الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / الرابعة عصراً بتوقيت العراق.. “أشباح” تبتلع عشرة مليار دولار سنوياً من جيب واحد

الرابعة عصراً بتوقيت العراق.. “أشباح” تبتلع عشرة مليار دولار سنوياً من جيب واحد

السيمر / فيينا / الجمعة 10 . 07 . 2020 — ليس من المبالغة القول إن ملف فساد المنافذ الحدودية الذي تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بمواجهته، يشكل أحد أكبر العقبات في وجه مسيرة التغيير والاصلاح التي وعد بها، ذلك أنها تضعه بشكل مباشر في مواجهة “أشباح” كما وصفها مؤخرا، لن يكون من السهل عليه التغلب عليها.

وحاولت الحكومات السابقة بما في ذلك حكومة عادل عبدالمهدي، والبرلمان العراقي في السنوات الماضية الإمساك بهذا الملف، لكن من دون جدية تذكر، وذلك بالنظر الى حجم الأموال الهائل الذي تدره المنافذ الحدودية والتي يذهب معظمها الى قوى مسلحة وعصابات ومسلحون عشائريون، فيما لا يصل الى خزينة الدولة المتعثرة ماليا، سوى النزر القليل.

ونحن نتحدث عنها عن هدر قدرته العديد من المصادر بما لا يقل عن عشرة مليارات دولار، فيما يعتقد أن ما يصل الى خزينة الدولة العراقية من هذه المنافذ لا يتعدى بضعة مئات الملايين من الدولارات. وإذا استثنينا قطاع النفط، فإن مداخيل المنافذ الحدودية مع السعودية وايران وتركيا وسوريا والاردن والكويت، الى جانب المعابر الجوية، من ضرائب ورسوم جمركية وغيرها، تشكل الجزء الأكبر من إيرادات البلاد، الى جانب المليارات التي تتدفق على خزينة الدولة من زيارة العتبات المقدسة.

ولملف فساد المنافذ الحدودية ابعاد داخليا حساسة بالإضافة الى بعد اقليمي لا يقل خطورة، ذلك ان المنافذ الحدودية هي نقطة التقاء جغرافي للعراق مع محيطه. فمثلا، معبر سفوان يربطه مع الكويت، وطريبيل مع الاردن، وعرعر وجديدة عرعر مع السعودية، والوليد مع سوريا، فيما تربطه بإيران حدوديا الشيب والمنذرية والشلامجة وزرباطية، وذلك الى جانب المنافذ التي تربط اقليم كوردستان بدول الجوار، وميناء البصرة الذي يربطه بمياه الخليج.

وبهذا الخصوص يقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر لوكالة شفق نيوز، لا توجد إحصائية دقيقة بشأن حجم إيرادات المنافذ الحدودية، إلا أن الإيرادات تقدر سنويا بين 10 و12 مليار دولار سنوياً، مضيفا  أن “الإيرادات السنوية من المنافذ التي تدخل إلى خزينة الدولة لا تتعدى اثنين مليار دولار، أما الأموال الأخرى فتذهب إلى جيوب الفاسدين”.

وفي ايار/مايو الماضي، تم التداول برقم مشابه. فقد قال النائب عن تحالف الفتح فاضل الفتلاوي وكالة لشفق نيوز ان “الواردات الحقيقية للمنافذ الحدودية تتجاوز 10 مليار دولار سنويا.. وان هذه الاموال للأسف لم تسجل في الموازنة العامة للدولة العراقية”، مشيرا الى ان المنافذ الحدودية تسلم الحكومة مليار دولار فقط من حجم وارداتها السنوية”.

وتشير تقديرات غير رسمية الى ان الاموال المختلسة والمهدورة في ملف المنافذ الحدودية ربما تصل الى ان نحو 100 مليار دولار منذ العام 2003 وحتى الآن.

لا بل ان عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية ميادة النجار ذهبت بالتفاصيل ابعد من ذلك، اذ كشفت في 19 ايار/مايو الماضي، ان بعض المنافذ الحدودية تخرج عن سيطرة الحكومة العراقية “بعد الساعة الرابعة عصرا”، أي بعد انتهاء الدوام الرسمي.

