السيمر / فيينا / السبت 06 . 07 . 2019
رحمن الفياض
دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته”أشهد ألا إله إلا الله.. وأن محمدا رسول الله” فكانت هذه الصيحة هى أول صيحة بالإسلام تخدش “كبرياء قريش” وبعدها لم ترحمه قريش من أذاها. أبو ذَر الغفاري أول معارض سياسي في التاريخ الإسلامي لايريد حكماً بمعارضته, وإنما يطلب عدلاً وأن يكون محامياً ونصيراً للفقراء, يحمل صفات نادرة. كيف لا وقد قال فيه المصطفى المختار (ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر). كيف لا يعارض وقد كان يذكر دائماً بقوله : أوصاني حبيبي بان أقول الحق وان كان مراً؟ وأمرني ألا ّ أخاف في االله لومة لائـم , وأمرني بحب المساكين , وصلة الرحم. هو احد أولئك الذين يمثلون شرف النزاهة والصفاء, يحمل صفات نادرة في الشجاعة والتحدي, لم يبالي بأحد عندما كان يصارح بآراءه حتى أَمام من هم أقوى منه فرغم الأذى الذي لاقاه يعود في اليوم التالي ليصدح بمعارضته لذلك الواقع المرير. بدأت الدعوة الإسلامية قبل فتح مكة بنشر شعارات المساواة والعدل, بين سادة قريش ومستضعفيها من العامة أو من العبيد ،وبهذه المباديْ, تم حشد العديد من الصحابة المدافعين عن جوهرها وقيمها, من عدل ومساواة وعدم إكتناز الأموال وإسعاف للمساكين والتواضع لهم . بعد الفتح تخلى قادة الإسلام عن هذه الشعارات, لصالح بناء الدولة والتوسع لنشر رسالة الإسلام وحتى بعد الفتوحات المتواصلة تجاهل القادة هذه الشعارات, ويظهر هذا خصوصا في عهد “الخليفة الثالث ” بعد إستئثار بني أمية قبيلة الخليفة في بأموال المسلمين وقد إتسمت سياسته بمحاباة أهل القرابة . تحولت هذه الفتوحات عمليا لتكديس الثروات, التي حجبت عن معظم جماهير الدولة الناشئة, لصالح الطبقة الأرستقراطية القريشية، فخلق هذا الوضع تناقضا طبقيا بين أقلية تملك الثروات الفاحشة وأراض تتعدى حدود الجزيرة العربية, وأغلبية تعيش على الكفاف . كل هذه التناقضات مع جوهر الإسلام خلقت معارضة, تشكلت من وجوه الصحابة رفضت ما إنساق إليه القادة المسلمين, من بذخ وإستئثار على حساب شعارات الإسلام إن هذا الانحراف الواضح في سياسة الدولة، هو الذي فتح أبواب المعارضة في عدة جبهات, في المدينة ، والشام ، ومصر ، والعراق ! ومن أجلاَء الصحابة وعظمائهم . ألزمتهم هذه السياسة بالتحرك المعاكس لها، أملا في ارجاع الحق الى نصابهو وتداركا لما قد تسببه من نتائج خطيرة على المجتمع الاسلامي كافة . هم ـ مع هذا كله ـ كانوا لا يتوانون في إسداء النصيحة للخليفة، واضعين في حسابهم وحدة المصير.. لكنه كان لا يلتفت اليهم, ولا الى نصائحهم بل يقابلهم بأسلوب خشن، في حين كان يصغي لمروان بن الحكم، وعمرو بن العاص ومعاوية، وغيرهم من المنحرفين وممن أمرهم في الاسلام واضح . لقد كان أبو ذر ( رض ) رائد المعارضين، فلم يتوانى في ابداء النصيحة للحاكم وكان يجهد في ذلك، فيصارحه ويصارح غيره من ولاته بما أحدثوه وبدَّلوه في مسرى الخلافة الاسلامية, وتحريفهم إياها عن الطريق المميز لها ويدعوهم الى الرجوع الى جادة الحق والصواب وانتشال المجتمع من الجهل والفقر الذي كان سائدا فيه . طريق المعارضة ليس وليد اللحظة فالنصح وتقديم المشورة وابداء الرأي للحاكم، كان منذ بداية الرسالة الأسلامية.. ومعارضة اليوم هي أمتداد لذلك النهج الخالد الذي أسس الغفاري (رض)، معارضة اليوم أستمدت من أولئك الرجال العظام فالنهج والمورث والتاريخ يتجدد.