السيمر / فيينا / الاربعاء 15 . 07 . 2020
أياد السماوي
حين شرّع مجلس النواب العراقي قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 , كان الفساد المالي والإداري هو أحد أهم موجبات تشريع هذا القانون وإلغاء القانون القديم رقم 159 لسنة 1979 الذي أصبح عاجزا عن التصدّي للفساد المالي والإداري والنهب المنّظم للمال العام الذي ضرب كافة مؤسسات ووزارات الدولة العراقية .. إضافة إلى الموجبات الأخرى التي تتعلق بحماية النظام الديمقراطي والحفاظ على وحدة البلد والوقوف بوجه عصابات الجريمة المنّظمة .. فبالرغم من وجود هذا العدد الكبير من الهيئات الرقابية الحكومية ممثلّة بهيئة النزاهة والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية ودوائر المفتش العام قبل إلغاها ولجان مجلس النواب الرقابية , إلا أنّ هذه الهيئات واللجان جميعا لم تتمّكن من إيقاف سرطان الفساد الذي ابتلع كافة مؤسسات ووزرارات الدولة , ولم تنجو من هذا الفساد حتى المؤسسات الدينية والاجتماعية .. ولهذا السبب تحديدا كان الاتجاه يسير نحو القضاء ممثلا بالادعاء العام ليقف بوجه وحش الفساد المدّمر .. فتمّ تشريع قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 الذي نشر في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) العدد 4437 في 06 / 03 / 2017 .. وبموجب هذا القانون أعطيت للادعاء العام صلاحيات فوق الكبرى للتصدّي للفساد المالي والإداري وإيقاف النهب المنّظم للمال العام , و قد نصت المادة (5) من قانون الادعاء العام على مهام الادعاء العام , ومن هذه المهام إقامة الدعوى بالحق العام و قضايا الفساد المالي والإداري ومتابعتها استنادا لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية رم (23) لسنة 1971 المعدل , كما نصت الفقرة (ثاني عشر ) من المادة (5) من قانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017 على ان يتولى الادعاء العام التحقيق في جرائم الفساد المالي و الإداري , وكذلك الجرائم المنصوص عليها في قانون هيئة النزاهة رقم (30 ) لسنة 2011 , والجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل و هي جرائم الرشوة والاختلاس وجرائم استغلال النفوذ الوظيفي و الإهمال الوظيفي ..
وكان من المفترض بجهاز الادعاء العام بعد صدور القانون رقم 49 لسنة 2017 أن يضع حدا للفساد المالي والإداري والنهب المنّظم للمال العام , وأن يقوم بحماية نظام الدولة وأمنها والحرص على المصالح العليا للشعب والحفاظ على اموال الدولة والقطاع العام .. لكنّ جهاز الادعاء العام الذي أنيطت به هذه المهمة الوطنية الكبرى وبموجب القانون , تقاعس عن القيام بهذا الدور الذي أوكله له القانون رقم 49 لسنة 2017 , ولم يحرّك ساكنا باتجاه حماية المال العام من النهب المنظّم والفساد المالي الذي ابتلع كافة مؤسسات الدولة , حيث لم يسّجل لجهاز الادعاء العام ملاحقة أي من ملّفات الفساد الكبرى أو أي من المتّهمين بهذه الملّفات .. وكأن حماية المال العام وملاحقة المتّهمين بقضايا الفساد وإقامة الدعوى بالحق العام عليهم , ليست جزء من صلب مهام هذا الجهاز كما ورد في القانون أعلاه .. والدليل على هذا هو موقف الادعاء العام غير المكترث من صفقة فساد تجديد عقود الهاتف النّقال التي تعتبر الصفقة الأكبر في تاريخ الفساد في حقبة ما بعد نظام صدّام المجرم .. ولو كانت الحكومة تعلم بوجود جهاز وطني للادعاء العام , لما أقدمت أصلا على الموافقة بتجديد هذه العقود التي فرّطت بالمال العام .. وهذا مما يثير الشكوك والريبة في رئيس جهاز الادعاء العام السيد موفق العبيدي في واحد من أمرين , أمّا كونه متوّرطا هو الآخر بالفساد أو أنّه شخص جبان لا يقوى على مجابهة عصابات ومافيات الفساد التي تنهش في البلد كما ينهش السرطان في جسم المريض .. وإذا كانت صفقة تجديد عقود الهاتف النقال لم تحرّك ضمير السيد رئيس جهاز الادعاء العام , فمتى يتحرّك ضميره ومتى تتحرّك غيرته الوطنية وينهض بإداء واجباته التي فرضها عليه القانون ؟ وإذا كان جهاز الادعاء العام ميتا سريريا , فليعلن السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى في بيان رسمي موت جهاز الادعاء العام ..
في 14 / 07 / 2020
الجريدة لا علاقة لها بكل ماورد من آراء داخل المقالة