الرئيسية / مقالات / دراسات ادبية وعلمية / خور عبد الله : من ازمة حدود الى ازمة وجود…

خور عبد الله : من ازمة حدود الى ازمة وجود…

السيمر / فيينا / الاثنين 16 . 09 . 2019

ا.د.حسن خليل حسن

جامعة البصرة- مركز علوم البحار

تسبب قرار مجلس الامن المجحف ذي الرقم 833 في  العام 1993  بتداعيات سلبية على حدود العراق البحرية مع الكويت، وترك جرحاً غائراً في ملف الحدود بين البلدين، اذ لم يأخذ ذلك القرار المنحاز بنظر الاعتبار مسارات خط الثالوك في ترسيم الحدود البحرية لخور عبد الله (النقاط الاعمق في المجرى الملاحي المشترك بين البلدين) بل اعتمد على تنصيف القناة ضمن التقسيم الحدودي للجزء الشمالي الغربي من خور عبدالله لغاية الدعامة (162)، الشكل (1)، حدث ذلك بغياب المفاوض العراقي الذي انسحب معترضاً في حينها، وكان من مفارقات اللجنة المسؤولة انها شددت في مقرراتها النهائية على ان(( مدخل خور عبدالله من عرض البحر يقع في مكان يحدث فيه تغير هام في اتجاه الخطوط الساحلية للدولتين)) بينما اغفلت هذه الحقيقة في حيثيات قرارها في النهاية، اذ حصل تجاهل القرار اكثر العوامل الطبيعية المؤثرة سلباً على مياهنا الاقليمية وهي ظروف التعرية والترسيب التي رسمت وترسم باستمرار النقاط الصالحة للملاحة وفق حركة واتجاه التيارات البحرية وفيزيائية الترسيب للحمولات الترسيبية التي تميز خور عبدالله وتحتل منه مساحات اوسع كثيرا من المساحات المائية التي تصلح للإبحار وخصوصا للبواخر ذات الغاطس الكبير، وهذه الملايين من الاطنان من الترسبات تعمل باستمرار على احداث تغيير هام في مواقع النقاط الحدودية، وهذا ما حدث فعلاً حين زحفت القناة الصالحة للأبحار لتقع ضمن اراضي الكويت.

وعلى ما يبدو ان الكويت ادركت محنة العراق الكبرى بسبب هذا القرار (الحربي) الذي خرج عن كل اشكال القرارات الحدودية الطبيعية، حينما اوكل الى لجان من مجلس الامن لوضع حدود بحرية (احترازية) لمنع التعديات الحربية على الكويت من قبل النظام السابق،  ومن يراقب امتداد الحدود البحرية بين الدولتين يُدرك حجم المعضلة التي تواجه العراق في هذا الملف المصيري، فبين دولة تمتلك 499 كيلومتر من الواجهات البحرية ذات الخصائص الاوقيانوغرافية المُهيئة لجميع اشكال الاستثمارات الساحلية على الخليج العربي، ترزح موانئ العراق في نطاق ما يشبه الشلال الرسوبي الدائم الذي يضخ اطيانه على ساحل بحري لا يتجاوز امتداده المتعرج سوى 64 كيلومتر يطل العراق من خلاله على خور عبدالله والخليج العربي بين الفاو وام قصر، وهو جميع ما يمتلكه العراق لمختلف الانشطة الساحلية المتاحة، وهذه الحقيقة جعلت جيرانه يدأبون على سياسة حرب حدودية ناعمة في ظل حكومات مقصّرة في حماية مستقبل البحر العراقي.

الشكل(1) الحدود المرسّمة وغير المرسّمة في خور عبدالله

واصدق مثال على حقيقة ما نقول مشكلة تنمية الجزر الضحضاحية للكويت وهي جزر عشوائية تبتعد او تقترب من ساحل جزيرة بوبيان على خور عبدالله في الجانب الكويتي، وقد اكدنا في دراسة سابقة(العلي وجماعته، 2012) حدوث عمليات تعرية وتراجع خط الصفر في  الساحل العراقي عند مدخل خور عبد الله بحدود 284متر خلال 46 سنة أي بحدود 6.17 متر/سنة تبعا” لطبيعة تربة الساحل ذات النسجات الناعمة والسرع العالية لتيارات الجزر، كما تصل عمليات التعرية في الجانب العراقي عند خور شيطانه قُبالة جزيرة وربة الكويتية إلى 370 متر أي بمعدل 8.04 متر/سنة لان سرع التيارات اكبر في هذه المنطقة.

