السيمر / فيينا / السبت 06 . 07 . 2019
احمد موسى جياد*
بعد اكثر من عشرين شهرا من المتابعة الشخصية والتواصل اعلنت مؤخرا كل من شركة تسويق النفط- سومو- ووزارة النفط البيانات المتعلقة بكميات وعوائد النفط الخام التي تم بيعها مباشرة ضمن ممارسة “المزاد الالكتروني” او “المتاجرة الفورية- Spot trading” خلال الفترة المحصورة بين بداية حزيران 2017 ونهاية ايار 2019. وفي ضوء المعلومات المعلنة فقد بلغت تلك المبيعات اكثر من 76.4 مليون برميل وعوائد كلية تزيد على 4.5 بليون دولار بضمنها عوائد اضافية (بسبب العلاوة السعرية) تزيد على 59.6 مليون دولار.
وبلا شك فان خلفية هذا الافصاح وطريقته وتفاصيله انما يشكل تطورا مهما للغاية ويعد سابقة ثمينة تحتم الاشادة بها والتاكيد على ضرورة ديمومتها وتقييمها بموضوعية ومهنية.
ان تحليل البيانات تشير من جهة الى الاهمية المتزايدة لهذا النوع من الصفقات الفورية في تحقيق “عوائد اضافية”؛ ولكن من جهة اخرى قد تقود اغراءات العوائد الاضافية القصيرة الامد الى التاثير سلبيا على الموقع التسويقي لسومو في الامدين المتوسط والبعيد مما قد يسبب اضرارا مؤثرة على عوائد الصادرات النفطية مستقبلا. وعليه وفي ضوء التحليل اقترح على الجهات المعنية دراسة امكانية وجدوى تاسيس منصة الكترونية للبيع الفوري خاصة بشركة سومو (سوموسبوت) تعمل حصرا بالبيع الفوري للنفوط العراقية حصرا وضمن ضوابط وشروط وآليات تلتزم بثلاثة اسس هي التنافسية والشفافية والحوكمة الهيكلية-العملياتية.
ولأهمية الموضوع تتضمن هذه المساهمة بيان خلفيته بشكل موجز ثم عرض تفاصيل البيانات التي وفرتها سومو وبعد ذلك يتم تقديم بعض الملاحظات التقييمية التحليلية واخيرا اقتراح منصة خاصة لبيع نسبة من النفط العراقي بموجب آلية الصفقات الفورية التنافسية .
اثارة ومتابعة موضوع مبيعات النفط الفورية
سبق لي ان تناولت هذا الموضوع وبشكل تفصيلي مستخدما الاحصائيات والبيانات الرسمية وكنت على تواصل مباشر مع شركة سومو بهذا الخصوص. وقد ارسلت ما كتبته (باللغتين العربية والانكليزية) الى عدد كبير جدا (يزيد على 2000) من كبار المسؤولين والمعنيين الرسميين والنواب والمختصين والاكاديميين ومراكز الابحاث ومنظمات المجتمع المدني والاعلاميين والشركات النفطية والوزارات المعنية وغيرهم؛ وقد نشرت مساهماتي في العديد من المواقع الالكترونية وقنوات التواصل الاجتماعي داخل وخارج العراق.
قمت باثارة الموضوع لأول مرة في بداية شهر ايلول 2017
Debating SOMO’ Transformation. The English text posted on IBN and AlKhbaar on 5 Sept 2017 http://www.iraq-businessnews.com/2017/09/05/expert-blog-debating-somo-transformation/ ; http://www.akhbaar.org/home/2017/9/233074.html and the Arabic text on http://www.akhbaar.org/home/2017/9/233297.html
وبعد ذلك استلمت طلبا من وزارة النفط بتقديم ورقة عن الموضوع (اضافة الى الورقتين التي تم قبولهما) لتقدم في “المؤتمر العراقي للاستثمار” المنوي عقده في بغداد في منتصف تشرين ثاني من ذلك العام. وقد تم الغاء المؤتمر وبشكل مفاجئ بتوجيهات من وزير النفط السابق جبار لعيبي وبدون بيان الاسباب (حسب المراسلات الرسمية التي استلمتها من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر).
