السيمر / فيينا / الخميس 23 . 04 . 2020 — قالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، إن بلادها “استطاعت القيام بما لم تستطع دول كثيرة القيام به” واحتوت تفشي الفيروس في المجتمع النيوزيلندي ، ويمكنها الآن الشروع في تخفيف إجراءات الإغلاق. مراسلة بي بي سي شيماء خليل ترى في هذا التقرير أن نجاح البلاد هذا، وقيادة أرديرن، قد حظيا باهتمام عالمي.
في 13 مارس/آذار، كانت نيوزيلندا على وشك الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للهجوم على كرايست تشيرتش في حدث استذكاري ضخم على الصعيد الوطني.
وسألتُ رئيسة الوزراء أرديرن بعد ذلك عما إذا كانت قلقة بشأن استضافة مثل هذا التجمع الكبير، خاصة بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتشار جائحة كورونا، فكان ردها إنها لم تكن قلقة، مستندة بذلك على النصائح العلمية الموجودة.
لكن الأمور تغيرت بين ليلة وضحاها. فلم يُلغ الحدث فحسب، بل أعلنت أرديرن أنه يتعين على جميع القادمين تقريباً إلى نيوزيلندا عزل أنفسهم لمدة 14 يوماً.
وكانت تلك الخطوة من بين أول وأقسى إجراءات العزل الذاتي في العالم، والتي قادت، بعد أسبوع من ذلك، إلى إعلان إغلاق كامل في البلاد.
وقالت أرديرن لشعبها: “إننا نتحرك بجد قبل أن تخرج الأمور من السيطرة” . “لدينا 102 حالة إصابة فقط، ولكن إيكاليا كانت في مثل هذا الحال مرةً” قبل أن يتفشى المرض بشكل كبير فيها.
وخلال الأسبوعين التاليين من الإغلاق، شهدت نيوزيلندا انخفاضاً مستقراً في عدد حالات الإصابة الجديدة. وحتى الآن، لديها 12 حالة وفاة فقط، وأكدت أن معدل عدد الاشخاص الذين ينقل كل شخص مصاب بالعدوى الفيروس لهم هو أقل عدد من الأشخاص.
وتستعد البلاد الآن الخروج من حالة الإغلاق القصوى في 28 أبريل/نيسان الحالي.
وفي وقت وجه البعض انتقادات لرد فعل الحكومة في التعامل مع الأزمة، يقول آخرون إن نيوزيلندا قدمت نموذجاً إنسانياً للتعامل مع الوباء بشفافية وبتعامل يستند إلى العلم.
الصحة قبل الاقتصاد
إن نيوزيلندا بالطبع دولة صغيرة – عديد سكانها أقل عددا من سكان مدينة نيويورك – وهي جزيرة بعيدة يسهل غلق حدودها. وكان هذا لصالحها عند تفشى الفيروس.
لكن نجاحها النسبي (لديها أقل عدد إصابات بالقياس الى عدد السكان مقارنة بدول أخرى في العالم) يُعزى بشكل رئيسي إلى شفافية الرسالة التي أعلنتها الحكومة. على عكس الدول التي أعلنت “الحرب على كوفيد -19 ” ، كانت رسالة الحكومة تدعو البلد للاتحاد، وتحث الناس على “التعاون والتوحد لمكافحة الوباء”، ووصفت أرديرن مراراً بلادها بتعبير : “فريقنا المكون من خمسة ملايين”.
ويقول البروفيسور مايكل بيكر من قسم الصحة العامة بجامعة أوتاغو، والذي ساعد في تقديم المشورة للحكومة، عن رد جاسيندا: “إنها قائدة عطوفة ولديها مهارات بارعة في التواصل مع الآخرين”. “لكن ما قالته كان منطقياً وأعتقد أن الناس يثقون بذلك فعلاً. كان هناك مستوى عالٍ من الامتثال لقرارها”.
ويضيف البروفيسور: ” لكي تكون الاستجابة للجائحة فعالة، يجب أن تتماشى مع العلم والقيادة معاً”.
في نيوزيلندا، جاءت هذه البصيرة العلمية من خلال المدير العام للصحة أشلي بلومفيلد، الذي وقف إلى جانب أرديرن في مؤتمراتها الصحفية اليومية.