وهناك منافذ حدودية “غير مسجلة لدى الحكومة” ايضا بحسب ما كشفت النجار، مشيرة الى ان وارداتها تذهب الى “جهات سياسية او عشائرية”.

وأضافت أن “المنافذ الحدودية التي تخرج عن السيطرة تذهب وارداتها إلى جهات مستحوذة غير رسمية منها جهات سياسية أو عشائرية”.

وفي ظل العجز القاسي الذي تعاني منه ميزانية الدولة العراقية والمتفاقم لأسباب عديدة من بينها الفساد واضرار جائحة كورونا وتخبط الإنتاج النفطي واسعاره، فان قضية مداخيل المنافذ الحدودية تشكل حبل نجاة محتمل لحكومة الكاظمي. وقد سبق لنواب وخبراء في الاقتصاد ان دعوا الحكومة الى فرض سيطرتها على “جميع المنافذ الحدودية” لأن من شأن ذلك مساعدة العراق على تجاوز تداعيات عجز الميزانية.

وخلال لقائه مع شخصيات اعلامية في حزيران/يونيو الماضي، قال الكاظمي “ستكون هناك حملة قريبة لإعادة الاعتبار الى المنافذ، وسنحارب أشباحا”.

وأوضح ان “هناك خسائر بمليارات الدولارات سنويا في المنافذ، وإن هناك عصابات وجماعات وقطّاع طرق وأصحاب نفوذ، هم من يسيطرون في بعض الأحيان على المنافذ وعلى حساب الدولة”.

ولعل معضلة الكاظمي الاساسية تكمن في ان ملف فساد المنافذ الحدودية يستقر بين يديه كاملا بكل أثقاله، اذ لم تبذل جهود حقيقية لتفكيك حقل الألغام هذا بما يسهل عمل الحكومة الحالية. يؤكد ذلك تصريح كوجر بان  “الحكومات المتعاقبة لم تكن جادة في مكافحة الفساد والسيطرة على المنافذ الحدودية”.

الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية في ملف المنافذ الحدودية ان طرق أبوابه قد يفتح على حكومة الكاظمي دهاليز التوتر والصدام مع القوى التي قد تتضرر من إحكام قبضة الشفافية على المنافذ الحدودية، وبالتالي فان الكاظمي محكوم بضرورة التوصل الى تفاهمات خاصة مع قوى سياسية وحزبية وبرلمانية قبل المضي قدما في تفكيك العبوات الحدودية هذه.

ولان بعض الأحزاب السياسية تستفيد من موارد المنافذ الحدودية، فلن يكون من السهل عليها تقبل فكرة التخلي عن بعض مواردها المالية المهمة من اجل مكاسب قد تكون شكلية هنا وهناك، وستتوقع من الكاظمي المبادرة إليها بمغريات مقنعة لها في إطار فكرة المحاصصة التي تتعارض مع أولويات الحكومة الحالية كما يبدو.

وسيكون الخيار البديل امام الكاظمي اذا لم تنجح مقاربات التسوية هذه، اللجوء الى خيار صدامي أكثر، إذ تدور تكهنات باحتمال لجوء رئيس الوزراء إلى تكليف جهاز مكافحة الارهاب، الذي يقوده عبدالوهاب الساعدي، للامساك بالمعابر الحدودية باعتبار ان الملف يمس الأمن الوطني ويجر أموالا على تنظيمات وقوى قد تشكل خطرا أمنيا على الدولة.

ومن المحتمل ان يقود التصعيد في هذا الملف الى اشعال بؤر توتر أمنية مع قوى عراقية يعتقد انها مرتبطة المصالح بإيران، اذا شعرت بمخاطر المس بمداخيلها حتى لو كانت غير شرعية، خصوصا ان هذه القوى تستشعر اعباء عمليات الضغط الاميركي عليها وعلى “حليفها الايراني” في إطار السياسة العامة للإدارة الاميركية الحالية في محاولة خنق طهران اقتصاديا.