بسبب الغاء المؤتمر المذكور اعلاه استلمت دعوة رسمية من شركة سومو للقدوم الي بغداد لمناقشة ما كتبته حول الموضوع مع قيادة سومو وكوادرها المتخصصة. ولأسباب عديدة فقد تعذر حضوري الى بغداد واقترحت عليهم عقد اللقاء والحوار من خلال تسهيلات السكايب؛ وفعلا تم ذلك في يوم 12 كانون اول 2017 واستغرق الحوار ثلاث ساعات متواصلة وكان موضوع المبيعات الفورية من ضمن ما تم مناقشته.
Reforming and Transforming SOMO- A Follow Up, posted on IBN on 13 Dec 2017 http://www.iraq-businessnews.com/2017/12/13/reforming-and-transforming-somo/ and on Al-Akhbaar 13 Dec 2017 http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238018.html
ونظرا لتأخر سومو في الافصاح عن بيانات المبيعات الفورية وتوقف وزارة النفط عن ذكر تلك المبيعات في تقاريرها الشهري اصبح من الواجب والضروري اثارة الموضوع من جديد؛ وقد حصل ذلك في 21 اذار الماضي في مقالتي التي دعوت فيها كل من وزارة النفط وشركة سومو الى “ بيان مصير شحنات النفط العراقي التي تم بيعها في بورصة دبي” (يمكن الاطلاع علي المقالة من خلال الرابط http://www.akhbaar.org/home/2019/3/255755.html posted 21 March 2019)
بعد ذلك مباشرة استلمت رسالة تفصيلية موقعة من قبل الاخ مديرعام شركة سومو بتاريخ 23 اذار. الا ان تلك الرسالة لم توفر الادلة المادية ولم تقدم الاجابة الشافية المقنعة للتساؤلات التي تمت اثارتها في مقالتي. وقمت في نفس اليوم باعداد وارسال جواب تفصيلي لمديرعام سومو ذكرت فيها بالتحديد ماهي المعلومات التي يفترض على سومو ان توفرها لتوضيح موضوع تلك المبيعات.
ومن الجدير بالذكر هنا هو قيام وزارة النفط بنشر “جزء” من الرد الذي وجه لي (كما ذكر اعلاه) من شركة سومو وذلك في الموقع الالكتروني للوزارة بتاريخ 25 اذار (يمكن الاطلاع على ما نشرته الوزارة من خلال الرابط التالي: ايضاح من شركة تسويق النفط بشأن شحنات النفط الخام العراقي آلية البيع الفوري
https://oil.gov.iq/index.php?name=News&file=article&sid=2276 )
استغرقت شركة سومو ثلاثة اشهر لاعداد البيانات التفصيلية المتعلقة بالموضوع وقامت كل من الشركة والوزارة بنشر تلك البيانات على مواقعهما الالكترونية يوم 23 حزيران.
بيانات شركة سومو
اعدت هذه البيانات من قبل الهيئة المالية التجارية لشركة سومو وقد انحصرت هذه البيانات بداية بأربعة جداول فقط دون اية توضيحات او شروحات او ملاحظات.
يوفر الجدول رقم 1 تفاصيل شحنات النفط الخام التي بيعت عن طريق بورصة دبي للطاقة (دي ام إيDME ) خلال عام 2017. تتضمن تفاصيل الجدول المعلومات عن: الشهر، اسم الشركة -المشتري، رقم الشحنة، تاريخ البيع وتاريخ التحميل، نوع النفط، الكمية، العلاوة السعرية (دولار/برميل)، الايراد الاضافي المتحقق، سعر بيع البرميل، الايراد الكلي.
بلغت كمية النفط الخام المباع حوالي 1.959 مليون برميل بعوائد كلية بلغت حوالي 999 مليون دولار بضمنها ايراد اضافي حوالي 13.4 مليون دولار.
اما الجدول رقم 2 فانه يوفر تفاصيل شحنات النفط الخام التي بيعت عن طريق بورصة دبي للطاقة خلال عام 2018.
بلغت كمية النفط الخام ما يزيد على 7.5 مليون برميل بعوائد كلية بلغت حوالي 465 مليون دولار وايراد اضافي يزيد على 2 مليون دولار.
يعرض الجدول رقم 3 “كميات واقيام شحنات النفط الخام التي تم بيعها بعلاوة سعرية وتحقيق ايراد اضافي خلال عامي 2017/2018″؛ حيث بلغت كمية النفط الخام حوالي 16 مليون برميل بعوائد كلية بلغت حوالي 920 مليون دولار وايراد اضافي يزيد على 7.9 مليون دولار.
واخيرا يعرض الجدول رقم 4 “كميات واقيام شحنات النفط الخام التي تم بيعها بعلاوة سعرية وتحقيق ايراد اضافي خلال عام 2019″؛ لغاية نهاية شهر نيسان.