وعلى ما يبدو ان الكويت بدأت مؤخراً بمحاولة تنمية حجم هذه الجزر والتدخل من اجل زيادة امتدادها واعادة تشكيلها لتلتصق بالساحل الكويتي، لتكون اساساً لخطوط ترسيم الحدود المنصّفة لخور عبدالله مع العراق، الشكل(2)، وهذا الامر ليس جديداً وقد نوهنا عليه قبل اكثر من 7 سنوات في بحث مفصل حول المساحات المتغيرة خلال مقارنة لفترات زمنية، كما عرضنا في مقالة تفصيلية بعنوان(خور عبدالله ام الفتنة الكبرى) في العام 2017 وبعدها سلسلة مقالات عرضت حال السواحل

العراقية في ظل نهم الجانب الكويتي بتوسعة الاستثمارات في ساحل بوبيان المقابل للعراق لا لضرورة او جدوى سوى محاولة لتعطيل اي جهد عراقي لتطوير ساحل طيني محدود ومنسي لما يقرب من 40 عام مضت من الحروب والمآسي السياسية. ولسهولة تحري الموضوع بواسطة الخرائط يلاحظ من الشكل (3) تظافر التأثيرات الطبيعية مع التدخلات البشرية في كسب نقاط خط الاساس في خور عبدالله باتجاه العراق، وهذا يحصل قبل الاتفاق على وضع هذه الحدود بشكل نهائي، اذ لم تتضمن الاتفاقات السابقة بين البلدين على المناطق في مدخل خور عبدالله الجنوبي (المناطق الواقعة جنوب شرق الدعامة (162) اذ كانت هذه الدعامة  آخر نقطة في خور عبدالله جرى الاتفاق عليها في العام 1993 ، ومن المؤكد ان التدخلات البشرية والتأثيرات الترسيبية سوف ترسم امتداد حدودي بحري لصالح الكويت باتجاه العراق مستقبلاً بشكل تدريجي، اذ سيشكل التدخل الاصطناعي في جزيرة فيشت العيج (Fasht al Ayk Island) حاجزاً لاصطياد وتجمع الرسوبيات امامها وخلفها وسوف تتشكل كتلة ارضية واسعة متقدمة باتجاه البر العراقي في خور عبدالله بعد ان تتكون جزيرة رسوبية متسعة امام جزيرة بوبيان، وهذا سيكون من مصلحة الكويت لانها سوف تسعى بكل قدراتها لجعل اساس ترسيم الحدود البحرية يبدأ من النقاط الجديدة، وقد اثبتت دراسة عراقية نُشرت في العام 2012 ان هنالك فرقاً يصل الى نصف المقطع العرضي في خور عبدالله فيما لو تم اعتماد خط اساس الترسيم من هذه الجزيرة المصطنعة، وهنا من المهم الاشارة نقطة حساسة لها علاقة وثيقة بهذا الاهتمام بمدخل خور عبدالله، اذ تجري الكويت منذ العام 2013 او قبل هذا التاريخ ااستعدادات على قدم وساق لإنجاز اكبر مشروع استثماري عالمي في الشرق الاوسط في هذه المنطقة، اذ انها خصصت اراضي واسعة استعداداً للعب دور محوري بعد وضع خطط متكاملة لإقامة (المنطقة الشمالية للصناعات الصينية في الكويت) واختارت خمس جزر تقع قبالة الساحل الشرقي للكويت (بوبيان، وربة، فيلكا، مسكان، عوهة لإقامة منطقة متحررة وبنى تحتية جاذبة، وخططت لإقامة مدينة استثمارية كاملة تخص المشروع اطلقت عليها (مدينة الحرير)، وحجزت مساحة واسعة في الطرف الشمالي الشرقي من اراضيها ضمن خطة (الامل – العمل) التي انطلقت ضمن استراتيجية وطنية للفترة 2010-2035  لمدة 25 عام، وكانت الكويت أول دولة عربية خليجية توقيع مذكرة تفاهم للتعاون مع الصين في إطار المبادرة الصينية (طريق الحرير الجديد) او ( الحزام – الطريق) على مستوى اعلى سلطة في الكويت، وبهذا فتحت افاق خطة تطويرية انطلقت في بدايات اعلان المشروع ليس فقط لتحقيق دور في مرور طريق الحرير عبر الكويت، ولتكون بؤرة انطلاق هذا المشروع في الشرق الاوسط وجنوب غرب اسيا وقد اطلقت لطموحها العنان ليكون الاستثمار في هو البديل الرئيس لمدخلاتها القومية المتأتية من عوائد تصدير النفط(البناء بعيداً عن النفط، وكانت البداية من تأهيل جزيرة بوبيان الكويتية لتكون مدينة استثمارية انموذجية، وتهدف الكويت من هذه الاجراءات لإنشاء استثمارات بقيمة 600 مليار دولار بأرباح متوقعة تبلغ 35 مليار. وبهذا فقد وضعت الكويت بدائل استراتيجية للتنافس مع القناة الجافة التي خطط العراق لربطها مع ميناء الفاو الكبير كظهير ارضي للربط السككي حيث تنوي الكويت استخدام اراضي العراق لنفس الغرض بعد تشغيل ميناء المبارك الكبير، ووضعت بدائل استراتيجية للربط السككي عبر دول الخليج وبالاخص عبر الاراضي السعودية كبديل في حال رفض العراق فتح اراضيه للمعبر المفترض، وهذه المنافسة تحاول اقصاء مشروع  العراق البحري – البري عن طريق نقل البضائع من  ميناء بوبيان (مبارك) من الخليج الى الكويت ثم العراق او السعودية ثم الاردن ثم تركيا الى اوربا، بينما لا توجد جدوى اقتصادية من هذا المشروع في طرف الخليج الشمالي وهو الاقرب الى البر العراقي سوى التنافس مع العراق وضرب المصالح الاقتصادية للموانئ واجهاض مشروع الفاو الكبير، ولهذا اقدمت الكويت على وضع التصاميم الخاصة بميناء مبارك الكبير بعد سنة واحدة من وضع تصاميم ميناء الفاو الكبير، وهذه التقارب في التوقيت يُظهر حجم التنافس المحموم، وبنفس الطريقة واجهت الكويت اعلان العراق عن اتمام كاسر الامواج الشرقي والغربي في ميناء الفاو الكبير المزمع انجازه بعد عشرين عاماً.!  والاعلان في البدء ببناء قاعدة بحرية عراقية في احد اطراف الميناء لحماية موانئها النفطية والتجارية في رأس الخليج، وقد قامت قيامة الدولة الجارة وارادت ان تنغص على العراقيين توقيت حلمهم البحري الذي طال انتظاره فمعدت الى تخطي العرف البحري واستحداث جزيرة مصطنعة في مياه غير مرسمة لحد الان، وقد تناست الكويت ان العراق يعمل في حدود بحره الاقليمي المحدود المواجه للخليج(البحر المفتوح) ولم يجري تحركاته في المقطع الطولي لخور عبدالله تلافياً للاحتكاك مع دول الجوار، بينما تنوي الكويت العكس عن طريق تطوير موانئها المنافسة وتدريعها ببعض الجزر المغمورة لتحولها الى نقاط ارضية جديدة في وسط خور عبدالله ذي المقطع الضيق بين الدولتين، وبهذه وتلك يستمر مسلسل منافسة الحقوق البحرية للعراق بتغيير واقع موانئه الحبيسة بإدخال بذور المشكلات الحدودية مرة وبتدخلات مباشرة بتحريك الشخصيات القلقلة في مواقع القرار العراقي تارةً اخرى.

