السيمر / الاثنين 24 . 12 . 2018 — تواجه محافظة الانبار غرب العراق، تحدياً جديداً بعد طرد تنظيم “داعش”، يكمن في وجودة خمس قيادات امنية تعمل على فرض الامن وملاحقة الخلايا الامنية، في حين تفتقر هذه القيادات إلى المركزية في العمل والتنسيق.
في وقت ليس ببعيد وتحديدا أواخر عام (2013) قبل ان تتمكن جماعات “داعش” من السيطرة على محافظة الانبار (110كلم) غرب العاصمة بغداد، كانت الأنبار إحدى المحافظات الساخنة والتي صنفت ضمن المناطق الاخطر امنيا بسبب تواجد الجماعات المسلحة، اذ أصبح مشهد التفجيرات والاغتيالات أمرا شبه طبيعي وبشكل يومي.
اختلف المشهد كثيراً بعدما تمكنت القوات الأمنية من طرد الجماعات الإرهابية اواخر عام (2017)، وأصبحت مدن محافظة الأنبار تتمتع باستقرار امني لا يمكن وصفه بالنسبي، اذ لم تسجل الإحصائيات الامنية والإعلامية منذ عام ونصف خروقات أمنية كالتي كانت تحدث في السابق.
قد تكون الأسباب الحقيقية وراء هذا الاختلاف بين المشهدين هو تحول الأنبار إلى ثكنة عسكرية بفعل الاجراءات الأمنية المعقدة التي صادرت حرية المواطن وحركته، مقابل هذا “وفرت له حياة آمنة داخل معسكر كبير او سجن كبير”، كما وصفها اللواء طارق يوسف العسل، معاون قائد الحشد الشعبي في الأنبار.
وتحدث العسل، لموقع “نقاش” الالماني، وتابعه “ناس”، اليوم (24 كانون الاول 2018)، قائلاً إن “الأنبار آمنة جدا ويجب ان تكون آمنة الى هذا الحد، لكن ليس بفعل التنسيق الأمني العالي وانما بسبب القوة الأمنية المفرطة، التي حولت المحافظة الى معسكر كبير فرض الأمن بالقوة والدبابة وهو امن مزيف، إذ نمتلك السلطة فقط داخل المدن اما الصحراء فمازالت مكانا آمنا للجماعات المسلحة”.
ويؤكد العسل، أن “جميع القيادات الامنية التي تعمل في محافظة الانبار تفتقر الى التنسيق في ما بينها، وهناك غياب واضح للمركزية في ادارة هذه القيادات التي أصبحت كل واحدة منها تعتقد انها هي الاقوى، وهي صاحبة السلطة والقرار في مكان تواجدها”.
خمس قيادات امنية تتولى مهمة الملف الأمني في محافظة الأنبار وهي، قيادة عمليات الانبار، قيادة عمليات الجزيرة والبادية، قيادة عمليات شرق الأنبار، قيادة الشرطة، وأخيرا قيادة قوات الحدود، فضلا عن مديريات الأمن الوطني والمخابرات والاستخبارات.
يضاف الى ذلك قيادة قوات الحشد الشعبي وقوات الحشد العشائري التي شكلت مؤخرا لمساندة القوات الامنية في حربها ضد جماعات داعش ومسك الأرض بعد عمليات التحرير، فضلا عن تواجد القوات الأميركية في قاعدتي الحبانية (90كلم) غرب العاصمة بغداد، وقاعدة عين الاسد في مدينة البغدادي التي تبعد (110كلم) عن القاعدة الأولى.
وفق هذه المعطيات فان محافظة الأنبار التي تمثل مساحتها ثلث مساحة العراق باتت مسؤوليتها الامنية متعددة، ولا يمكن ان نتحدث عن قائد امني بعينه او قيادة حتى وان كان محافظ الانبار، الذي يمتلك أعلى سلطة أمنية بموجب الصلاحية التي منحها له الدستور العراقي.
ويقول علي فرحان محافظ الأنبار، إنه “لا يملك صلاحية اتخاذ القرار الأمني الا بعد مخاطبات رسمية موجهة إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، ومن ثم يتم العمل وفق اتفاق وموافقات مسبقة بناء على تلك المخاطبات والمقترحات”.
يقتصر دور القوات العراقية بمختلف تشكيلاتها على حماية المدن والمحافظة على ما تحقق من مكاسب أمنية، أما دور قوات الحدود فهو مراقبة ومنع المتسللين مع نشاطات قد تكون روتينية، في صحراء الأنبار التي تمثل الغالبية العظمى من إجمالي مساحة المحافظة.
وقال العميد امجد حامد احد ضباط قيادة عمليات الأنبار، فضل الحديث خلف اسم مستعار، إن “العمل وسط هذه الفوضى الأمنية ينذر بكارثة قد تعيدنا إلى الوراء، ما لم تتحد هذه القيادات وتشارك أهدافها وخططها تحت قيادة واحدة تكون هي المسؤول الاول والأخير عن الملف الأمني”.
القوات الأميركية التي وصل عددها الى اكثر من (تسعة) آلاف جندي في محافظة الأنبار حسب مصادر امنية لا زالت تلعب دورا في الملف الأمني في المحافظة لكن هذا الدور لا يظهر على الأرض إلا في الأوقات الصعبة.
هذه القوات باتت تمتلك أربعة مقرات عسكرية اثنان على الخط السريع الدولي قرب قضاء الرطبة (450 كلم) غرب العاصمة بغداد، والاخر في معمل الفوسفات قرب قضاء القائم (350 كلم) غرب العاصمة بغداد، والرابع على الحدود السورية العراقية هي الأخرى تعمل بمعزل عن القوات العراقية رغم مشاركتها سابقا في تحرير المدينة من داعش.
الحديث عن التنسيق المشترك غالبا ما يحدث في مواقف محددة فعلى سبيل المثال حينما أعلنت القوات الأميركية أنها ستنشئ قاعدة جديدة لها في منطقة الرمانة، شمال غربي القائم المحاذية للحدود السورية بدأ القادة الأمنيون في المدينة يعلنون رفضهم للقضية عبر وسائل الاعلام ويقولون ان الأوضاع مازالت بخير وكل شيء تحت السيطرة.
مجلس محافظة الانبار هو الآخر لا يمتلك الصلاحية التي يمنع بموجبها قوات التحالف من انشاء مقرات او اقامة قاعدة عسكرية كونها من صلاحيات الحكومة الاتحادية، لكنه عبر ببيان رسمي عن رفضه انشاء قواعد عسكرية في المحافظة دون إبلاغ رسمي.
ومن جانبه يقول عبد الكريم خضير وهو ضابط متقاعد واحد السكان المحليين لمدينة الفلوجة، إن “الوضع الامني وان كان يوحي بانه جيد ومستقر، الا انه على حافة الهاوية لأن غياب التنسيق وفقدان هذه القيادات للمركزية خلق عددا من الثغرات الامنية، التي من الممكن ان تستثمرها الجماعات المسلحة وتعيد انتشارها على الاقل في اماكن تقاطع الصلاحيات بين تلك القيادات”.
وتابع أيضا “على القوات الامنية بمختلف تشكيلاتها ان تملأ الفراغات الأمنية عند نقاط التقائها مع القيادات الاخرى، لتفويت الفرصة على كل من يريد ان يبني له منفذا من خلالها، لاسيما قيادة عمليات الجزيرة البادية التي تسيطر على جزء مهم وحيوي من مساحة المحافظة”.
ناس