بلغت كمية النفط الخام ما يزيد على 20 مليون برميل بعوائد كلية بلغت حوالي 1.251 بليون دولار وايراد اضافي يزيد على 20.5 مليون دولار.
كما وقدمت سومو، ضمن تقريرها لشهر ايار، جدولا عن “كميات واقيام شحنات النفط الخام التي تم بيعها بعلاوة سعرية وتحقيق ايراد اضافي خلال شهر ايار/ 2019”.
بلغت كمية النفط الخام المباعة في شهر ايار حوالي 13.3 مليون برميل بعوائد كلية تزيد على 913 مليون دولار وايراد اضافي حوالي 16 مليون دولار.
تحليل البيانات وتقييم الافصاح عنها
يتضمن هذا الجزء تشخيص الجوانب الايجابية لهذا الافصاح وتحديد ما يمكن ان يقلل من او يشكك في مصداقية الافصاح التي لابد من معالجتها والتحذير من خطورة ممارسات قصر النظر التي تتسم بتفضيل المكتسبات المالية قصيرة الاجل على حساب التموضع التسويقي والاستراتيجي Strategic Marketing Positioning لسومو وحصتها من السوق النفطية الدولية التنافسية في الامدين المتوسط والبعيد.
اولا: سابقة مهمة تؤسس لمتطلبات والتزامات ضرورية.
من خلال المتابعة المتواصلة لنشاطات وتطورات القطاع النفطي ومراجعة قاعدة البيانات الاحصائية والمعلومات التفصيلية ومختلف الوثائق التي قمت واقوم بتجميعها وتحديثها بشكل يومي ورصد نشاطات سومو لما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن فانني ارى ان هذا الافصاح يشكل سابقة مهمة للغاية وجيدة تستحق التقدير والدعم؛ حيث لم يسبق لشركة سومو ان قامت بتوفير البيانات بهذا الشكل من التفصيل. وانني اعتقد بانه سيترتب على هذا الافصاح ما يلي:
1- انه يشكل الاساس المادي وكحد ادنى لنوعية وتفصيل وشمولية البيانات التي تتعلق بنشاطات سومو (ووزارة النفط) التي يجب توفيرها مستقبلا وعلى اساس شهري؛
2- ضرورة توسيع هذا الافصاح ليشمل ليس فقط المبيعات الفورية للنفط الخام بل كذلك المبيعات الشهرية الاعتيادية تنفيذا للعقود المبرمة على اساس العقود السنوية التي تتحدد فيها كميات عقدية على اساس يومي وفق خطة مركزية يتم اعدادها من قبل دائرة الدراسات والتخطيط والمتابعة في مركز وزارة النفط وبالتنسيق المباشر مع الشركات المنتجة للنفط الخام العراقي ( كشركة نفط البصرة وشركة نفط ميسان وشركة نفط الوسط وشركة نفط الشمال وشركة نفط ذي قار) ويتم ابلاغ شركة تسويق النفط ( سومو) بالخطة للسنة المعنية خلال شهر تشرين الاول من العام السابق للسنة المعنية؛
3- ان هذا المستوى من الافصاح يعزز الشفافية في رصد عوائد الصادرات النفطية ويسهل الى حد كبير جهود التحقق والمطابقة للتأكد من مصداقية هذه البيانات؛
4- يمكن اعتبار تفاصيل بيانات سومو مثلا يقتدى به من قبل بقية الشركات الوطنية التابعة الى ودوائر وزارة النفط وذلك لتحقيق مستويات متقدمة للشفافية وحوكمة القطاع النفطي. ومن الجدير بالذكر هنا ان معيار 2019 لمنظمة الشفافية للصناعات الاستخراجية EITI الذي تم اعتماد في المؤتمر العالمي للمنظمة الذي عقد في باريس في شهر جزيران الماضي يتطلب الكثير من المعلومات التفصيلية.
ثانيا: المتابعة والتواصل تؤتي ثمارها
عند اثارتي المتواصلة للموضوع (كما ذكر اعلاه) لم نكن نعلم الحجم الحقيقي للمبيعات الفورية وتفاصيلها. وبعد حوالي السنتين من المتابعة والتواصل المباشر مع شركة سومو يعلم (او يستطيع ان يعلم) الجميع الان ان مجموع هذه المبيعات الفورية بين بداية شهر حزيران 2017 ونهاية شهر ايار 2019 قد زادت عن 76.4 مليون برميل وعوائد اجمالية تزيد على 4.5 بليون دولار بضمنها عوائد اضافية (بسبب العلاوة السعرية) تزيد على 59.6 مليون دولار.
