أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / يا قاضي القضاة أنت شريك المجرمين

يا قاضي القضاة أنت شريك المجرمين

السيمر / فيينا / الخميس 18 . 06 . 2020

سليم الحسني

حين ينتهي دوامك الرسمي وتعود الى بيتك يا سيادة القاضي، فانك تكون قد انتهيت من إلقاء أكوام من المآسي على صدور الفقراء والمظلومين. فكل يوم يمرّ من دون أن تحاسب فاسداً، تكون قد شاركت في حرمان آلاف وآلاف العوائل من وجبة العشاء. ينام الأطفال على الجوع، بعد أن يقهرهم اليأس من كسرة خبز. يقضي الآباء ليلهم على أشواك الهموم. وتموت الأمهات ألف ميتة بالحسرات والخوف والأحزان.

لا أعرفُ المبررات التي تهدهدها مع نفسك في الليل لكي تخدع عينيك بالنوم، لكني أعرفُ أنه نوم كاذب. جفنان مطبقان والروح قلقة.

أنت شريك في السرقة والقتل والظلم. هكذا يقول الناس حين يرون تواطؤك وتلاعبك بالقضاء. لكن الحق له رأي أشد، فهو يرى فيك السارق والقاتل والظالم. جرّبْ أن تسأله، فسيجيبك بأكثر من ذلك ويقول: أنت أيضاً مزوّر ومخرّب.

حين تسقط امرأة في الرذيلة، فأنت السبب لأنك لم تحاسب الفاسدين الذين سرقوا حقها، فدفعها الفقر والعوز الى الانحراف. لقد مزّق تستّرك على الفاسدين سِترها.

عندما يترك الطفل مدرسته ويضيع في الشوارع، فأنت الذي أغلقت بوجهه باب المدرسة حين حميت الفاسدين، فجاع هذا الطفل وتمزقت ثيابه وحفيت قدماه، ثم أشرتَ اليه أن يلجأ للشارع.

أنت يا قاضي القضاة تحاكم أشخاصاً على جرائم أنت أردتها، لقد دفعتهم الى ذلك دفعاً، أغلقت عليهم الطرق الصحيحة، فسلكوا درب الجريمة.

أنت أيها القائم على العدالة تحاكم مجرمين أنت صنعتهم. وتعفو عن القتلة واللصوص فتشجعهم، ولك جزء مما يكسبون. إنها دورة خراب تبدأ منك وتنتهي اليك، تديرها بإصرار من يجد الحياة في بقائها.

هل فكرتَ بذلك يوماً؟

هل حزنت على طفل وفتاة وأرملة تشتتوا بعد مقتل معيلهم، وكنتَ انت الذي أصدر حكم البراءة للقاتل؟

لا تقلْ انك فعلت وأنك حزنت. لم تفعل ولم تحزن، فأنت لا تمرّ في طريقك على الفقر، ولا ترى الظلامة، فبين مكتبك الباذخ المحصّن، وبين قصرك المترف المحصن، تتلاشى المسافات، وتنعدم رؤية ما يُعكّر المزاج، وينام فيها الضمير. لا يقتصر الأمر عليك، إنما يسري على مئات الأشخاص في تلك المنطقة الموبوءة.

لستُ واعظاً لأقول لك أن هناك حساباً وعقاباً وناراً. لا أجيد الوعظ، لم أعد أحسنه، لقد سرَق بعض الواعظين قوت الفقراء، فاستحتْ على لساني كلماته. لكني أقول لك أن تنظر الى سلفك الطاعن في السن، إحدى ساقيه في القبر، والثانية يزحف نحوها الخدر. بعد قليل سيدفعه ملك الموت في حفرته. تأمل وجهه قبل أن يواريه التراب، ستجده يبكي ندماً. انصتْ الى صمته الأبدي ستسمع صوت الندم. وسواء عليك وقفت على قبره أم لم تقف، فستسمع صراخ الندم يخترق أذنيك من كل مكان.

أكمل مشوارك مع الفاسدين واللصوص والمجرمين. هي خطوة زمن تأخذ لحظاتها ثم يلف الموت أصحابها.

١٨ حزيران ٢٠٢٠

الجريدة لا علاقة بها بكل ما ورد من آراء بالمقالة 

اترك تعليقاً