الرئيسية / مقالات / سياسيو العراق.. اذا بَطُلتِ الطائفية حضرت العشيرة!

سياسيو العراق.. اذا بَطُلتِ الطائفية حضرت العشيرة!

السيمر / فيينا / الاثنين 10 . 06 . 2019

ربما لو بُعِث حمورابي من جديد، الذي أرسى دعائم القانون منذ فجر التاريخ الإنساني الحديث في أرض الرافدين، لما صدّق الحال المزري الذي تعيشه البلاد التي التصق اسمه باسمها بعد نحو أربعة آلاف عام، فالقانون مكروه ومعطّل وغير محترم ليس من الخارجين عليه فحسب، بل من القائمين عليه، وحاميه، ومطبقيه من الصف الأول.

القانون مكروه ومعطّل وغير محترم ليس من الخارجين عليه فحسب، بل من القائمين عليه، وحاميه، ومطبقيه من الصف الأول!
لم يلجأ سياسي أو اثنين فحسب للأحكام العشائرية في حل نزاعات ما، في بلد يُقال إنه ديمقراطي، لكن على طريقة بول بريمر. ولعل القضية الأخيرة التي أثيرت حول نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي فتحت في ذاكرة المتابعين والمهتمين سجل التهديدات والمقاضاة العشائرية من قِبَل السياسيين.

حين بَطُل المذهب حضرت العشيرة

من أشهر حوادث اللجوء إلى العشيرة، كانت بطلتها النائبة السابقة ورئيسة حركة إرادة حنان الفتلاوي، المعروفة بـ”خطابِها الطائفي” في الدورات البرلمانية السابقة، قبل أن تخسر الانتخابات الأخيرة.
وفي ظل غياب تطبيق القانون الذي يُحاسب من يحرّض على الطائفية خصوصًا وأن البلاد كانت تشهد حالة حرب مع تنظيم الدولة “داعش” آنذاك، وفي ظل انتفاء الحُجة الطائفية كون الخصم شيعيًا، لجأت الفتلاوي إلى قبيلتها لتدخل في صراع سياسي.

وإثر شجارٍ كلامي بينها وبين بليغ أبو كلل، المتحدّث باسم زعيم ما بات يُعرف بتيار الحكمة حاليًا، عمار الحكيم، أعلنت قبيلة النائبة “آل فتلة” هدر دم أبو كلل بسبب تصريحات للأخير اعتبرتها القبلية مسيئة وغير أخلاقية، وذلك في آيار/مايو 2015.

رغم أن قبيلة “آل فتلة” قد أصدرت بيانًا نفت فيه تهديدها لأبو كلل، إلا أن الأخير أصدر بيانًا لاحقًا رفض فيه التدخّل العشائري بينه وبين النائبة، مضيفًا “على المتضرّر اللجوء للقضاء”.

الجبور تنصر رئيس البرلمان!

عشية التظاهرات الجماهيرية التي نظّمها الصدريون ومن معهم من “مدنيين” إلى المنطقة الخضراء، والاقتحامات التي طالت مجلس النواب ومقر مجلس الوزراء، وتصاعد الأحداث السياسية واعتصام النواب في المجلس، والمطالبة بإقصاء رئيس البرلمان آنذاك سليم الجبوري ثم عقدهم لجلسة بدونه ليصوتوا على قرارٍ بإقالته؛ أصدرت قبيلة الجبور بيانًا في نيسان/أبريل 2016 باسم الأمانة العامة لمجلس قبيلة الجبور، استنكرت فيه “ما جرى مؤخرًا من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب في استهداف فاضح لسليم الجبوري بصفته أحد أهم رموز هذه القبيلة وبصفته رئيسًا لمجلس النواب العراقي. وأعربت القبيلة التي وصفت الجبوري بأنه رمزها قبل أن تصفه برئيس أكبر سلطة تشريعية في البلاد، تأييدها “المطلق” له رئيسًا لمجلس النواب، ورفض المساس به.

ومن المفارقات في سياق اللجوء للعشيرة، فقد اتهم مسرور الناجي الجبوري، الذي عرّف نفسه بشيخ عشائر الجبور، في نيسان/أبريل 2017، سليم الجبوري بالعمالة لإيران بسبب موقفه من رفع علم إقليم كردستان في كركوك، معتبرًا أن هذه التصرفات “لا تمت بأي شكل من الأشكال للتقاليد العربية الرصينة”!

العشيرة تنتصر لوزير الدفاع!