ويقول كوجر في هذا السياق أن معالجة ملف المنافذ الحدودية “لا يتم إلا عن طريق حصر إدارة المنافذ من قبل الدولة، وتواجد قوة عسكرية قادرة على مواجهة الفاسدين وتحويل نظام العمل من يدوي إلى الإلكتروني، وتبديل الكوادر الموجودة بالمنافذ بشكل دوري”.

وفي هذا الإطار، عقد اجتماع بين الكاظمي ورئيس هيئة المنافذ الحدودية عمر الوائلي تم الاتفاق خلاله على إجراءات لاحكام السيطرة على المنافذ من خلال ضبط آليات العمل ووضع خطط تقود الى تعزيز الايرادات و”منع اي تدخل خارجي” يستهدف المس بمقدرات الدولة.

وسبق لهيئة المنافذ الحدودية ان ردت في ايلول/سبتمبر الماضي على تصريحات لكوجر اشار فيها الى ان بعض المنافذ الحدودية “تكون تحت سيطرة ماوصفها بالمليشيات بعد نهاية الدوام الرسمي للموظفين”. وذكرت الهيئة وقتها أن “جميع المنافذ الحدودية الاتحادية، البرية والبحرية والجوية، هي تحت سيطرة هيئة المنافذ الحدودية عدا منافذ اقليم كوردستان كونها غير خاضعة لسلطة الحكومة الاتحادية”.

وبمعنى آخر، سيضطر الكاظمي إلى وضع جهاز مكافحة الارهاب اذا التزم بهذا المسار، بمواجهة مباشرة أيضا مع ميليشيات ممولة من ايران، تماما على غرار ما جرى في “ليلة المداهمة” التي جرت في الشهر الماضي وطاولت مجموعة مسلحة تابعة لكتائب حزب الله العراقي، وفجرت أجواء توتر مثيرة في بغداد طوال أيام، اقتصدت في النهاية جهودا حثيثة من رئيس الحكومة لعقد لقاء مصالحة وتطييب خواطر بين الجهاز وبين الكتائب.

وهناك معلومات بأن خلية لإدارة الأزمة يجري تشكيلها لتضم ممثلين عن وزارات الدفاع والداخلية والمالية بالاضافة الى جهاز المخابرات، للامساك بملف المنافذ الحدودية.

ومع ذلك، فان المهمة ليست سهلة وهي تقتضي حسابات دقيقة، يتقنها الكاظمي لكنها مع ذلك غير مضمونة النتائج.

لكن المتحدث باسم الحكومة العراقية، قال مؤخرا أن حكومة الكاظمي تعمل على “فرض هيبة الدولة على تلك المنافذ”.

وهناك جانب آخر لهذا الملف لا يقل حساسية وهو مرتبط بالمنافذ الحدودية التي تديرها سلطات إقليم كوردستان، وبالتالي فان في توجهات الكاظمي حول المنافذ، قد تثير خلافا مع حكومة اربيل التي تشرف على منافذ حدودية مع كل من تركيا وإيران. والمعابر التي مع حدود ايران هي حاج عمران وباشماخ وبرويزخان.

ونقلت وكالة شفق نيوز مؤخرا عن مصدر في حكومة إقليم كوردستان قوله ان حكومة اربيل على إستعداد للحوار مع بغداد بشأن سلطة المنافذ الحدودية بشرط أن “تتمكن فيه الحكومة العراقية من فرض سيطرة فعلية على بقية المنافذ والمطارات والموانئ”. واوضح المصدر ان “حكومة الإقليم مستعدة لخوض نقاش قانوني بهذا الصدد يضمن فيه حقوق شعبنا”.

وبالتالي فان النقاش حول المنافذ الحدودية التي تديرها سلطات الاقليم، مرتبطة أيضا بتسوية القضايا الخلافية الأخرى العالقة مع بغداد من بينها معالجة الخلافات المالية وايرادات النفط ورواتب الموظفين والمادة 140 من الدستور والسيطرة على ما يسمى المناطق المتنازع عليها، وهي كلها قد تشكل عقبات للحوار القائم ما بين اربيل وبغداد منذ شهور، اذا ما اضيفت اليها قضية المنافذ الحدودية الان من دون عقلية منفتحة تستهدف المعالجة لا التعقيد.

اترك تعليقاً