السيمر / فيينا / الاربعاء 27 . 05 . 2020
اسعد عبدالله عبدعلي
عشرون عاما لتشكيل عالم جديد ومختلف, برموز جديدة وجغرافيا مختلفة, وكان لابد من حروب اقليمية واهلية تندلع هنا وهناك, سقوط حكومات تشكل اخرى, وثورات مفاجئة تظهر ثم تختفي, واغتيالات تتزايد من دون معرفة الجناة, ونشوء التطرف الاسلامي بإدارة استخباراتية غربية, وزلزال اقتصادي مخيف, كل هذا حتى يتحقق هدف القوى العالمية الكبرى في تغيير العالم.
احداث العقدين الاخيرين كان لا تحمل الخير للشعوب ابدا! كانت البلدان مجرد حقل تجارب للقوى العظمى, انها لم تكن من باب الصدفة, بل هي احداث مخطط لها ان تقع كي تتحرك مصانع الغرب, ويعاد تشكيل خرائط العالم, مما ينتج شكل جديد للمنظومة العالمية, حيث يحدث تحالفات جديد, تخندقات جديدة, طرق تجارية جديدة, وبالتأكيد حروب جديدة, بالإضافة الى ان القوى العالمية المحركة للأحداث هي تهدف لشيء ما, يمثل غاياتها الكبرى لتلك الارادات, والان سنرتب الاحداث زمانيا لنستكشف ثمارها.
منطقة الشرق الاوسط كانت تمر بمرحلة ازدهار واستقرار مالي وتجاري, مع توجه لاتحاد عربي بين العراق وسوريا وبقيادة حافظ الاسد, القريب جدا من النظام الايراني الجديد المعادي للغرب, وهذا يمثل مرحلة خطير للغرب.
لذلك كان هنالك حراك غريب لإعادة تشكيل المنطقة, بهدف تفتيت مراكز القوى التي تهدد مستقبل القوى الغربية في المنطقة, يمكن تقسيم الخطوات الغربية على مراحل زمنية خلال عقدين من الزمن:
اولا: الدفع بصدام لحكم العراق/ 1979
دفعت المخابرات الامريكية بطفلها المدلل “صدام حسين” ليسطو على حكم العراق, وتم تنحيت الرئيس احمد حسن البكر, الذي كان لا يلبي طموحات امريكا للمرحلة القادمة, حيث كانوا يرونه ضعيفا امام الرئيس الاسد, مما يعني ابتلاع العراق مستقبلا من قبل الاسد, فكان اول قرارات صدام هو اعلان الحرب الاعلامية على سوريا! وايقاف عمليات الدمج بين مؤسسات الدولتين, والقيام بسلسلة عمليات اغتيال لكل القيادات السياسية العراقية المفكرة والمعتدلة, ثم دعم العمليات الارهابية للضرب في دمشق.
وهكذا انقذ صدام الغرب من مخاوفهم, في نشوء كيان جغرافي كبير ومخيف لكل تطلعات الغرب والصهاينة, مع زرع الخلافات العربية – العربية.
ثانيا: الهجوم العراقي على ايران/ 1980
بعد انتهاء “صدام” من تصفية المنافسين الداخلين, وغلق الحدود مع سوريا, عمدت القوى الغربية للدفع بصدام حرب ايران, لإيقاف المد الايراني في المنطقة, حيث كان يمثل النظام الايراني الجديد يمثل تحديا كبيرا للغرب, خصوصا بعد اعلانه العداء لأمريكا وسعيه لتحرير فلسطين, وتأثر الشعوب العربية بالخطاب الجديد, لذلك مع تسلم صدام الحكم, ابتدأ المخطط الجديد لضرب المنطقة بعضها ببعض, عبر تحريك الدمى الغبية.
فكان هجوم “صدام” داخل العمق الايراني, وسيطرته على ارض واسعة وغنية بالنفط, فكانت شرارة الحرب الطويلة لتدمير قدرات البلدين, مع توفير غطاء لديمومتها, عبر الدعم الخليجي, والتشجيع العربي لصدام, فأكلت الحرب اموال العراق وايران, وحصت مئات الالاف من الشباب, وعطلت مشاريع التنمية الاعمار والبناء, تحول العراق الى بلد استهلاكي محمل بديون كبيرة جدا.
بالمقابل تحقق للقوى الغربية عدة امور.. اهمها:
1- فتح سوق السلاح على مصراعيه بعد كساد طويل.
2- احراق دولتين مهمتين وتدمير البنية التحتية للبلدين.
3- ارجاع اسعار النفط الى ادنى مستوى لها بعد الارتفاع الكبير في السبعينات.
4- تحقيق الامن لإسرائيل من خطر كان قريبا.
5- حصول انشقاق عربي.
6- تكبيل العراق بديون كبيرة.
7- السيطرة بشكل اكبر على امارات وممالك الخليج.
الحقيقة الغامضة
مخطط امريكي مخيف لتغيير جغرافيا العالم عبر تفتيت بعض الدول وجعلها مطابخ عالمية للتغيير الجديد, والذي على اساسه ستتفرد امريكا وحلفاءها (بريطانيا وفرنسا) في ادارة العالم الجديد سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا, فكانت حرب العراق وايران مجرد حلقة ضمن حلقات كثيرة, فكانت حلقة تفتيت الاتحاد السوفيتي, ومن نتج عنه من جغرافيا جديدة, وانفراد امريكي بالعالم بعد اضمحلال القطب السوفيتي, ومع هذا الحدث الكبير سقوط جدار برلين وسقوط دكتاتور رومانيا, هذا التزامن في الاحداث يدلل على وجود يد تخطط لعالم جديد, وكان بانتظار الخطوة الاشد رعونة.