وهذا بالتاكيد يعني بانه لولم تتم اثارة ومتابعة الموضوع لما اقدمت كل من سومو ووزارة النفط على الافصاح عن هذه الكميات الكبيرة والعوائد الضخمة الناجمة عن هذه المبيعات الفورية والتي تشكل ممارسة جديدة ضمن نشاطات سومو.
كذلك تدلل هذه الحالة ان بامكان المتابعة الفردية، المهنية المتخصصة والموضوعية والمستندة على احصائيات دقيقة ومصادر موثوقة، ان تدفع الجهات الرسمية (وفي هذه الحالة كل من شركة سومو ووزارة النفط) الى الاستجابة والتواصل مع خبراء النفط والمتخصصين من خارج القطاع النفطي خدمة للمصلحة العليا للوطن.
وفي نفس الوقت يجب العمل على ضمان ديمومة واستمرارية هذا الافصاح وتوسيعه ليشمل كافة نشاطات القطاع النفطي اخذين بنظر الاعتبار خصوصية القطاعات الجزئية ومختلف دوائر الوزارة.
ثالثا: اشكالية شفافية البيع الفوري المباشر
على الرغم من اهمية هذا الافصاح وضرورة استمراره فانه لابد من التنويه الى مواضع الضعف والاشكاليات الواضحة فيه والتنبيه الى والدعوة لمعالجتها.
- تشير بيانات سومو الى نوعين من الجداول: الاول يتعلق بتفاصيل شحنات النفط الخام التي بيعت بالمزاد الالكتروني عن طريق بورصة دبي للطاقة (دي ام إيDME ) خلال عامي 2017 و2018؛ اما النوع الثاني من الجداول فلم تتضمن اية اشارة الى الكيفية التي تم بموجبها البيع الفوري ولا اسم منصة/بورصة المزاد وذلك منذ شهر كانون اول 2017 ولغاية نهاية ايار 2019. وهذا يشكك في مصداقية اعلان الوزارة (المشار اليه اعلاه) الذي افاد بان جميع المبيعات “تمت بواسطة المزاد الالكتروني في بورصة دبي للطاقة ( DME ) وبلاتس وشحنات فورية” حيث لم تشر جداول سومو الى بلاتس ولا الى ان الشحنات الفورية تمت بواسطة المزاد الالكتروني. وما لم توضح سومو الكيفية وتسمية منصة المزاد فسوف يدفع ذلك للاعتقاد ان سومو قد قامت بهذه العمليات بشكل مباشر وغير تنافسي وتاريخ البيع غير معلن مع الشركات النفطية الدولية التي اشترت فعلا تلك الكميات. وهذا يشكل انعدام مطبق لشفافية العملية مما يعزز الشك في مصداقيتها وبالتالي يفتح المجال واسعا لإثارة امكانية وجود الفساد فيها؛
- وعند المقارنة بين هذين النوعين من الجداول نجد ان الفرق الوحيد بين مكوناتهما هو ان جداول النوع الاول تتضمن عمودا خاص بعنوان “تاريخ البيع/تاريخ التحميل” لكل شحنة من النفط الخام التي تم بيعها في بورصة دبي للطاقة، بينما تشير جداول النوع الثاني الى “تاريخ التحميل” فقط. وهذا خلل اضافي ومهم في شفافية آلية البيع المباشر الفوري؛
- توفر بورصة دبي للطاقة معلومات تتعلق بكل مناقصة/مزاد الكتروني من حيث تاريخ ووقت المناقصة؛ عدد الشركات التي دفعت رسوم المشاركة في المناقصة؛ عدد الشركات التي ساهمت فعلا في المناقصة؛ عدد العروض التي قدمت خلال المناقصة؛ الفترة الزمنية التي استغرقتها المناقصة. اما آلية البيع المباشر الفوري فلم توفر سومو أي من هذه معلومات مطلقا!!!
رابعا: الحذر من اغراءات وضبابية “العوائد الاضافية”
بالتاكيد ان قيام سومو بتحقيق عوائد اضافية (بسبب العلاوة السعرية) من خلال المبيعات الفورية وبما يزيد على 59.6 مليون دولار خلال الفترة المحصورة بين بداية حزيران 2017 ونهاية ايار 2019 يعتبر انجازا جيدا لرفد خزينة الدولة بهذا المبلغ.