يشار الى جزيرة بوبيان عبارة عن جزيرة طينية موحلة قريبة الى مستوى سطح البحر تغرق اجزاء منها عند أعلى مد، وهي منطقة هامشية فارغة لم تسكن من قبل، اضافة الى مناخها الحارة الرطب، ولأجل استثمارها وجعلها صالحة للإنشاءات والسكن وشق الطرق ومدها بالماء والكهرباء والاتصالات تحتاج الى ما يقارب 10مليار دولار لبعدها وصعوبة الوصول للجزيرة من اليابسة وتحتاج الى فترات زمنية طويلة لتحقيق ذلك.  ومن اجل مواجهة هذه الكارثة المرتقبة في الحدود البحرية في خور عبدالله، ومواجهة طرق مصادرة البحر الاقليمي للعراق من قبل دول الجوار، من المهم اتباع التوصيات التالية:

1- الاسراع بتشكيل فريق بحثي من الاختصاصين في الجانب البحري (الطبيعي والقانوني) لدراسة ابعاد الخطوات الكويتية ومدى تأثيرها على مستقبل الحدود في خور عبدالله، وانشاء دراسة متكاملة مدعمّة بالخرائط التفصيلية والادلة التاريخية للطعن بأي محاولة لادخال متغيرات جديدة في الحدود البحرية في خور عبدالله لصالح الكويت.