وفي ذروة الحرب على داعش، تصاعدت الدعوات لاستجواب وزير الدفاع في حينها خالد العبيدي (من محافظة نينوى)، وحدث ذلك بالفعل، واستجوب الوزير داخل مجلس النواب. لكن العبيدي أعلن في الجلسة أنه تلقى عروضًا للرشوة ولعمليات ابتزاز ومساومات من قبل نواب، ومنهم رئيس البرلمان سليم الجبوري، لتمرير صفقات مشبوهة وغير قانونية وعقود فاسدة.

ورد الجبوري على اتهامات العبيدي له وعدد من النواب خلال جلسة الاستجواب، واصفًا إياها بـ”المسرحية”، مبينًا أنها “ادعاءات كاذبة” وسيتحمل تبعات ونتائج التحقيقات فيها.

رغم أن وزير الدفاع هو من يحمي أرض الدولة وشعبها، إلا أن عددًا من شيوخ عشيرته تجمعوا بعد أيام من جلسة استجوابه في بغداد ليعبروا عن تأييدهم له
 جرى ذلك في آب/أغسطس 2016، ورغم أن وزير الدفاع هو من يحمي أرض الدولة وشعبها، إلا أن عددًا من شيوخ عشيرة العبيد تجمعوا بعد أيام من الجلسة في العاصمة بغداد ليعبروا عن تأييدهم لوزير الدفاع خالد العبيدي. وقال أحد شيوخ العبيد إنهم ليسوا “مذهبيين ولا طائفيين”، فيما قال آخر إن “ثلاثة ملايين من أبناء عشيرة العبيد وحدها، وسبعة ملايين في عموم المحافظات، يدعمون الوزير خالد العبيدي”!

حدث ذلك بين رئيس برلمان، ووزير دفاع، وهم من مكوّن واحد إن لزّم التذكير. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.

العشيرة فوق “السلطة الرابعة”: قنوات تحاصر وتهديدات تتكرّر

لا حدود لتدخل العشيرة في حل النزاعات حتى وصلت داخل الأروقة السياسية الرفيعة افتراضًا؛ لكنها اقتحمت مجال الإعلام، الذي يُفترض أن يكون السلطة الرابعة في دولة ديمقراطية. وسبق أن حذّر رئيس عشيرة الجميلة العام صاحب قناة الشرقية (البزّاز) من التمادي على النائبة وحدة الجميلي والتعرّض لسمعتها وكرامتها، مبينًا أن العشيرة “تحتفظ بحقها بمقاضاة صاحب القناة ومحاسبته”.

اقرأ/ي أيضًا: العشائرية في الانتخابات العراقية.. الديمقراطية أثاثًا وضيافة

في شباط/فبراير 2017 حدثت “كوامة عشائرية” بين عشيرة بني لام وبرنامج كوميدي يُدعى “ولاية بطيخ” بسبب إدعاء العشيرة أن البرنامج أساء لها في إحدى حلقاته الذي توقف بسبب الأزمة، وقد أظهر مقطع فيديو مسرّب في حينِها توعد أحد الشيوخ لقناة (هنا بغداد) التي كان يعرض البرنامج على شاشتها آنذاك.

وفي 30 نيسان/أبريل الماضي حاصر العشرات من عشيرة العلاق، مقر قناة آسيا في منطقة الكرادة وسط بغداد، بعد اتهامات وجهت للنائب السابق علي العلاق في برنامج تلفزيوني عُرضت على القناة المُحاصَرة.

عشيرة المُحافِظ لها رأيٌ بالمنصب

شهدت محافظة واسط خلافات حادة بسبب قضية اختيار المحافظ في كانون الأول/يناير 2019، بعد تعدّد الانتخابات وإلغائها، ودخول المحافظة في مشكلات دستورية أدت إلى وجود ثلاث محافظين في آن واحد، وهم محمد المياحي وعادل الزركاني والبطيخ. ويقول رئيس ائتلاف دولة القانون في مجلس محافظة واسط وصفي البدري إن “عشيرة المحافظ المياحي دخلت في التظاهرات التي تشهدها المحافظة للضغط من أجل إعادة الأخير إلى منصبه”.

معمم يُهدد ضابط والعشيرة تحمي عائلته!

انتشرت قبل شهرين قضية الضابط علي المالكي الذي اعتقل المعمم الإيراني، وظهر في مقاطع فيديو يتهمه بشراء الزئبق وتهريبه، ثم أحالته وزارة الداخلية إلى تحقيق بسبب المقطع المسرّب. وكان لعشيرة الضابط موقفًا من زعيم جيش المختار واثق البطاط الذي هدد الضابط وعائلته، قبل أن يرد شيخ بني مالك بأنه “لن يسمح لأي شخص في العراق مهما كان حجمه المساس بأي مالكيْ”.

