السيمر / فيينا / الاربعاء 10 . 06 . 2020 — تحدث بيتر-ميخائيل ديستل، وزير داخلية جمهورية ألمانيا الديمقراطية الأخير، لـ”سبوتنيك” حول حياته وعمله ولقائه ببوتين، مؤكدا أنه أراد توحيد شطري ألمانيا وكان في الوقت نفسه سعيدا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
وأصبح ديستل وزيرا لداخلية جمهورية ألمانيا الديمقراطية في أبريل/نيسان 1990، وظل في منصبه هذا حتى أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. ووقع الوزير ديستل في 1 يوليو/تموز 1990، اتفاقية تفكيك الحواجز الحدودية بين جمهورية ألمانيا الديمقراطية وجمهورية ألمانيا الاتحادية. وكان ديستل عضوا في مجلس براندنبورغ في الفترة 1990 – 1994، ورئيسا لنادي كرة القدم “هانسا روستوك” في الفترة 1994 – 1997. يرأس مكتب محاماة منذ عام 1993.
التحول الآمن
وقال ديستل إنه كان سعيدا حين عاش في جمهورية ألمانيا الديمقراطية حيث تلقى علومه وحصل على شهادة دكتوراه. والشيء الوحيد الذي عكر سعادته هو الوعي بأنه لن يستطيع مواصلة التطور في بلاده في وقت ما.
وأدرك ديستل أن تطوير الذات يستدعي التحول لتوحيد شطري بلاده. وأسس ديستل ورفاقه في عام 1989 حزبا. وبعد مضي بضعة أشهر أصبح وزيرا للداخلية.
وكشف ديستل لـ”سبوتنيك” أنه رأى لزاما عليه كوزير للداخلية أن يوفر الأمن لمسيرة التحول لتوحيد شطري ألمانيا، مستعينا بالقوات التابعة لوزارة الداخلية التي تضم مليون شيوعي. ويفتخر ديستل بأنه حظي بتأييد قادة القوات المسلحة وقوات الأمن والشرطة وقوات حرس الحدود.
ويشير ديستل إلى أن توحيد شطري ألمانيا تم بناء على مبادرة الشرق وليس الغرب. وقاد ديستل ورفاقه هذه المسيرة معتمدين على مسؤولي جمهورية ألمانيا الديمقراطية الأمنيين.
سوء المعاملة
وعلى الرغم من أن هؤلاء ساهموا في جهود توحيد شطري ألمانيا إلا أن الكثيرين منهم لاقوا سوء المعاملة المشوب بالنقمة في ألمانيا الموحدة.
ويذكر ديستل أنه علم لدى وصوله إلى فندق “نبتون” في مدينة فارنيموند أن بوّاب الفندق كان ضابطا في القوات البحرية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية برتبة عقيد. ويقول ديستل: “صدمني هذا لأنني وعدت هؤلاء بأنهم سيحصلون على الوظائف المناسبة بعد تحقيق الوحدة الألمانية”. أما الآن “فقد وضح لي أن عملية التوحيد لا تفيد هذه الدائرة من الناس الذين سلّموا السلاح والسلطة بصورة طوعية”.
ومن أمثلة النقمة غير المبررة على سكان ألمانيا الشرقية التي انطلقت منها مسيرة الوحدة الألمانية أن سلك سفراء ألمانيا الموحدة خلا حتى عام 2018 من ممثلي الشرق الألماني. ولا تزال قائمة جنرالات الجيش الألماني ورؤساء مؤسسات التعليم العالي تخلو من أبناء ألمانيا الشرقية. ويقول ديستل: “إن هذا أمر لاأخلاقي ينافئ الدستور”.
عملاء الشرق
سبوتنيك: ما مصير عملاء مخابرات ألمانيا الديمقراطية في الخارج؟
ديستل: كنت مسؤولا عنهم؟ وبذلنا، طبعا، جهودا من أجلهم. وتواجدوا في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أخرى. ولو تم كشف غطاء السرية عنهم لواجه بعضهم عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة. وتم استدعاؤهم بقدر الإمكان. وذهب جميعهم تقريبا إلى موسكو أو بلدان أخرى ما زالت تعتمد النظام الاشتراكي. وتعاون الطرف الروسي معنا بشكل مدروس في هذا المجال. كما أننا توصلنا إلى التفاهم مع الزملاء في مؤسسة السلطة الاتحادية. وتمكنا بالتالي من تجنب الاعتقالات. ولكن الحكومة الاتحادية لم تصدر عفوا رسميا.
