أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / تيّار الحكمة بين البقاء والزوال

تيّار الحكمة بين البقاء والزوال

مدعوا الدين والوطنية والسياسة الجدد وضعوا اليد على القصور والفلل والعمارات وتركوا للشعب فقط اكوام القمامة

السيمر/ فيينا / الثلاثاء 23 . 07 . 2019

كتب المراقبون  تقييما لتيّار الحكمة، ونقدّم هنا خلاصةً لهذه الآراء والبحوث, وهذا التقييم يأخذ بنظر الاعتبار تقييم حركة السيّد عمّار منذ عام 2005 يوم كان في المجلس الأعلى إلى عام 2019، ويحاول أنْ يعطيَ تصوّراً عن مستقبل السيّد عمّار وتيّاره السياسيّ ( الحكمة )، وهي:

أوّلاً : تيّار الحكمة يفقد تحالفاته:

منذ عام 2003 إلى الآن نجد أنّ السيّد عمّار وحسب المتابعة قد فَقَدَ العديد من أنصاره الأساسيين وصولاً إلى عام 2019 ،  وعلى تفصيل مختصر يؤكّده الواقع الآن، وهو :

1. في الجانب السنّي فقد العلاقة مع  الأحزاب ذات الثقل الشعبيّ والسياسيّ،  وتحالف عبر تيّار الإصلاح مع الأحزاب الأضعف من آل النجيفيّ، وصالح المطلك، وباقي الأحزاب التي لا وجود لها في الساحة السياسية، بينما الجبهة الأخرى (البناء) الشيعيّ تحالفت مع الأحزاب ذات الثقل الشعبيّ .

2. في الجانب الكرديّ فقد تيّار الحكمة أكبر حليف وهو مسعود البرزانيّ الذي نجده متحالفاً دوماً مع الأقوى، وعمّار لم يكن هو الأقوى، لا في وجوده الخارجيّ، ولا في حزبه، ولا في تحالفاته، بينما من يبحث ويراجع سجّلات الأحداث يجد أنّ المجلس بقيادة عمّار كان القريب الحليف جدّاً من مسعود البرزانيّ .

3. في الجانب الشيعي فقد السيّد عمّار كلّ تحالفاته، سواء مع التيّار الصدري الذي كان يعوّل عليه، كما فقد باقي الحلفاء منهم النصر، أمّا جبهة البناء فلايمكن لها أنْ تتحالف مع السيّد عمّار بعد اليوم؛ لاختلاف الأيديولوجيات والمواقف والأهداف، وهذا يدلّ على عمق العزلة السياسية، وضعف تيّار الحكمة في واقعه السياسيّ، ومن الآن يمكن أنْ نقول: إنّ الحكمة فقد القدرة على التحكّم بالعملية السياسية، وعلى أنْ يُوجد له طريقاً يجد  نفسه من خلاله، ولا بدّ له من إعادة حساباته، وهي بطبيعة الحال ضرورة عودته إلى بيت الطاعة الشيعيّ، وأنّ السبيل في عودته إلى البيت الشيعيّ عاد من المستحيل؛ كونه قد خسر كلّ الحلفاء، واختلف معهم في العديد من النقاط.

4. السيّد عمّار لايمكنه أنْ يكون مثل التيّار الصدريّ الذي يرفض التحالف مع الأحزاب الشيعية، لأنّه يجد نفسه مستغنيا عنها بقوّة جمهوره الصدريّ، سواء الشعبيّ أو الانتخابيّ،  والذي منحه وجوداً برلمانياً قويّاً، يمكّنه أنْ يكون هو الحزب الأوّل، وباقي الأحزاب الشيعية مضطرة للتعامل معه كواقع بأنّه الحزب الأقوى، وهذه الرؤية لدى التيّار ستكون هي الحاكمة في كلّ الانتخابات المقبلة.