ولكن، بالمقابل، لابد من الحذر حيث ان اعتماد هذا المؤشر المالي (اي العوائد الاضافية) وترويجه كمعيار للكفاءة والانجاز قد يوفر الغطاء لإخفاء ممارسات غير اعتيادية وغير قانونية قد ترقى وتقود الى الشك بوجود حالة فساد وخاصة عندما تتم عمليات البيع الفوري بشكل مباشر بدون توفر الادلة المادية عن تنافسية العملية وشفافيتها.
كذلك تغري العوائد الاضافية الى اعطاء الاولوية لصفقات البيع الفوري ذات المردود قصير الامد على حساب متطلبات التموضع الاستراتيجي التسويقي في المدى المتوسط والبعيد مما قد يسبب او يشكل خسائر استراتيجية مكلفة ومؤثرة. وهنا لا بد من التحذير الجدي من هذه الاحتمالية وحسب ما تشير اليه المقارنات ادناه.
يستند التحليل التالي على عقد المقارنة بين كميات النفط الخام التي تم بيعها بموجب الصفقات الفورية واجمالي الصادرات النفطية في نفس الاشهر التي تم فيها بيع الصفقات الفورية.
1- بلغ مجموع كميات النفط الخام التي تم بيعها بموجب الصفقات الفورية منذ بداية حزيران 2017 ونهاية ايار 2019 اكثر من 76.4 مليون برميل تشكل حوالي 3.9 % من اجمالي الصادرات النفطية في نفس الاشهر التي تم فيها بيع الصفقات الفورية. ولكن لو نظرنا الى التطور السنوي نجد ان النسبة اعلاه قد ازدادت بشكل متسارع وكبير من 2.6% في 2017 الى 3.4% في 2018 الى 6.4% في 2019؛
2- وعند النظر الى المقارنات الشهرية نجد ان هذه النسبة قد ارتفعت (ولكن بشكل متذبذب) من 3.6% في شهر كانون ثاني 2018 الى 12% في شهر ايار 2019. ولكن ما يثير الانتباه (اضافة الى هذه الزيادة التي تفوق اربعة اضعاف) ان كمية الزيادة في المبيعات الفورية كانت في بعض الاشهر تفوق كمية الزيادة في اجمالي الصادرات النفطية لتلك الاشهر. فمثلا ازدادت المبيعات الفورية في شهر تشرين ثاني 2018 بواقع 3.342 مليون برميل عما كانت عليه الصفقات السابقة في شهر نيسان 2018 مقارنة بزيادة في اجمالي الصادرات النفطية لتلك الاشهر قدرها 1.117 مليون برميل. وفي مثال اخر نجد انه في الوقت الذي انخفضت فيه اجمالي كميات المبيعات النفطية ازدادت كمية الصفقات الفورية؛ فقد انخفضت اجمالي كميات المبيعات النفطية لشهر نيسان 2018 مقارنة بالشهر السابق له بواقع 6.853 مليون برميل في حين ازدادت كمية الصفقات الفورية بأكثر من مليون برميل خلال شهري المقارنة. والمثال الثالث يشير الى انخفاض كلا من المبيعات الاجمالية والفورية ولكن الانخفاض في الاخيرة كان اقل كثيرا مما كانت عليه الحال في الاولى؛ فقد انخفض حجم المبيعات الاجمالية بواقع 11.723 مليون برميل في شهر شباط 2019 عما كانت عليه في الشهر السابق له مقارنة بانخفاض 522 الف برميل فقط خلال شهري المقارنة.