وتقول سارة روبسون، وهي صحفية بارزة في إذاعة نيوزيلندا: “منذ البداية شرح بيكر للناس بعناية وهدوء العديد من القضايا الصحية المعقدة المتعلقة بكوفيد – 19، مما مهد الطريق لقرارات الحكومة”.
وتضيف: “ولأنه نقل بوضوح المسار الذي كنا بصدده فيما يتعلق بزيادة عدد حالات الإصابة بالفيروس، وهكذا عندما أقرت جاسيندا أرديرن الإغلاق، تفهم الناس الأمر”.
ويقول شون هندي، الأستاذ في كلية العلوم بجامعة أوكلاند ، إن علاقة العمل القوية هذه مع الوسط العلمي، جعلت نيوزيلندا في وضع أفضل مقارنة بالدول التي “كانت لها علاقات صعبة مع المجتمع العلمي فيها في الآونة الأخيرة”.
ويضيف: “يبدو أن تلك العلاقة (الصعبة) تؤدي إلى تقليل الفاعلية الوظيفية لنظام المشورة العلمية، إذ يشعر العلماء بأن تأثيرهم ضئيل وقد يتم تجاهله”.
“كن قوياً وعطوفا “
بيد أنه، وعلى غرار ما حدث في فترة إطلاق النار الجماعي في كرايست تشيرتش، كان أسلوب أرديرن في القيادة هو ما جذب انتباها اهتماماً عالمياً خاصاً.
وكانت أرديرن أثناء إلقاء خطبها لاطلاع الجمهور على تفاصيل وقواعد الإغلاق ومسار نمو الإصابات الجديدة، تركز على على رسالة أخلاقية قوامها التعاطف.
وكانت تنهي معظم رسائلها التي توجهها إلى الناس بجملة “كن قويا. كن عطوفا”.
وبعد أن أعلنت الإغلاق، انتقلت لإيصال رسائلها عن طريق استخدام تطبيق “Facebook Live ” قائلة إنها تريد “الاطمئنان على أن الجميع على ما يرام” بينما كانوا يستعدون للبقاء في منازلهم.
لقد كانت تظهر على فيسبوك بشكل منتظم، وهي ترتدي ملابس عادية، وكانت دائماً الابتسام وتشارك جمهورها مقتطفات من حياتها الشخصية، لكنها لم تقلل من أهمية الموقف أثناء إجاباتها على أسئلة الناس.
وكانت الاستجابة لذلك في نيوزيلندا سيلاً من المديح العام لطريقتها وصمودها.
وقال توماس ويستون، مدير شركة تأمين ومقرها أوكلاند ، لبي بي سي: “كانت تعترف عند اتخاذ أي قرار بمدى صعوبته على الناس”.
“إنها تلقي خطابها بلطف ولكن بحسم في الوقتنفسه، كان جلياً ما يمكننا القيام به وما لا يمكننا”.
ومن هذا المنطلق، أعلنت أرديرن مؤخراً أنها ستقوم، هي والوزراء والرؤساء التنفيذيين للمؤسسات، بتخفيض رواتبهم بنسبة 20 في المئة للأشهر الستة المقبلة، للاعتراف بالتأثير الذي حصل على جميع النيوزيلنديين.
كما قدمت سوسي وايلز، الأستاذة المساعدة في جامعة أوكلاند، المشورة أيضاً للحكومة، بالإضافة إلى إطلاع النيوزيلنديين بانتظام على أحدث ما توصلت إليه بحوث الفيروسات.
نقص في الشفافية
وتجادل الدكتور وايلز بأن مفتاح استجابة نيوزيلندا لكوفيد 19 هو أن رئيسة الوزراء والحكومة يضعان صحة الناس بشكل واضح ضمن أولوياتهم، في حين أن البلدان الأخرى التي تأخرت بفرض تدابير التباعد الاجتماعي خوفًا من الأضرار الاقتصادية تواجه الآن صعوبة أكبر في السيطرة على انتشار الفيروس.
وتشدد : “بالتأكيد، إن احتضار أو موت السكان مضر بالاقتصاد”.