ثانيا : تيّار الحكمة والمرجعية:

 لو نظرنا إلى خطاب السيّد عمّار يوم كان (الأب والعمّ )  زعماء للمجلس،  فقد كانوا يصرّون على أنّ مصدر قوّتهم كونهم الممثل الوحيد للمرجعية، وأنّهم حزب وحركة تنتمي قبل غيرها إلى المرجعية، وهذا ما عمل عليه  كثيراً  (الإبن، والأب، والعمّ )، إلّا أنّ الواقع الآن أثبت أنّ المراجع، وخصوصا بيت السيّد السيستانيّ لا يفرقون بين حزب وآخر، وعلى هذا الأساس فقد خسر السيّد عمّار خصوصاً بعد أن انسحب من المجلس الأعلى صاحب الخصوصية الاسلامية، وما ينطوي عليها من بُعدٍ في الانتماء إلى المرجعية؛ فإنّ السيّد عمّاراً بعد هذا الانسحاب لا يمكنه أنْ يدّعي أنّه يمتاز بأنّه الشخص أو الحزب الذي يعتبر امتداداً للمرجعية، لا في النجف الأشرف، ولا في قمّ المقدّسة، ولا يمكنه أنْ يسند ظهره إلى المرجعية؛ كونها تقف موقفاً واحداً متساوياً من جميع الأحزاب الشيعية كما تصرّح، ولايمكنه أنْ يعوّل على إرث آل الحكيم بعد أنْ صدرت بيانات وإيضاحات من أُسرة آل الحكيم فيها عزلت مسيرة الأسرة العلمية والفقهية عن خطّ السيّد عمّار السياسيّ ومتبنياته .

ثالثا : تيّار الحكمة والميحط الإقليميّ:

1. تيّار الحكمة وايران: فإنّ العلاقة يشوبها نحوٌ من الغموض؛ لأنه غادر الساحة الإسلامية وحتّى الساحة الشيعية من خلال تحالفاته، لذا لا يمكن أنْ يعدّ نفسه حليفاً لإيران، بل هو يعتمد على منهج الإبتعاد عنها، ويعتبر هذا الأمر منجزاً، بل أحد الخصوصيات التي تميّز تيّاره (الوطنيّ)، وأيضا من الطبيعيّ أنّ إيران لا يمكن لها أنْ تعتبره الحليف القويّ الاستراتيجيّ لها، وإنْ كانت إيران تريد الإبقاء مع قدر من العلاقة معه، لكنّها غادرته؛ لأنّها وجدت أنّ الساحة فرزت قوى سياسية جديدة أقرب لها (الفتح) , ومن الطبيعي أنّ ابتعاد إيران عنه وابتعاده عنها يجعله معزولاً في الداخل العراقيّ؛ كونه لا يريد التحالف مع الأحزاب والتحالفات المؤيّدة من قبل الجمهورية الاسلامية، وهذا ما وصل إليه السيّد عمّار في إعلان الاخفاق السياسيّ بالانسحاب من الحكومة، ومن البيت الشيعيّ، ومن البيت الوطنيّ الذي كان يعتقد أنّه يتجسّد من خلال تيّار وتحالف (الإصلاح), وهذا الأمر جعل الحكمة يعيش خريفه السياسيّ وفي طريقه إلى شتاء سياسيّ جاف وبارد وغير ممطر.

2. تيّار الحكمة والخليج :

(أ). بعد أنْ كان السيّد عمّار وتيّاره يعتبرُ نفسه الأقوى شخصا وحزبا في إقامة العلاقات مع الخليج اليوم وجد أنّ الخليج لا يتعامل مع الأحزاب الضعيفة، بل غادر نظرية التعامل الحزبيّ إلى اقامة العلاقات مع الأقوى، ومع الدولة، وهذا ما سار عليه عهد العلاقات الخليجية مع السيّد حيدر العباديّ، والسيّد عادل عبد المهدي من خلال مجالس تنسيقية ومذكرات تفاهم ومعاهدات وبروتكولات، والخليج الذي يريد التعامل مع العراق كلّ العراق وفق آليات دولية ومواثيق وعهود ومذكّرات لا يجد في تيار الحكمة وغيره من الأحزاب البعيدة عن القرار ما يلبّي طموحاتها .