3- تمثل الصفقات الفورية لمزيج نفط كركوك مثالا مقلقا للغاية. تم خلال الفترة المحصورة بين بداية كانون اول 2018 ونهاية ايار 2019 بيع 12 شحنة من الصفقات الفورية بلغت كمياتها الكلية 5.25 مليون برميل او ما يعادل حوالي 33% من اجمالي صادرات نفط كركوك خلال نفس الفترة. ولكن على المستوى الشهري نجد ان هذه النسبة قد ازدادت بشكل متواصل من حوالي 24.8% الى اكثر من ضعف ذلك او 54.5% بين شهري كانون ثاني وايار من هذا العام. وهذا توجه قد لا تحمد عقباه نتيجة لتزايد مبيعات الصفقات الفورية وبطريقة مباشرة وغير تنافسية كما تم توضيحه اعلاه. قد يكون من المفيد في هذا المجال التذكير بما قاله مدير عام سومو السابق واحد داعمي صفقات البيع الفوري (د. فلاح العامري) “لقد خسرنا سوقنا في اوربا، لقد ضعفت وخاصة نفط مزيج كركوك” (خلال مقابلة مع “تقرير نفط العراق” بتاريخ 24 ايار 2017)، فهل بيع هذه النسبة العالية من نفط كركوك بهذه الطريقة يساهم في تعميق خسارة العراق للسوق الاوربية ام يسترجعها؟
ان هذه الامثلة وغيرها تدلل على ان تلبية “اغراءات” الصفقات الفورية قد تحققت على حساب تلبية احتياجات الشركات النفطية الدولية التي تشكل العملاء التقليدين لشراء النفط العراقي. وهذه الافضلية التي تعطيها ادارة سومو للصفقات الفورية قد تؤثر سلبا على سمعة ومصداقية سومو والثقة في وجدوى “العقود السنوية” التي تتوصل اليها تلك الشركات مع سومو.
مقترحات للمناقشة والتنفيذ
لاجل الاستفادة من المزايا المادية للبيع الفوري التنافسي بشكل منتظم ومنسق ولتجنب الاثار السلبية الممكنة لهذا البيع الفوري على آلية العقود السنوية التي تعتمدها سومو منذ عقود اقدم المقترحات التالية:
- اعداد دراسة متخصصة وافية (او ورقة عمل background & working paper) لتقييم تجربة سومو في البيع الفوري منذ بداية التجربة في نيسان 2017 ولغاية تاريخه وذلك لتحديد الجوانب الايجابية والسلبية والمتطلبات التنفيذية والاجرائية التي تم اعتمادها وتشخيص الدروس التي يجب الاسترشاد بها وما يجب عمله لتحقيق نتائج جيدة للعراق؛
- قيام سومو ومركز الوزارة والممثلين الاخرين في “اللجنة الوزارية” بتحديد نسبة معينة من الصادرات النفطية يتم بيعها باسلوب البيع الفوري التنافسي وحسب نوعية النفط الخام. يتم تحديد هذه النسبة على اساس سنوي (بالتوازي مع ممارسة العقود السنوية المعمول بها من قبل سومو منذ عدة سنوات) وعلى اساس شهري (بالتوازي مع ممارسة قرارات اللجنة الوزارية الشهرية المعمول بها من قبل سومو منذ عدة سنوات). يتم الاعلان عن هذه النسب بشكل كامل وبتوقيتات زمنية محددة ومناسبة؛
- دراسة امكانية وجدوى قيام سومو بتاسيس منصة خاصة بها للبيع الفوري التنافسي- حسب النسب المتفق عليها اعلاه- تتعلق بالنفوط العراقية حصرا (وهي في الوقت الحالي تشمل نفط بصرة خفيف، بصرة ثقيل، مزيج كركوك، نفط القيارة) ويمكن ايضا شمول صادرات زيت الوقود، المكثفات، النفثا وغيرها ونفوط كردستان (في حالة الاتفاق بين الحكومة الفدرالية وحكومة الاقليم تنفيذا لقوانين الموازنة السنوية). وبالامكان اضافة نفوط جديدة مستقبلا (مثل نفط البصرة الوسيط؛ نفط اليمامة ذي النوعية الجيدة وغيرها) في ضوء اكتمال عمليات تطوير الحقول؛
- قد تدار المنصة المقترحة ضمن التشكيلات الحالية لسومو او تاسيس شركة تابعة لسومو(مثلا SOMO-SPOT) حيث ان نشاطات البيع الفوري التنافسي يتطلب نوعا من المرونة التسويقية. ولكن لا بد من وضع الشروط والضوابط والاجراءات العملية والتنظيمية للمنصة المقترحة والتي يجب ان تتضمن اعتماد التنافسية الفعلية والافصاح الشامل وبشفافية كاملة بكل ما يتعلق بعمل المنصة المقترحة ونشاطاتها والشحنات التي يتم بيعها من خلال المنصة المقترحة؛
- تخضع نشاطات المنصة المقترحة وادارتها الى نفس الضوابط التي تقرها اللجنة الوزارية واشرافها وكل ما يتعلق بتحويل عوائد البيع الفوري التنافسي الى خزينة الدولة وضوابط حوكمة القطاع النفطي.
استشارية التنمية والابحاث/العراق
النرويج
6 تموز 2019