السيمر / فيينا / السبت 22 . 02 . 2020
محمد جواد الميالي
خرجت من داري ذاهباً نحو مقاهي المدينة القديمة في النجف، لأستمع إلى حكايات من واقع الحياة المزري، الذي كانوا يتعايشون معه أيام النظام الدكتاتوري.
كالعادة ركبت في سيارة الأجرة (الكيه) لكي أصل إلى مقهى النجف الفلكلوري، رغم عناء الطريق المليئ بالمطبات، وإنعدام نظافة الشارع، إلا أني وصلت في نفس الموعد الذي يفتح به المقهى.
دائما ما كنت أرى رجلاً كبيراً بالعمر يملئه بياض الشيب يجلس وحيداً متكدراً بالهموم والتفكير، جلست بقربه وعرفته على نفسي، و سار بنا الحديث إلى كلمة أسير..
أشعل سيجارته وبدا كأنه ينفخ الهموم مع دخان الذكريات، قال ” أجبرني صدام كغيري على الذهاب للجبهة لقتال الشعب الإيراني، رغم أني المعيل الوحيد لزوجتي وأطفالي، إلا أنهم أجبروني على الذهاب لسوح القتال، لم أعرف لماذا كنا نحاربهم، لكن كان يجب علينا أن نمتثل لأمر الطاغية، ومن لم يلبي الأمر كان يعدم.. لم أقتل أحد في المعركة، وسرعان ما وقعت أسيراً بيد الإيرانيين”.
أكمل سيجارته وبدأ بالثانية، أسترسل قائلاً “عندما أسروني كنت خائفاً من التعذيب والقهر، لكثرة ما نسمعه من ماكنة البعث الإعلامية.. صحيح أنه لم يكن فندقاً بخمس نجوم فهو أسر على أي حال.. لكنه أبعد ما يكون عن ما كان ينقله البعثيون، بسبب وجود السيد محمد باقر الحكيم.. الذي في أحدى خطبة قال لنا، نحن نواجه نفس العدو، فالطاغية صدام هو سبب الخراب بالعراق، وسبب الحروب التي أنهكتكم وهجرتنا من وطننا”.
شرب كوب الشاي وأكمل كلامه وعلى محياه شيء من الأستغراب “كان الحكيم يتكلم بشجاعة مفرطة، وكان يقول وكله أمل، بأنه سيأتي يوم يتخلص فيه العراق من صدام، وتنتصر مقاومة الأحرار.. بعضنا كان يستمع له بفرح غامر، وآخرين كانوا يعتبرون كلامه مجرد أحلام لا يمكن أن تتحقق”.
أنهى الحديث قائلاً ” بعد أن عدنا من الأسر، عمل أعلام البعث على تشويه صورة الحكيم في العراق، حيث بث إشاعات بأن الأخير كان يعذب الأسرى في إيران!”.
بعد أن أنهينا الحديث، تأكدت أن ما قاله الأسير (ع.ص) أثبت أن إستقبال الجموع لشهيد المحراب، كان بسبب جهاده ضد الحكم الدكتاتوري، وأن له محبين في ربوع العراق، لذلك يعتبر أحد رموز وطننا، التي لها مكانه في نفوس العراقيين.
إذاً ما حدث من محاولات لإحراق مرقده، إنما هي فتنه، كانت تحاول جر الشباب إلى تهديم قيم المجتمع الإسلامي، فالشعوب تنظر بإحترام لرموزها، والشهيد العراقي قضى حياته مجاهداً ضد الباطل، مناصراً لأبناء وطنه، لكن أجمل ما في الحكاية أن خاتمتها مسك.. فمن بدأها جهاد ختمها شهادة ليصبح رمزاً لملايين البشر.