وعلى الرغم من الثناء الواسع على استجابة الحكومة، انتقد بعض الصحافيين أرديرن لعدم إتاحة الوقت الكافي لطرح الأسئلة خلال بياناتها اليومية حول كوفيد -19، وعدم توفر الوقت لطلب مزيد من التوضيح بشأن المعلومات أو لتحدي التصريحات التي تدلي بها.
ويقول مايكل موراه، وهو صحفي استقصائي في منصة “نيوز هوب” للأخبار التلفزيونية، إن بعض الأسئلة التي بعث بها إلى فريق الاتصالات بوزارة الصحة لم تتم الإجابة عليها بينما استغرقت أسئلة أخرى أياماً للحصول على رد.
ويضيف: كان الحصول على إجابات واضحة لأسئلتنا وفي الوقت المناسب، عملية شاقة ومحبطة للغاية.
ويوضح أن تأكيدات الحكومة بشأن توفر معدات الوقاية الشخصية تتعارض مع الأدلة التي سمعها من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية.
وكانت هناك أيضاً انتقادات للنقص النسبي في الشفافية بشأن بعض أكبر مجموعات بؤر الإصابة الفيروسية التي تضم الجزء الأكبر من عديد حالات الإصابة في نيوزيلندا، خاصة عندما لا يكون أصل حالات الإصابة واضحة.
وقال مراقبون إن هذه المجموعات مهمة بوجود أكثر من 230 حالة غير معروفة المنشأ، وتظهر ضعف نظام تقفي الأثر الذي يحدثه الفيروس، والذي يجادل كثيرون بأنه ضروري من أجل احتوائه.
ويقول الأستاذ هندي، يبد أن أي افتقار للشفافية ينبع على ما يبدو من النظام الصحي أقل جهوزية للتعامل مع تدفق المعلومات في حالات الطوارئ على الصعيد الوطني، وليس جراؤ عمل قصدي لإخفاء أوجه القصور.
ويضيف “إن نيوزيلندا بلد مترامي الأطراف وذو كثافة سكانية منخفضة ونظام رعاية صحية لامركزي. ومن الصعب تقفي الأثر فيه”.
وتقوم الحكومة الآن بضخ 55 مليون دولار إضافي من أجل عملية تقفي أثر الاتصالات مع المصابين بالفيروس. وتأمل أن تتمكن قريباً من اقتفاء أثر خمسة آلاف حالة اتصال بحاملي الفيروسات يوميا . كما أن لديها ثماني حالات فقط مثبتة بدون اتصال بحالات أخرى.
وسيبدأ النيوزيلنديون في الخروج من أقسى مستوى من الإغلاق يوم الثلاثاء المقبل، مع إعادة فتح جزئي للمدارس والشركات وتخفيف طفيف للقيود على الحركة ، لكن رئيسة الوزراء قالت إن التضحيات التي قُدمت حتى الآن لا يمكن تبديدها من خلال التسرع في فتح أبواب الاقتصاد بسرعة.
ويقول البروفيسور بيكر إن الهدف النهائي هو القضاء على هذا الوباء وليس فقط كبح جماحه. فالصين هي الدولة الوحيدة الأخرى التي تعمل على هذا الهدف.
ويضيف البروفيسور بيكر: “إن السبب في معرفتنا بنجاح هذه الطريقة هو أن الصين فعلت ذلك قبلنا، فهناك 1.4 مليار شخص لم يصابوا بالفيروس، لقد تمت حمايتهم”.
ويشدد: “إذا استطاعت الصين حماية سكان بهذا الحجم ، فمن المؤكد أن نيوزيلندا قادرة على حماية خمسة ملايين شخص”
وقالت أرديرن يوم الإثنين إنها أجرت اتصالات هاتفية بشأن كل واحدة من حالات الوفاة الـ 12 التي شهدتها البلاد.
وأضافت: “قد نكون من بين البلدان القليلة التي لا يزال من الممكن فيها حدوث هذا”.
وتنسب أرديرن الفضل في نجاح البلاد إلى الأطباء والعاملين في القطاع الصحي والطريقة التي دعم بها الناس قواعد الإغلاق، قائلة لهم: “لقد أثبت النيوزيلنديون أنفسهم، وقد فعلوا ذلك بطريقة مذهلة”.
المصدر / بي بي سي