ثالثا: غزو العراق للكويت / 1990
يعتبر ما فعله صدام عام 1990 من اغبى وارعن ما يمكن ان يقوم به رئيس دولة, كان تصرفا غبيا جدا, حيث خدم الغرب مقابل اذلاله وتحقيره وتدمير جيشه, ان اي اختلاف سياسي اقتصادي بين جارين يمكن ان يحل عبر الحوار, لكن كان هناك دفع خفي من امريكا للحمار العراقي “صدام” مع وعود غير موثقة بانه سيترك هو وغنيمته “الكويت”, بالإضافة لتغذية جنونه بالحلم ان يكون جمال عبد الناصر الثاني, فدخل الكويت وانتشر الجنون في كل المنطقة ليعم الخراب, ويتم تدمير العراق.
وكان اهم مكاسب امريكا وحلفائها من حرب الكويت هي:
1- تدمير الجيش العراقي واسلحته.
2- كبح جماح المجنون صدام.
3- تقسيم العراق الى قسمين بعد وضع كردستان تحت الحماية.
4- فتح سوق السلاح على مصراعيه بذريعة الثور الهائج صدام.
5- انشاء قواعد امريكية في اكثر دول الخليج بذريعة المخاوف من الثور الهائج “صدام”.
6- اماتت القضية الفلسطينية.
7- انشقاق العرب الى معسكرين.
8- هرولة العرب للسلام مع اسرائيل.
9- انفراد امريكا بالعالم
رابعا: الحرب اليوغسلافية 1992
ما ان استقر الوضع بعد حرب الكويت, حتى اتجهت امريكا للمطبخ اليوغسلافي لإنتاج شكل جديد, جغرافية متنوعة في قلب اوربا ما بين شرقها وغربها, كان الهدف انتاج عدة دول من يوغسلافيا, وطرح الامر اولا على الرئيس اليوغسلافي ليقوم بالأمر من دون الحاجة للحرب وسفك الدماء, لكن الرئيس اليوغسلافي رفض, فاشتعلت الحرب وحصلت المجازر, وتشتعل البلاد بالحرب الاهلية, لتنتج (كرواتيا – صربيا – مونتنغرو – الجبل الاسود – البوسنة والهرسك), وعلى هذا الاساس برز العملاق الامريكي.
كانت يوغسلافيا بوابة لعلاقات جديدة, وطرق تجارية جديدة, وفتح اسواق السلاح, عمليات تصفية, وافتتاح اسواق كثيرة جديدة بحسب الخريطة الجديدة, وانهيار معسكر شرقي مهم بعد رومانيا وألمانيا الشرقية.
خامسا: صراعات اخرى
اشتعلت نيران الصراعات في اكثر من مكان عربي بفعل فاعل خفي, خصوصا البلدان التي كانت لجانب العراق وضد التحالف الدولي, ففي عقد التسعينات اشتعلت الحرب الاهلية في الجزائر عام 1992 بيد فرنسية, بعد الغاء الانتخابات الرئاسية, وسال نهر الضحايا, واستمرت لسنوات عديدة, اما الصراع اليمني – اليمني فكان تهديد حقيقي للوحدة اليمنية, وبتأثيرات خليجية وخارجية, فأما التقسيم واما الحرب الطاحنة, ومع الحرب تشكلت عصابات دولية وقراصنة على الارض والبحر, مع وضع سياسي هش.
اما السودان فزال استقراره بعد حرب الكويت, ومعه كان الدم السوداني يجري باستمرار لرغبة قوى عالمية بتقسيم الارض السودانية لدولتين او اكثر, وكان الامر اشد وطأة في الصومال وجيبوتي بفعل الحرب الشرسة التي احرقت الارض.
مع ارتفاع نار الصراع الهندي الباكستاني حصول مشاكل كبيرة داخل البلدين, وظهور تنظيم القاعدة وجماعة الطالبان في افغانستان, وانتشار الفكر التكفيري في المنطقة عموما.
سادسا: صراع الحضارات
مع هذه الحروب والحصار ارتفع لهيب الصراع الثقافي الذي تسعى امريكا من خلاله لدك الحصون الثقافية للشعوب وان يعتنق الكل الثقافة الامريكية, بحيث يتحول كل البشر اتباع لأمريكا, ما بين عبيد ومستهلكين وذيول ذليلة, وهي تحرك العالم وتنشر رؤيتها للحياة, وكانت مكاسب الحضارة التكنلوجية مخيفة, بل هي مما عجل في دك الحصون الثقافية للشعوب, حيث اصبحت القنوات التلفازية والمواقع الالكترونية شريكا في التربية, فتم قلع الجذور ونشوء اجيال مشوهه ثقافيا, متأثرة بالمثال الامريكي.
تغير القيم لتسود قوانين الغابة, ويرتفع عامل الجنس كمحرك للأهداف الانسانية بدل القيم السامية.
وما عاد من سبيل للوقوف امام الهجمات الثقافية التي تقوم بها القوى الظلامية لأمركة العالم, اصبح على الامم القبول بالواقع والتعايش معه, للخروج باقل الاضرار,
النتاج كان الفوضى والظلم
كان نتاج كل هذا الخراب تهيئة الارض للألفية الثالثة, والتي ستكون بشكل مختلف, مع خراب ثقافي وقيمي, وارتفاع نار الطائفية والقومية, وانتشار الظلم في الكثير من بقاع المنطقة, وكل ما حصل للمنطقة بصورة خاصة وعبر مخطط القوى الغربية المرسوم بعناية فائقة, لأهداف دينية وماسونية واقتصادية.