(ب). الخليج منقسم على نفسه إلى ثلاثة توجّهات: توجّه تقوده الإمارات والسعودية (السلفية العلمانية)، وتوجّه تقوده قطر (الإخوانية العلمانية)، وتوجّه تقوده المصالح المستقلّة (الكويت وسلطنة عمان)، وكلّ هذه الانشطارات الكبيرة في الخليج تعسّر على الحكمة أن يتعامل مع الخليج كخليج، فلا بدّ أنْ يجد نفسه متعاملا مع طرف مّا، وهذا يمنع على السيّد عمّار أنْ يحدد أي جهة يسير فيها في ضوء التمزّق الخليجيّ، وعموماً فإنّ الخليج لمن يدقق في توجّهاته نجد أنّه لايهتمّ بعد عام 2016 إلى العلاقات مع الأحزاب سواء الخطّ السلفيّ أو الإخوانيّ أو المعتدل، بل الكلّ يريد أنْ يكون لهم وجود في العراق مع الدولة، وهذا التوجّه الخليجيّ جعل تيّار الحكمة غير فاعل في الخليج إلّا ببعض العلاقات التي هي دون مستوى طموح الحكمة.

مع أنّ السيّد عمّار هو الشخصية السياسية الوحيدة التي أعلنت عن استقبالها السفير السعوديّ السبهان والشمري في بغداد، وقال للسفير السعوديّ: « نقدّر ونثمّن سياسية المملكة الحكيمة» إلّا أنّ هذا الاستقبال لا يرتّب الأثر في تقوية السيّد عمّار وتيّاره، والدليل الإخفاق في أنْ يتمكّن تيّار السيد أو تحالف الاصلاح بأنْ يشكّل الحكومة .

3. تيّار الحكمة والعلاقات مع أمريكا:

كلّنا ندرك أنّ أمريكا تخطط بهدوء لتربط القدر المهمّ من شيعة العراق مع توجّهاتها العامّة في المنطقة، ويمكن القول: إنّها نجحت أو وجدت أنّ السيّد عمّار أنجز لها الكثير بقصد أو بدون قصد إذْ أنّه تمكّن أنْ يشقّ المجلس الأعلى الحليف المهمّ لإيران، وأنْ يقف ضدّ خطّ المقاومة والحشد الشعبيّ، وأنْ يعلن أنّه ليس جزءً من المشروع الإسلاميّ الشيعيّ أو غيره، وأنْ يكون له خطّا شيعيا ليبراليا مدنيا، وأنْ يمنع على نفسه وعلى تيّاره أي خطاب مضادّ للولايات المتحدة الأمريكية.
المهمّ أنّ السيّد عمّار يمثّل نموذجا لتيّار شيعيّ ليبراليّ قريباً من الخطّ الأمريكيّ تقريبا، وبهذا يمكن القول: إنّ السيّد عمّار يمثّل حالةً متقاربةً مع أمريكا خصوصا بعد أنْ سعت أمريكا عام 2018 إلى أنْ تشكّل الحكومة وجدنا أنّ السيّد عمّار وتيّاره محشورين في المحور الذي تؤيّده الولايات المتّحدة الأمريكية، ولكنّ مع هذا وجدنا أنّ السيّد عمّار لم يستفد في الواقع السياسيّ شيئاً من هذا التقارب الأيديولوجيّ والسياسيّ مع أمريكا؛ لأنه فقد بالاصل حاضنته المذهبية، وأراد أنْ يعوّضها بحاضنةٍ وطنيةٍ إلّا أنّه أخفق وتراجع كثيراً بلإيجاده تحالفات لا قيمة لها، وأنه «تحالف الإصلاح» مؤلّف من أحزابٍ، منها غادرت التحالف «التيّار الصدريّ ، وسائرون». ومنها غاردتها العملية السياسية، وغادرها الواقع، ولم تعدّ مؤثّرة «النصر، والنجيفيّ، والمطلك، وغيره.
الخاتمة : نقاط ضعف السيّد عمّار هي :

1. أنّ تيّار الحكمة وجد نفسه معزولاً شيعيا .

