: ” بكتب أعلامهم كابن عربيّ، والتلمساني وعبد الكريم الجيلي، وعبد المغني النابلسي”.
يصف الكاتب سادتنا الصوفية رضوان الله عليهم في صفحة 122 بـ: ” وامتداد أباطيلهم لأهل الصوفية الفلسفية”.
عنون صاحب الكتاب فقرته في صفحة 125 بـ: ” في إثبات الصوفية لمشايخهم”، وما يجب قوله: أنّ سادتنا الصوفية رضوان الله عليهم بعيدون عن تقديس الشيخ أو المطالبة بتقديسه إنّما يرون أنّ التلميذ إذا رضي أن يكون تلميذا فعليه بالاستماع لشيخه الذي ارتضاه لنفسه شيخا في انتظار أن ينال حقّه من التعليم والحفظ والعناية وحينها يحقّ له أن يعرض أراءه المخالفة لشيوخه وله الحقّ في إنشاء طريقة مخالفة لشيخة إذا شاء واستطاع، ويرون أن المرء ما دام ارتضى لنفسه طريقة معيّنة فلا يحقّ له إقحام طريقة أخرى حتّى لاتختلط عليه الأمور وتبقى الطريقة الأخرى والشيخ الاخر له كل التقدير والاحترام، وللمزيد في هذا المجال يمكن للقارئ أن يطالع كتاب “الرحلة الحبيبيّة الوهرانيّة ” للشيخ أحمد بن الحاج العياشي سكيرج ت 1363هـ رحمة الله عليه.
يعترف الكاتب عبر صفحات 127-132 بصدق مانقله الفقيه شمس الدين عن البربهاري الحنبلي رحمة الله عليه حين اعتقد أنّ كتابه ملزم للنّاس وكأنّه قرآن كريم ويعاتبه على سوء قوله وأكدّ ذلك صاحب الكتاب في صفحة 129 بقوله: ” ولا ينبغي للمصنّف أن يقول هذا، ولا أن يلزم النّاس بكتابه”، وينقل أقوال العلماء الذين أنكروا عليه قول ذلك كابن كثير رحمة الله عليه ، لكنّ صاحب الكتاب لايقول أنّ الفقيه شمس الدين صادق في نقله، ويذهب وبقوّة لإيجاد كلّ الأعذار للبربهاري رحمة الله عليه ويعاتب الفقيه شمس الدين على النقل رغم أنّه كان صادقا في النقل.
يقول الفقيه شمس الدين أنّ الذين يصفون الله تعالى بأنه: ” يلبس الحذاء ويلبس الملابس وله صدر وإبهام وفخذ !” فعقيدتهم يهودية وكلّ من يقول مثل هذا الكلام فهو صاحب عقيدة يهودية وينزّه سلفنا الصالح من هذه العقيدة ويدافع عن السّلف الصالح، فكيف يتّهم الفقيه شمس الدين بأنّه يتّهم السلف الصالح بالعقيدة اليهودية كما جاء في صفحات 133-148.
يتّهم صاحب الكتاب سادتنا الصوفية رضوان الله عليهم بأنّ لهم أصول هندوسية في صفحة 135 حين يعنون فقرته بـ : “في إثبات النسبة بين التصوّف والأصول الهندوسية”.
يرى صاحب الكتاب في صفحة 135، أن: ” معظم أوائل الصوفية هم من أصل غير عربي كإبراهيم بن أدهم وشقيق البلخي وأبي يزيد البسطامي ويحي بن معاذ الرازّي”، وعليه يقول صاحب هذه الأسطر: وليكن ذلك فقد كان كبار المحدّثين وإليهم المرجع من غير العرب ويمكن فتح قائمة لغير العرب وبلغوا مبلغا لدى علماء المسلمين والأمة الإسلامية، بالإضافة إلى أنّ ديننا ليس حكرا على العرب بل هو للعالمين جميعا، ونحسن الظنّ بالكاتب ولا نناقشه في المعلومة التي أوردها.
ينقل الكاتب وبافتخار كلّ أنواع الشتائم والسباب التي قيلت في حقّ العالم محمّد علي الصّابوني في صفحة 142.
يستهزئ الكاتب بسادتنا الصوفية رضوان الله عليهم في صفحة 146، قائلا: “وكذلك فعل المتصوفة والمخرّقين وأضرابهم”.
أفرد الكاتب فصلا بعنوان “خاتمة الرد” عبر صفحات 149-153، وكلّها شتائم وسباب بالإضافة التي نقلناها في الأعلى، كقوله: ” يتبجّح، أفكاره المنحرفة، آراءه الضالة والشاذة، الجهل والتدليس، تصوفا في السلوك وتمشعرا في العقيدة…”.
يتّهم الكاتب علماء المسلمين بالانحراف حين يقول في صفحة 151: ” جمع خليطا من الانحرافات وتنوعا من الانزلاقات: … وتصوفا في السلوك، وتمشعرا في العقيدة”. وقوله في صفحة 153:” فرق أهل الأهواء والبدع من الصوفية والكلامية والعقلانية”.
وقوله في صفحة 159: ” المناهج المنحرفة كالصوفية”.
النتيجة التي وصل إليها القارىء المتتبّع للكتاب، أن الأستاذ صاحب الكتاب بالغ وبشكل غير مبرر ومفرط جدا في استعمال الشتائم ضد الفقيه شمس الدين وعلماء المسلمين ولعلّ أقلّها عدم الترحم على سادتنا العزّ بن عبد السلام، ومحمد بن الحسن بن فورك، والقشيري والبوصيري والغماري والكوثري رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم جميعا.
الفقيه شمس الدين من فقهاء الجزائر والعالم الإسلامي يصيب ويخطئ وقد قرأنا له وانتقدناه فيما أصاب وأخطأ ونظلّ ننتقده في أخطائه ونثني عليه في محاسنه بأدب واحترام وتقدير، أمّا الشتم فلا يسمى بحال نقدا إنّما عورة كان عليها أن تستر ولا تظهر.
القارىء الناجح هو الذي يقرأ للجميع جزائريا كان أو عربيا أو مستدمرا ويرد من خلاله بهدوء وثقة، وقراءة الكتاب كلّفتني 4 جلسات موزعة على 3 أيام و5 أيام من الرد فوصلت لعكس ما أراده صاحب الكتاب في كلّ الجوانب، وكم كنت أتمنى من الكاتب الجزائري أن يترفّع عن الشتائم والسباب ونكون له حينها عونا وسندا على الفقيه شمس الدين أو غيره، والحمد لله على نعمة القراءة للجميع ونعمة نقد الجميع دون استثناء.