سبوتنيك: هل سعت مخابرات ألمانيا الغربية إلى الحصول على معلومات عملاء مخابرات ألمانيا الشرقية؟
ديستل: أرادت ذلك بالطبع، ولكن الواقع أن مخابرات ألمانيا الشرقية كانت متفوقة على نظيرتها الغربية. ولو كشفنا النقاب عن جميع المعلومات المخابراتية التي كانت متوفرة لنا في عام 1990 لما تحققت الوحدة الألمانية وعانى الغرب من الفضائح المخزية.
سبوتنيك: كيف تعاملتم مع السلطات السوفييتية؟
ديستل: كنت على اتصال وثيق مع السفير السوفييتي فياتشيسلاف كوتشيماسوف. وتعاملت رسميا مع الجنرال أناتولي نوفيكوف (مندوب جهاز أمن الاتحاد السوفييتي/الكي جي بي في برلين) ومساعديه. وهدفت لقاءاتي معهم إلى تجنب ما يمكن أن يعيق عملية الوحدة الألمانية. ومن الجدير ذكره أن أحد اللقاءات حضره بوتين (الرئيس الروسي حاليًا) بصفته مترجما للجنرال نوفيكوف.
نتيجة الحرب العالمية الثانية
وقام ديستل بزيارة إلى موسكو حيث التقى مدير الكي جي بي فلاديمير كروتشكوف.
ويقول ديستل إن زيارته لموسكو تركت أثرها الإيجابي على الألمان وكشفت له مدى اهتمام موسكو بما يجري في ألمانيا.
ويؤكد ديستل أنه لم ينظر إلى ممثلي الاتحاد السوفييتي والجنود الروس المتواجدين في جمهورية ألمانيا الديمقراطيةعلى أنهم محتلّون، بل نظر إلى وجود الجنود الروس في أراضي جمهورية ألمانيا الديمقراطية على أنه أمر طبيعي ونتيجة منطقية للحرب العالمية الثانية.
هونيكر
وعن أريك هونيكر، رئيس ألمانيا الشرقية الشيوعي الأخير، يقول ديستل: “حرصتُ على أن أعامله معاملة الإنسان لأخيه الإنسان… وجدته رجلا ذكيا ولكنه إنسان مسنّ مريض. ولم يكن ممكنا أن يكون عدوا لي. ولم يمكنني أن أكرهه”.
سبوتنيك: يبدو أنكم تحملون ذكرى طيبة عن جمهورية ألمانيا الديمقراطية. ومن جهة أخرى يمكن القول إنكم ساعدتم على “قبر” جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
ديستل: لم أكره جمهورية ألمانيا الديمقراطية. غير أن الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و30 سنة لم يروا مستقبلا لهم في هذا البلد. ولم أكن، مع ذلك، أريد أن أرحل. ويكذب اليوم مَن يقول إن الذين لم يطلبوا أن يُسمح لهم بمغادرة جمهورية ألمانيا الديمقراطية هم أنصار النظام. الحقيقة هي أن الذين بقوا هم قاموا بهدم الجدار الفاصل بين شطري ألمانيا.
سبوتنيك: هل يمكن أن تحققوا شيئا لو كنتم عميل زملائكم في ألمانيا الغربية؟
ديستلر: لم أكن عميلا لأحد. إنني أردت الوحدة الألمانية. وأراد الجانب الآخر نفس الشيء… ودخلنا، نحن جمهورية ألمانيا الديمقراطية الصغيرة، دار الآخرين وكان علينا أن نلتزم بالقواعد المنظمة لشؤون هذه الدار. ولكننا نجحنا بوضع القوانين المنظمة لعملية التوحيد. وأعتبر النتيجة النهائية أنجح عمل للسياسة الألمانية في السنوات الـ500 الماضية.
المنتصرون يكتبون التاريخ
ويؤكد ديستل أن الألمان الشرقيين هم المنتصرون في حين خيل للألمان الغربيين أن الذي حقق الانتصار بتوحيد شطري البلاد هو ألمانيا الغربية.
ويرى ديستل أنه من الضروري أن تشكر ألمانيا منتسبي جهاز أمن جمهورية ألمانيا الديمقراطية لأنهم لم يطلقوا النار عندما جرى توحيد شطري ألمانيا.
ويشعر ديستل بالغبن لأن السلطات الألمانية لا تدعوه وغيره ممن كان لهم أكبر إسهام في تحقيق الوحدة الألمانية لحضور الاحتفالات التي تقام احتفاء بذكرى تحقيق الوحدة.
ويختتم ديستل حديثه قائلا: “إذا لم نغير السياسة تجاه الشرق الألماني فسوف تتغير ألمانيا من الشرق نحو الأسوأ”.
المصدر / سبوتنيك