2. أنّ تيّار الحكمة لم يجد من يتحالف معه، وحتّى الحلفاء له – «سائرون»- غير مستقرّين معه على رأي ثابت ممّا سبب له الخروج، لأنه غير مقتنع بالبقاء معهم، بعد أنْ وجدهم لايهتمّون به .

3. أنّه لم يجد واقعاً لما كان يتصوّره من أنّ الخيمة الوطنية تعوّضه عن الخيمة المذهبية .

4. وجد السيّد عمّار أنّ خسارته للمحور الشيعيّ الإسلاميّ سوف تجعله خارج التأثير السياسيّ، وسوف تقلّص من حجمه ووزنه السياسيّ تدريجيا.

5. وجد أنّ الجمهور الشيعيّ ليس متفاعلا مع خطاباته؛ لذا توقّف عن خطاب الأربعاء الذي كان وخلال سنوات يتحدّث به السيّد عمّار عن رأيه سيراً على منهج عمّه الشهيد محمّد باقر الحكيم الذي كان له زمن المعارضة حديث إلى الشعب العراقي كلّ يوم أربعاء.

6. وجد السيّد عمّار أن الساحة السياسية فيها مؤثّرات عديدة: منها الخليج، وأمريكا، وإيران، وأنْ إيران أحد أقطاب التأثير في العراق، بل وجد أنّ إيران هي المؤثّر الأوّل بعد النجف، وأنّ أي خروج عن طاعة هذين المؤثّرين يعني أنه سوف لا يجد على الأرض أي حزب يتحالف معه، وبهذا يفقد القدرة والقوّة الشيعية.

7. إنّ عمّاراً اكتشف أنّ الخروج عن المجلس الأعلى أضعف الطرفين، فهو وإنْ كان تيّاره الأكثر عددا في نتائج الانتخابات إلّا أنّ المجلس وهو مندكٌّ بقوى إقليمية ومحلّية ويسند ظهره إلى سواند سياسية على الأرض تجعله أكثر من الحكمة تأثيراً.

8. اكتشف السيّد عمّار أنّ جيل الشباب المحيطّ به لايعني أيّ شيء، ولا يمكن لهذا الجيل أنْ يرسم أيّ طريق لمستقبل تيّاره، وأنّهم غير مؤثّرين، مع أنهكان يعتقد أنّه تمكّن أنْ يشارك التيّار الصدريّ في كسب الشباب.

9. لايمكن لإيران بعد اليوم أنْ تعتبر تيّار الحكمة تيّاراً يمكنها التعامل معه، وأنْ يتقبّل أفكارها، وأنّه جزء من ستراتيجيتها، بل لا يمكن لايران التعامل مع تيّار الحكمة بأدنى الحدود، وأقلّ القواسم المشتركة.

10. تحوّل تيّار الحكمة إلى تيّار ثانوي في نتائجه الإنتخابية بعد صعود أحزاب وتحالفات شيعية مهمّة مثل (العصائب) وإجمالي الفتح .

من هنا نعتقد أنّ تيّار الحكمة فقد الكثير من نقاط قوّته، لكنّه لا يعني أنّه خرج تماماً عن التأثير السياسيّ، فهو حزب شيعي له عدده المهمّ، لكنّه لا تأثير له إنْ بقي بسياسته غير المتوزانة التي تفقده القدرة على التأثير السياسيّ كونه لا يمتلك تحالفاً مهمّاً يؤهّله إلى لعب الدور السياسيّ والحكوميّ، وبهذا يمكن القول: إنْ بقي تيّار الحكمة بهذا الحال فإنّه يبقى بلا مال ولا رجال.

المصدر / وطن للانباء

اترك تعليقاً