وخرج الرائد علي المالكي من الحجز قبل أيام، ووجه رسالة لمن يُريدِ زيارته بأنه موجودٌ في محافظة البصرة بمنزل والده.

أخيرًا وليس آخرًا : نائب رئيس البرلمان

قبل أيام، هدد النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي عن تحالف سائرون، أحد الناشطين في التيار الصدري بما يسمى “الكَوامة العشائرية”، إثر تساؤلات وجهها الأخير للكعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هدد النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي أحد نشطاء في التيار الصدري بـ”الكَوامة العشائرية”، إثر تساؤلات وجهها الأخير للكعبي عبر “فيسبوك”
طالت الكعبي موجة من الانتقادات الساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي من الصدريين أنفسهم فضلًا عن الآخرين، ورغم أن الناشط المُهدَدَ دعا إلى مسح المنشورات المتعلقة بالحادث، إلا أن القضية أخذت مجراها بين الناشطين. وما زاد الطبين بلّة، أن الصدر ذاته الذي ينتمي لتحالفه الكعبي، وصف الصدامات العشائرية قبل أقل من شهرين بـ”الآفة”، مضيفًا “كأن العشيرة ورئيسها هو القاضي والجلاد حكمه فوق حكم الشرع والقانون”، منتقدًا “الذهنية القبلية المسيطرة والمتحكمة بالمجتمع والشعب”.

سياسيون بدائيون

وكما يبدو أن الكعبي، لن يكون آخر المهددين بالعشيرة، فالباب مفتوح على مصراعيه لطبقة سياسية يبدو أنها ليست فقط غير مؤهلة لبناء الدولة، بل غير مؤهلة لتنفيذ القانون في خصوماتها كما يرى منتقدو هذه الظاهرة.
يقول الكاتب هشام الموزاني إن “مفهوم الديمقراطية بدائي لدى النخب السياسية العراقية نتيجة أن الديمقراطية جاءت جاهزة؛ لذلك يؤمن قادتها بمفهوم الجماعات المترابطة بالدم أكثر من مفهوم المصلحة، ولهذا يلجئون إلى قرابة الدم كعامل داعم في أي شيء”.

أشار الموزاني في حديثه لـ”ألترا عراق” إلى أن “النخب السياسية تُدرك ضعف الدولة القانوني، لذلك تبحث عن دعم أو قوة خارج المنظومة السياسية والقانونية لإثبات الوجود أو درء الخطر”.

سبق لمجلس القضاء الأعلى أن وجه في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 بالتعامل مع قضايا “الدكات العشائرية” وفق قانون مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى أنه “يعتبر جرائم التهديد بـ”الدكات العشائرية” صورة من صور التهديد الإرهابي وفق أحكام المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب”.

وأشارت العديد من الأخبار إلى اعتقالات واسعة نفذتها الأجهزة الأمنية في عموم المحافظات الوسطى والجنوبية لاعتقال منفّذي “الدكة العشائرية” واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم بعد توجيه مجلس القضاء الأعلى.

الرصيد الانتخابي فوق القانون!

في الوقت الذي يتأسف مواطنون من مظاهر “الدكات العشائرية” والتهديد بالمقاضاة العشائرية بغير قانون الدولة، ويوجهون نقدهم للأجهزة الأمنية التي تتخلى عن دورها الدستوري بعد أن يلجأ الطرفان إلى حل نزاعهما عشائريًا سواء بجلسات “الكوامة العشائرية” أو بالأسلحة النارية، وهم يطالبون ـ أي المواطنين ـ بإعلاء سلطة الدولة على بقية السلطات الفرعية، في هذا الوقت يتوجه السياسيون والزعماء لقانون أدنى من سلطاتهم الدستورية، في مشهدٍ يوضح بؤس الحال الذي وصل إليه مفهوم الدولة في العراق.

لجوء السياسيين للجماعات له وجه آخر، وهم يثبتون من خلاله انتمائهم الصميمي لعشائرهم، وأنهم الأبناء الأوفياء للتقاليد العشائرية ولن يتخلوا عنها لأنها ترفع من رصيدهم الانتخابي
 لكن هشام الموزاني يرى أن “لجوء السياسيين للجماعات له وجه آخر، وهم يثبتون من خلاله انتمائهم الصميمي لعشائرهم، وأنهم الأبناء الأوفياء للتقاليد العشائرية ولن يتخلوا عنها”.

أضاف الموزاني أن “أفعال السياسيين هذه ترفع مستقبلًا من رصديهم الانتخابي، فالقبيلة تنظر بعداء وريبة لكل تجديد يقوض من وجودها ونفوذها”.
المصدر / تسريبات نيوز

اترك تعليقاً