2- يجب الغاء جميع الاتفاقات الاولية حول الربط الشبكي مع جميع دول الجوار وبالاخص (الكويت وايران) والرفض بشكل حتمي للربط السككي مع الكويت، لان هذا الربط سيوجه ضربة قاصمة لاقتصاد الموانئ العراقية وبالأخص الجدوى الاقتصادية لميناء الفاو الكبير، وسوف يشجع على مصادرة مياهنا البحرية بشكل مباشر او غير مباشر.

3-  يجب ان تؤخذ طبيعة الترسيب في خور عبدالله بنظر الاعتبار في اي اتفاق حدودي بحري فضلاً عن ضرورة وضع بنود اتفاق حول ضرورة معالج الرواسب مناصفة مع الدول المتشاطئة بشكل مستمر.

4- اعادة النظر بالقرار 833 بعد دراسة الفقرتين(2 و 3) من المادة (16) اذ انهما تتيحان امكانية رفض الاتفاقية او تعديل بنودها من قبل الطرفين بما لا يضر مصلحة اي منهما.

5-  وضع خطط طويلة الامد لتطوير البيئات الساحلية العراقية ترتكز على نظرة استراتيجية تأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية الاقليمية والعالمية، على ان تضع تلك الخطط في اولى حساباتها الاندماج مع مشروع طريق الحرير الصيني

6-توسعة الدراسات الاكاديمية والمنشورات الثقافية في مجال السواحل البحرية واهمية مشاريع الادارة الساحلية كجزء من نظام وطني لحفظ الاقتصاد القومي وحفظ تاريخ الوطن، ومن المهم تثقيف الرأي العام والجماهير العراقية بجغرافية البحر العراقي واهميته والتحديات التي تواجه ملف الحدود البحرية.

7-اطلاق برنامج بحري عراقي للمنافسة المينائية مع دول الجوار لمواجهة المشاريع التي تهدف الى تضعيف او الغاء دور الملاحة البحرية للعراق .

8- تسريع العمل بالمراحل المتبقية من مشروع ميناء الفاو الكبير، والعمل مع مزاوجة العمل بالمقتربات البحرية(Offshore) مع العمل بالمنشآت الساحلية  (Onshore)، واعتبار انجاز العمل في هذا المعلم الاقتصادي جزء من دواعي الامن القومي العراقي واعادة تفعيل خطط مشروع القناة الجافة المنسي وتنفيذها لربط ميناء الفاو بأوربا لإكمال الحلقة المفقودة في خطة عبور مشروع الحرير الصيني عبر العراق وهذا سيوفر مردود مالي هائل للبلد وسوف يوفر فرص عمل لآلاف العاطلين في جنوبي العراق.

9ـ فتح آفاق الاستثمارات الاجنبية في قطاع تطوير الموانئ العراقية وطرح المشاريع الكبرى للقطاع الخاص العراقي.

10- تعميق الصلات البحثية والاستشارية بين قطاعات الجامعات ووزارة النقل والهيئات العاملة في مجال الاستثمار البحري والساحلي.

11- تعزيز دور القرار البصري في الاستثمارات الساحلية والبحرية كونه الاجدر باتخاذ ومتابعة تلك القرارات.

الهوامش:

o        العلي، جميل طارش المحمود، حسن خليل حسن وحمود، عدي ادريس(2012) دراسة التغيرات  الطوبوغرافية والملاحية لقناة خور عبدالله ، مجلة ابحاث البصرة/العلميات العدد(38).المجلد (4) B .

·        المحمود، حسن خليل حسن(2017) تحليل اوقيانوغرافي لخور عبد الله جنوبي العراق، المؤتمر العلمي الدولي الخامس- جامعة بغداد- كلية التربية ابن رشد.

·        مطشر، وسام رزاق (2005) دراسة التاريخ التكتوني والترسيبي لمناطق الاهوار (جنوب العراق)، وقائع المؤتمر الأول لإنماء الاهوار، مركز علوم البحار-جامعة البصرة.

o        المحمود، حسن خليل حسن(2018) سواحلنا البحرية وطريق الحرير الجديد..!!، موقع النور- صحيفة المثقف.

·        المحمود، حسن خليل حسن(2018)مقالة ميناء الفاو الكبير اوله العثرة واخره الحسرة- مقالة منشورة في موقع صوت العراق- صحيفة المثقف – كتابات في الميزان 25-11-2018..

·        جعفر، محمد راضي (2013) الآثار الاقتصادية لإنشاء ميناء مبارك الكويتي على الموانئ العراقية، مجلة الاقتصادي الخليجي العدد24،         26 ص.

اترك تعليقاً